THE WORLD AS IT IS لِبن رودز (1)

كاتب خطابات أوباما يروي خفايا البيت الأبيض المشوّقة

نشر في 08-07-2018
آخر تحديث 08-07-2018 | 00:04
طوال أكثر من 10 سنوات عمل بن رودز في قلب فريق إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما. بدأ مسيرته كاتباً لخطابات الرئيس أولاً ثم أصبح المستشار الثاني لقضايا الأمن القومي، وأخيراً المساعد المقرّب من الرئيس الذي كان يلجأ إلى خبراته في مجالات عدة.
روتينه اليومي كان يبدأ في البيت الأبيض بجولة أفق سياسية يحضرِّها للرئيس في مكتبه الخاص، وقد جال العالم مع أوباما ورافقه في مراحل مفصلية من رئاسته شهدت عواصف سياسية وولادة قرارات حاسمة.
في كتابه THE WORLD AS IT IS (العالم كما هو) يروي لنا رودز قصصاً مشوّقة دارت في أروقة الرئاسة الأميركية ومكاتب إدارتها، وحكايات مثيرة للاهتمام لم تتسرب إلى العلن، كذلك يتطرَّق إلى العلاقة التي ربطته برئيسٍ برهن أنه من القامات التاريخية للولايات المتحدة.
كانت تلك الزيارة آخر مناسبة يحضرها باراك حسين أوباما بصفته رئيساً للولايات المتحدة الأميركية في بلدٍ أجنبي. جلس على مقعده فيما أغلق عميل في الجهاز السري باب السيارة الثقيل. قال له: «لنعد إلى ديارنا».

في كل يوم تسافر فيه مع الرئيس، ستعتاد على وضع حقيبتك خارج باب غرفة الفندق قبل أن يأخذها أحدهم في وقت محدد. كان هذا الموقف جزءاً من إيقاع السفر السهل الذي يوشك على الاختفاء قريباً.

خلال محطّتنا الأولى في أثينا، كنا نخطط لإلقاء خطاب احتفالاً بصمود الديمقراطية في منشئها على أن تظهر قلعة أكروبوليس في خلفية المكان.

تعقّبتُ أوباما فيما كان يتجوّل بين الأعمدة القديمة. عندما رأيتُه لاحقاً، كرَّر على مَسمَعيَّ مقولة كان يرددها في ساعات الصباح الأولى بعد فوز دونالد ترامب: «في السماء نجوم أكثر من حبيبات الرمل على الأرض».

خلال محطّتنا الثانية في برلين بألمانيا، طلبت أنجيلا ميركل رؤية أوباما على العشاء في أول ليلة لنا هناك. تتمتع المستشارة الألمانية بنوع من الكاريزما العكسية: إنها امرأة قوية ومتّزنة تجذب ابتسامتها الخفيفة الناس بسهولة، كذلك تجيد التعامل مع السلطة وتبدو متصالحة مع نفسها. رحّبت بأوباما وهي تضع يدَيها على ذراعَيه. كانت أقرب شريكة له في عالمٍ بَخُل عليه بالأصدقاء. حتى أنها جازفت بمستقبلها السياسي حين قرَّرت استقبال مليون لاجئ سوري في بلدها. كان الرئيس معجباً بنزعتها البراغماتية وثباتها وعنادها. خلال السنة السابقة، اضطر بنفسه إلى محاربة النظام البيروقراطي في بلده لزيادة عدد اللاجئين في الولايات المتحدة مُكرراً عبارة «لا نستطيع أن نترك أنجيلا وحدها».

جلس الاثنان وحدهما إلى طاولة صغيرة وبسيطة في وسط غرفة المؤتمرات في الفندق. تناولا الطعام وتكلما لثلاث ساعات: إنه أطول وقت يمضيه أوباما مع أي زعيم أجنبي على مرّ ثماني سنوات.

أخبرنا أوباما لاحقاً بأن ميركل كلّمته عن قرارها الوشيك بشأن الترشح لولاية جديدة، فاعتبرت أنها مضطرة الآن إلى اتخاذ هذا القرار بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتخاب ترامب. في نهاية زيارتنا ألمانيا، حين ودّعها أوباما على باب الليموزين، ظهرت دمعة في عينها في مشهدٍ غير مسبوق. فقال وهو يهز رأسه: «أصبحت أنجيلا وحيدة».

