ما قــل ودل: على هامش رد التقاعد المبكر

نشر في 08-07-2018
آخر تحديث 08-07-2018 | 00:08
 المستشار شفيق إمام حسنا فعل صاحب السمو الأمير عندما استخدم صلاحياته الدستورية المنصوص عليها في المادة (66) من الدستور في طلب إعادة النظر في مشروع القانون الذي أقره مجلس الأمة بجلسته المعقودة بتاريخ 16 مايو الماضي، وهو المشروع الذي ينقض بمعاوله على نظام التأمينات الاجتماعية بإقراره للتقاعد المبكر دون ضرورة توجبه، بل رهنا بإرادة المؤمن عليه وحده، تلبية لرغبات بعض المواطنين، دون أن يتغيا في ذلك المصلحة العامة التي توجب الحفاظ على الثروة البشرية العاملة، والحفاظ على النظام ذاته، والذي أصبح التقاعد المبكر بموجب المشروع يهدده بخطر جسيم.

المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون

ولعل المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون قد أنصفت الحقائق التي قدمناها في صدر المقال من المشروع ذاته، عندما اعترفت بهذه الحقائق كاملة في ديباجتها التي نقول فيها: "استجابة لمطالب بعض المواطنين بإتاحة الفرصة أمامهم لاختيار التقاعد المبكر بما يتواءم وظروفهم الحياتية، وحرصاً على عدم الإضرار بنظام التأمينات الاجتماعية والتأثير على دوره في كفالة العيش الكريم لأصحاب المعاشات ومن يعولونهم، بما يوجب المحافظة عليه وضمان استمراره، ومراعاة لعدم إرهاق الخزانة العامة بأعباء إضافية تثقل كاهلها في ضوء أوضاعها المالية التي توجب ترشيد إنفاقها. فقد أعد القانون المرافق مقرراً بوجه عام مكنة قانونية للمواطنين الراغبين في التقاعد مبكراً قبل بلوغ السن المحددة لاستحقاق المعاش أو صرفه، يتحمل المواطن تكلفتها بالكامل كتبعة لهذه الرغبة والاختيار، باعتبار أن التزام الدولة بتوفير خدمات التأمين الاجتماعي مرتبط بحسب الأصل بتغطية أخطار الشيخوخة والمرض والعجز والوفاة وليس من ذلك التقاعد المبكر المرتبط بأسباب لا صلة مباشرة لها بالأخطار المؤمن ضدها".

مشروع القانون يخيب آمال مذكرته

في الحقائق التي حفل بها استهلال مذكرته الإيضاحية، والتي انقض عليها المشروع بمعاوله، فخيب آمالها في عدم الإضرار بنظام التأمينات الاجتماعية، فأضر بالنظام، وخيب آمالها في تحميل المؤمن عليه الراغب في التقاعد المبكر، التكلفة المالية لتحقيق رغبته، بتحميل هذه الأعباء للنظام ذاته بما يخل بتوازنه المالي ويقعده عن الوفاء بالتزاماته الآنية فضلا عن التزاماته نحو الأجيال المقبلة، محملاً الخزانة العامة هذه الأعباء، فضلا عن سائر المؤمن عليهم، الذين يغطيهم النظام ضد أخطار الشيخوخة والعجز والمرض والوفاة، ولم يلتفت المشروع إلى ما جاء في مذكرته الإيضاحية في تحديدها لهذه الأخطار وإقرارها بأن التقاعد المبكر يخرج عن سياقها، وأن الأصل ألا يغطيه النظام، فالمشروع في مذكرته الإيضاحية ينهى عن كل ذلك ولا يتردد في الإتيان به في نصوصه الصريحة التي تقضي بذلك، ودون استحياء، فمن الحقائق التي أوردها المشروع في ديباجته بما يصدق على القول المأثور ينهى عن فعل ويأتي بمثله.

التقاعد المبكر ركيزة أساسية في النظام

فالمذكرة الإيضاحية في شجاعة كاملة تقول إن التزام الدولة بتوفير خدمات التأمين الاجتماعي لا صلة مباشرة لها بالتقاعد المبكر، لأنه ليس من الأخطار المؤمن ضدها بموجب نظام التأمينات الاجتماعية.

وتزيد المذكرة الأمر إيضاحا في قولها: بأن "خدمات التأمين الاجتماعي ترتبط بحسب الأصل بتغطية أخطار الشيخوخة والمرض والعجز والوفاة".

إلا أن مشروع القانون تنكب هذه الحقيقة في أغراض النظام وجعل من التقاعد المبكر أصلا عاما، فمشروع القانون، حسبما أفصحت عنه المذكرة، "أعد مقررا بوجه عام مكنة قانونية للمواطنين الراغبين في التقاعد مبكراً قبل بلوغ السن المحددة لاستحقاق المعاش أو صرفه".

فالتقاعد المبكر لم يعد يقتصر على حالاته التي نص عليها القانون الحالي، وهي حالات العجز الكامل عن العمل واستنفاد الإجازات المرضية وعدم اللياقة للخدمة صحياً في القطاع الحكومي، وانتهاء الخدمة لأسباب تهدد حياة المؤمن عليه بالخطر إذا استمر في عمله، بل أصبح خطابه عاما موجهاً إلى الكافة لا استثناء من الأصل العام في الأخطار التي حددتها المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون– بحق– واستثناءات المذكرة تؤكد أنه لا يجوز التوسع في الاستثناء أو القياس عليه.

ولا أحد يكتم خشيته من التداعيات السلبية لإعادة النظر في هذا القانون والموافقة عليه بالأغلبية الخاصة التي قررتها المادة (66) من الدستور، عندما يسارع كثير من المواطنين في استخدام المكنة القانونية التي قررها المشروع لكل من يرغب في التقاعد المبكر فور العمل به لا قدر الله، فينهار النظام فور تطبيق القانون، خصوصا مع التيسيرات التي قررها المشروع لكل من يرغب في التقاعد المبكر وهي:

وقد جاوز مشروع القانون المدى في ذلك في تعديله للبند (5) من المادة (17) عندما نص المشروع على عدم خضوع معاش المؤمن عليهم للتخفيض المقرر بحكم المادة (20) من هذا القانون، وعلى إلغاء الجدول رقم (9) المرافق لقانون التأمينات الاجتماعية.

وهو تخفيض تقرره المادة (20) بنسبة 5% لمن يتقاعد في سن أقل من 45 سنة، و2% لمن يتقاعد في سن أقل من 52 سنة.

ويحدد الجدول رقم (9) النسبة التي يتحمل بها كل من المؤمن عليه والخزانة العامة من مبالغ التخفيض في المعاش التقاعدي في تطبيق حكم البند (5) من المادة (17) من قانون التأمينات الاجتماعية.

وهو تخفيض يقوم في أصله وفي نسبته على الحسابات الاكتوارية التي يقوم عليها التوازن المالي للمشروع، وهو تخفيض ضئيل، ولكنه أحد روافد التوازن المالي في النظام.

كما تعتبر المادة (20) والجدول رقم 9 المشار إليهما تطبيقا لقاعدة شرعية من قواعد أصول الفقه الإسلامي تقول "من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه، وما لا يدرك كله لا يترك جله".

ونختم هذا المقال بسؤال مشروع هو: ما الذي تحقق في المشروع من الوعود التي وعد بها في مذكرته الإيضاحية وهي: "الحرص على عدم الإضرار بأصحاب المعاشات ومن يعولونهم". و"عدم إرهاق الخزانة العامة بأعباء إضافية تثقل كاهلها في ضوء أوضاعها المالية التي توجب ترشيد الإنفاق"؟

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top