خلال المحطة الثالثة والأخيرة، اختلى الزعماء مع أوباما بشكلٍ متلاحق خلال قمة دول المحيط الهادئ في ليما وسألوه عما يتوقّعه من دونالد ترامب. كان يدرك المعايير السائدة في منصبه، لذا حثّ نظراءه على إعطاء فرصة للإدارة الجديدة. تقابل قادة البلدان الأحد عشر التي خاضت مفاوضات شاقة لإقرار اتفاق «الشراكة التجارية العابرة للمحيط الهادئ» مع أوباما في اليوم الأول. لكنهم أخفوا امتعاضهم مع أنهم استاؤوا من اضطرارهم إلى اتخاذ قرارات سياسية صارمة لربط مستقبلهم الاقتصادي بالولايات المتحدة قبل أن يلوّح الرئيس المُنتخَب حديثاً بالانسحاب. حتى أنهم حاولوا تبرير موقفهم حين اعتبروا أنهم سيمضون قدماً على الأرجح استناداً إلى اتفاق معيّن لا يشمل الولايات المتحدة.

للمرة الأولى منذ ثماني سنوات، بدا وكأننا ما عدنا نتحكم بمسار التاريخ. اعتذر رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، على خرق البروتوكول حين قابل ترامب في «برج ترامب» من دون إبلاغ أوباما مسبقاً. شعر المسؤول الياباني بأنه مضطر إلى التقرب من رجلٍ هدَّد بمطالبة اليابان بدفع كلفة تمركز قواتنا هناك. أكد آبي تخطيطه لزيارة «بيرل هاربر» حين يكون أوباما في هاواي في شهر ديسمبر، في مبادرة تصالحية تشبه زيارة أوباما لهيروشيما، لكن بدت هذه الخطوة فجأةً غير متناسقة مع آخر المستجدات.

قابل أوباما الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في غرفة مؤتمرات أحد الفنادق. لم يلمس أحد أكواب الشاي البارد والماء المثلّج أمامنا. حصلت مراجعة مفصّلة للتطورات كافة التي سُجّلت في السنوات الأخيرة. أكد شي لأوباما أنه سينفذ «اتفاق باريس للمناخ» حتى لو قرر ترامب الانسحاب منه. فأجابه أوباما: «إنه قرار حكيم من جانبك. لكني أظن أنك ستلاحظ استمرار الالتزام باتفاق باريس في الولايات المتحدة، أقله في الولايات والمدن والقطاع الخاص». مرّت سنتان فقط على الفترة التي سافر فيها أوباما إلى بكين وضمن إقرار الاتفاق بالتعاون مع الصين لمحاربة التغيّر المناخي. إنها الخطوة التي جعلت اتفاق باريس ممكناً أصلاً. لكن يبدو أن الصين ستقود هذه الجهود وتضمن استمرارها الآن.

مع اقتراب انتهاء الاجتماع، سأل شي جين بينغ عن ترامب. مجدداً، طلب أوباما إليه أن ينتظر ويرى ما ستقرره الإدارة الجديدة، لكنه ذكر أن الرئيس المُنتخَب تطرّق إلى المخاوف الحقيقية التي يحملها الأميركيون بشأن صوابية علاقتنا الاقتصادية مع الصين. قال شي: «نفضّل الحفاظ على علاقة جيدة مع الولايات المتحدة. إنه وضع إيجابي بالنسبة إلى العالم. لكن لكل فعلٍ رد فعل. وإذا قرر زعيم غير ناضج أن ينشر الفوضى في العالم، سيعرف العالم على من يقع اللوم».

في هذا اليوم الأخير، عقد أوباما آخر اجتماع ثنائي مع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو. جلس الرجلان على كرسيَّين متجاورَين في غرفة خلفية في مركز المؤتمرات حيث عُقدت القمة وأحاط بهما بعض المرافقين.

قال ترودو إنه يقتدي بوالده الذي تحوّل من زعيم محلي في كندا إلى رجل دولة على الساحة العالمية. أضاف بعد ذلك أنه استوحى حملته الانتخابية من أوباما، في إشارةٍ إلى مقاربة سياسية تبدو اليوم مُهدّدة. أكّد ترودو أيضاً أنه سيحارب النزعات الاستبدادية حول العالم بابتسامة على وجهه. إنها الطريقة الوحيدة للفوز بحسب رأيه.

نزعة عالمية فارغة

على طول شوارع ليما، راحت الحشود تلوّح للرئيس الأميركي أثناء مروره. قال أوباما الذي كان يجلس في الجهة المقابلة لي داخل الليموزين الرئاسية: «ماذا لو كنا مخطئين؟».

فسألتُه: «مخطئون في أية مسألة؟».

طوال أيام، كنا نحاول تحليل ما حصل في الانتخابات الأخيرة. لم يصدّق أوباما أننا خسرنا الانتخابات وراح يُعدد المؤشرات وتداعياتها: «نسبة البطالة 5%. تأمين صحي لعشرين مليون شخص. سعر البنزين منخفض. كانت العوامل كافة في مصلحتنا!». لكنه تذكّر مقالة نُشرت في صحيفة «نيويورك تايمز» واعتبرت أن الليبراليين نسوا أهمية الهوية بالنسبة إلى الناس وأننا تبنّينا رسالة لا تختلف عن مضمون أغنية جون لينون (Imagine)، بمعنى أننا أيّدنا نزعة عالمية فارغة ما عادت تؤثر في الناس. أضاف الرئيس: «ربما بالغنا في مقاربتنا التوسعية. ربما أراد الناس أن يعودوا إلى جذورهم بكل بساطة».

كان وقع تعليقه ثقيلاً على كل من سمعه. في الأسبوعين الأخيرين، كان أوباما الشخص الوحيد الذي كشف شجاعة حقيقية. عشية يوم الانتخابات، بعدما ذكّرني بمقولة «في السماء نجوم أكثر من حبيبات الرمل على الأرض»، أرسلتُ إليه ملاحظة بسيطة في محاولةٍ لرفع معنوياته: «التقدم لا يتخذ مساراً مستقيماً». منذ ذلك الحين، يكرر في محادثاته المغلقة مع طاقم الموظفين وفي مقابلاته العلنية نسخته الخاصة من العبارة فيقول: «التاريخ لا يتخذ مساراً مستقيماً، بل يتعرّج أحياناً».

ماذا لو كنا مخطئين فعلاً؟

كان جزء من تعليقات أوباما لاذعاً بعض الشيء، لا سيما الفكرة القائلة إنّ كل ما مثّله يوماً أصبح قضية خاسرة في الوقت الراهن. لكني قلتُ له: «كنتَ لتفوز حتماً لو ترشّحتَ بنفسك». انتقلتُ لاحقاً إلى حجّة مختلفة وتكلمتُ عن الشباب الذين خاطبهم في أحد الاجتماعات المحلية قبل يوم من حضوره إلى ليما، كما فعل في بلدان كثيرة حول العالم. قلتُ له: «لقد فهموا رسالتك. هم أكثر تسامحاً من غيرهم ولديهم نقاط مشتركة مع الشباب الأميركي أكثر من ترامب. لم يصوّت الشباب الأميركي لصالح ترامب، مثلما امتنع الشباب البريطاني عن التصويت لقرار انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي».

لم يرفع أوباما نظره إليّ فيما كان يسمعني لكنه قال: «لا أعرف. أحياناً أتساءل إذا كنت ظهرتُ على الساحة السياسية قبل 10 سنوات أو 20 سنة من الوقت اللازم».

وصل الموكب إلى المطار وتوقف على المدرج بانتظار وصول الطائرة الرئاسية الأميركية.

فيما كنا ننتظر أن يفتح لنا أحد الموظفين الباب، انحنى أوباما إلى الأمام ووضع مرفقيه على ركبتيه وقال تعليقاً على كلامي عن فئة الشباب: «قد تكون محقاً. لكننا سنكتشف قريباً مدى قوة مؤسساتنا على الصعيدَين المحلي والعالمي».

للمرة الأولى منذ ثماني سنوات، لم نعد نحتاج إلى التخطيط لأي رحلات. سيركب أوباما الطائرة بصفته رئيساً أميركياً من أصل إفريقي أنهى ولايتين رئاسيتين بنجاح وعبّر عن طموحات مليارات الناس حول العالم. لكنه كان يوشك على تسليم الحكم إلى رجلٍ يمثّل القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة التي تتعارض مع هويته. عكست مزحة ألقاها بعد أيام على الانتخابات حجم إحباطه من النتيجة التي ستؤثر على ما يبدو في حياته المتبقية كلها، فقال: «أشعر بأنني مايكل كورليون. كدتُ أخرج من السباق فعلاً».

وقفتُ هناك ولم أتمكن من فهم المشاعر التي انتابتني حين أدركتُ أنّ بلدنا يتمثّل للمرة الأخيرة في الخارج بهذا الرجل المحترم والحازم... هذا الرجل الذي يبدو متحفظاً حيناً وأكثر جرأة من أي سياسي آخر أحياناً.

وصل أوباما إلى أعلى السلالم، فظننتُ أنه سيتوقف لبرهة إضافية كي يستوعب كل ما يحصل ويسمح لنفسه بكبح أفكار كانت تتسابق في عقلي. لكن بغض النظر عن نوع الذكريات التي كانت تتدفق في رأسه، ومهما كان شعوره تجاه مئات أماكن قصدها بصفته الرئيس الأميركي وملايين الناس الذين قابلهم هناك، ورغم الشكوك المتزايدة بالمرحلة المرتقبة، اكتفى بتلويح يده كما يفعل دوماً قبل أن يختفي وراء باب الطائرة ويبدأ رحلة العودة إلى دياره.

ماذا لو كنا مخطئين فعلاً؟

البدايات

في المرة الأولى التي قابلتُ فيها باراك أوباما، لم أرغب في التفوه بكلمة. حصل ذلك في أحد أيام شهر مايو من عام 2007. كنتُ أجلس حينئذ في مكتبي الخالي من النوافذ في «مركز وودرو ويلسون الدولي للعلماء». كنتُ عاطلاً عن العمل وأفكر بالعودة إلى نيويورك حين تلقّيتُ اتصالاً من مارك ليبرت الذي كان أحد كبار مساعدي أوباما في شؤون السياسة الخارجية في مجلس الشيوخ.

قال لي: «بن، كنت أتساءل إذا كنت تستطيع أن تأتي للمشاركة في النقاش التحضيري مع أوباما».

رحتُ أضغط على الهاتف بقوة. خلال الأشهر الأخيرة، كنت أبذل قصارى جهدي للانضمام إلى حملة أوباما. لكني لم أستطع الاقتراب منه وبدأتُ أتساءل عن المغزى من عملي التطوعي هذا.

سألتُ عن موعد الاجتماع، فقال لي إنه سيُعقد الآن.

كان الاجتماع سيحصل في شركة محاماة على بُعد بضعة أحياء. مثل الأعمال كافة التي قمتُ بها في الحملة، شعرتُ بأن هذا الموعد أشبه باختبار. حين وصلتُ إلى هناك، أرسلوني نحو مجموعة من الأبواب الزجاجية تؤدي إلى غرفة مؤتمرات واسعة. كان أوباما يجلس إلى رأس الطاولة. قابلني ليبرت على الباب ودفعني إلى الخارج وقال لي إن الحاضرين يتناقشون حول صوابية أن يصوّت الرئيس لصالح قانون الإنفاق في الكونغرس لتمويل خطة زيادة القوات العسكرية في العراق. قال لي: «لذا فكرتُ باستدعاء خبير في الملف العراقي».

قبل بضعة أشهر، كنتُ أنهيتُ العمل مع «مجموعة دراسة العراق» التي كُلّفت بوضع استراتيجية خاصة بحرب العراق. كان رب عملي حينئذ، لي هاملتون، يتشارك رئاسة المجموعة مع جيمس بايكر.

بالنسبة إليّ، أعطاني المشروع فرصة التعمق في حربٍ تابعتُ تطورها بغضب عارم. كجزءٍ من عملنا، قصدنا العراق في صيف عام 2006 وتوجهنا إلى بغداد في طائرة شحن مع مجموعة من أعضاء قسم الخدمة. هبطت الطائرة بعنف في مطار بغداد الدولي واضطرت إلى تغيير مسارها لتجنب حريق مضاد للطائرات. صعدنا بعد ذلك في مروحيات وتوجهنا نحو «المنطقة الخضراء».

كل ليلة، كانت المروحيات تجلب أميركيين مصابين إلى مستشفى مؤقّت. حين زرنا المكان، تكلّم هاملتون مع أحد المسعفين الذي أعطانا لمحة عن عمله، فقال: «يقضي عملي بإبقاء هؤلاء الأشخاص على قيد الحياة إلى أن نتمكّن من إخضاعهم للجراحة».

بعد مرور سنوات عدة ورؤية تداعيات حرب العراق، بدأنا نكتب التقارير ضمن لجنة متخصصة، لكن سرعان ما تولّيتُ قيادة المشروع. أوضحت لي هذه التجربة مسألتين: أولاً، يبدو أن الأشخاص الذين يزعمون أنهم الأكثر اطلاعاً على التطورات أوصلونا إلى كارثة أخلاقية واستراتيجية. ثانياً، لا يمكن تغيير الوضع من دون تغيير أصحاب القرار. رغم أهمية عملي، لطالما أردتُ الانخراط في معترك السياسة وأردتُ العمل مع باراك أوباما تحديداً.

دخلتُ مع ليبرت إلى غرفة المؤتمرات وجلستُ إلى آخر الطاولة، في أبعد نقطة عن أوباما، بالقرب من طوني لايك الذي كان يرأس شبكة من المستشارين في شؤون السياسة الخارجية ضمن الحملة.

منذ أن سمعتُ خطاب أوباما في مؤتمر الحزب الديمقراطي في عام 2004، أردتُ أن يترشح للرئاسة. كان يعارض الحرب فيما أيّدها معظم السياسيين الآخرين. كان يستعمل لغة صادقة وأخلاقية على عكس المسؤولين في بلادنا.

خيّمت على القاعة أشباح انتخابات عام 2004، حين اعتبر الجمهوريون جون كيري متساهلاً مع الإرهاب. قال أوباما: «هيلاري ستصوّت لكل من أصوّت له أنا». لقد فوجئت بثقته بنفسه.

كي لا أتكلم إزاء المجموعة، فضّلتُ أن أطرح آرائي للايك. بدأتُ أخبره عن الأسباب التي تدفع أوباما إلى التصويت ضد المشروع. لاحظتُ أن أوباما يحب أن ينادي جميع الحاضرين في القاعة ولا يحبّذ الأحاديث الجانبية. فسأل طوني إذا كان يرغب في مشاركة رأيه.

قال طوني: «لِمَ لا نسأل بن؟».

فسأل أوباما: «من هو بن؟».

قال ليبرت: «لقد أسهم في كتابة تقرير «مجموعة دراسة العراق»».

فنظر إلي أوباما وسألني: «ما رأيك إذاً؟». شعرتُ بتشنج في معدتي وبضيق في صدري وجفاف في حلقي. لم أكن أستطيع الاستفاضة في الكلام، لذا أردتُ إيجاد طريقة أخرى لتقسيم كلامي.

فسألتُ أوباما: «أنت تعارض خطة زيادة القوات العسكرية، أليس كذلك؟».

أجابني: «طبعاً».

أخذتُ نفساً عميقاً وسألتُه: «كما أنك طرحت مشروعاً لسحب القوات من العراق تدريجاً وفرض شروط إضافية على العراقيين لعقد المصالحة، أليس كذلك؟».

أجاب أوباما: «نعم».

«لكنّ هذا التشريع يموّل تلك الخطة ويرفض مشروعك، أليس كذلك؟».

«نعم».

بدأ أوباما ينزعج، لذا أخبرتُه مباشرةً: «ما الذي يدفعك إذاً إلى التصويت لصالح سياسة تعارضها وتعرف أنها لن تعالج الوضع في العراق وتتناقض مع المشروع الذي طرحته؟ يجب أن تصوّت ضد القرار».

ساد الصمت في الغرفة للحظات، ثم انحنى أوباما إلى الأمام وطرق بيده على الطاولة وقال: «حسناً، أظن أننا تكلمنا بما يكفي. سأتخذ قراري حين أعود إلى الكونغرس».

حين انتهى الاجتماع، بدأ الحاضرون ينقسمون إلى مجموعات ونهض أوباما واستعد للمغادرة. بعدما وصل إلى الباب، توقف والتفت واتجه نحوي ومدّ يده تجاهي وقال: «مرحباً، أنا باراك. يسرني أنك معنا».

شكرتُه بارتباك فيما كان يغادر. طلب إليّ ليبرت أن أرافقه إلى محطة المترو. قال لي حين كان ينزل السلم الكهربائي: «لا أحد هنا يفهم أمراً في السياسة الخارجية».

وقفتُ على مدخل محطة المترو التي كنتُ أقصدها في آخر خمس سنوات. لقد تغيّر جانب من حياتي لكني لم أتمكن من تقييم حجم ذلك التغيير. بعد بضع ساعات دخل أوباما، الذي يقدّر على ما يبدو قيمة النصائح المبنية على المنطق ويرفض الانصياع للتوجهات التقليدية، إلى مبنى الكونغرس وصوّت ضد القرار.

ميركل ودّعت أوباما ودمعة في عينها فقال وهو يهز رأسه: «أصبحت أنجيلا وحيدة»

«أشعر بأنني مايكل كورليون» مزحة ألقاها أوباما بعد أيام من الانتخابات وأظهرت حجم إحباطه من النتيجة
back to top