5 دروس خاطئة عن محو الذات

نشر في 01-07-2018
آخر تحديث 01-07-2018 | 00:02
No Image Caption
نشأ عدد هائل من الأولاد على مبادئ التضحية ومحو الذات بهدف تلبية حاجات الآخرين، لا سيما الأهل. تكون هذه الوظيفة أساسية في علاقة الطرفين غالباً. إنها مقاربة خاطئة، إذ إن من مسؤولية الأهل أن يعتنوا بأولادهم وليس العكس.
في حالات كثيرة، ينجب الناس الأولاد حين لا يكونون مستعدين لهذه التجربة. لا يتعلق هذا الاستعداد بالمستوى المادي، رغم أهمية هذا الجانب أحياناً، بل بالنواحي النفسية والعاطفية. لا يكون بعض الأشخاص الذين ينجبون الأولاد قد حلّوا مشاكل الماضي. نتيجةً لذلك، سينجبون الأطفال لأسباب شائبة وسيكررون في النهاية الصدمة التي عاشوها أو الأعراض التي واجهوها في الماضي.

يحمل الأهل أحياناً نوايا حسنة ويحاولون ألا يصدموا الطفل فيطلبون مساعدة أهل الاختصاص ويعملون على تحسين وضعهم بنفسهم. لكنهم يقولون غالباً إنهم يريدون الأفضل لأطفالهم من دون أن يرغبوا في بذل الجهود اللازمة لتحقيق ذلك، لأن هذا التغيير لن يناسبهم وسيتطلب منهم عملاً شاقاً. في أسوأ الأحوال، قد يظهر كرههم للطفل بكل وضوح.

نتيجة هذا الأسلوب التربوي الذي يشتق بدوره من غياب التربية المناسبة في الماضي، ينشأ الطفل، عن قصد أو عن غير قصد، بطريقةٍ تجعله راضخاً للآخرين لدرجة أن يقوم بكل ما يلزم لإرضاء الناس، أو يمكن أن يصبح رضوخه غير محدود فيضحّي بنفسه أو يتصرف بطريقة تنم عن نزعة إلى تدمير الذات.

في ما يلي خمس طرائق شائعة ينشأ عليها الطفل كي يعتني بالآخرين على حساب راحته الشخصية.

1. نقص الحب والرعاية

يشمل هذا النقص حالات واضحة من سوء المعاملة النفسية واللفظية، فضلاً عن الإساءة الصريحة أو الضمنية التي تتمثل بالإهمال والهجر وقلة التعاطف ووضع الطفل في بيئة مسيئة أو تعريضه للتلاعب النفسي والأكاذيب.

يعتقد الطفل في هذه الظروف أنه لا يستحق الحب أو الإشادة، أو أنه سيئ وناقص وغير مهم وغير مرئي ويشعر بأنه معرّض لمخاطر دائمة. لن تتوقف آثار هذا الشكل من السلوكيات عن مطاردة الشخص في سن الرشد، وتدوم طوال حياته غالباً.

2. تعاليم خاطئة عن الآخرين

ينقل الأهل وأشخاص مؤثرون آخرون قناعات خاطئة إلى الطفل عبر قولها صراحةً أو تعليمها ضمناً من خلال طريقة معاملتهم له.

تتعدد نماذج الرسائل التي يتلقاها الطفل: «الأهل محقون دوماً»، أو «الدم لا يصبح ماءً»، أو أنا والدك/والدتك/معلمّك، لذا أفهم أكثر منك»، أو «العائلة هي كل شيء»، أو «أنت مجرّد طفل»، أو «لا تكن أنانياً (أي أنك لست مهماً ومن واجبك أن تلبّي حاجاتي)».

يتعلم الطفل في هذه الظروف أن الأقوى يفرض كلمته. كذلك يفهم أنه لا يستطيع التشكيك بسلطة الأكبر منه، وأنه سيكون خاضعاً لوالديه دوماً وأن تلك السلطة تبقى محقة مهما حصل.

3. نسخة مشوّهة من تقدير الذات

في بيئات الطفولة السامة، يتعلّم الطفل قناعات مضرة كثيرة عن نفسه، ثم يُرسّخ معظمها في داخله خلال مراحل لاحقة إلى أن تعكس تلك الأفكار الصورة التي يحملها عن نفسه.

يتعلم الطفل مثلاً أنه لا يحمل أية قيمة حقيقية، وأنه مسؤول عن الأخطاء الحاصلة كافة، وأنه غير كفوء بأي شكل (بعدما اقتنع بأنه فاشل)، وأنه لا يستطيع أن يثق بأحد بل يجب أن يفعل ما يريده بنفسه، كذلك يشعر بأن تقديره لنفسه يتوقّف حصراً على نظرة الآخرين إليه (إذا أُعجِب به الناس، سيكون وضعه ممتازاً. وإذا لم يفعلوا، سيكون وضعه سيئاً).

4. توقعات غير منطقية

ينشأ عدد كبير من الأولاد بطريقةٍ تُشعِرهم بضرورة أن يكونوا مثاليين. يُحدّد لهم مقدمو الرعاية معايير غير واقعية لدرجة أن الطفل يُعاقَب على «فشله» مهما فعل.

على أرض الواقع، يُعتبر ارتكاب الأخطاء طبيعياً أو حتى ضرورياً لتعلّم الدروس وإحراز التقدم. لكن يُمنَع أولاد من ارتكاب الأخطاء ويواجهون عواقب مريعة إذا فعلوا: قد يتعرّضون لعقاب واضح أو يشعرون بالرفض وبنقص الحب والرعاية. نتيجةً لذلك، سيُصاب الطفل باضطراب عصبي ويشعر بقلق مفرط، أو قد يبحث عن الكمال طوال الوقت أو يخسر حوافزه الإيجابية وتتراجع إنتاجيته، حتى أنه يصبح غير مستعد للقيام بأي أمر.

5. الأفكار والعواطف الصادقة ممنوعة

ذكر كتابHuman Development and Trauma: How Childhood Shapes Us into Who We Are as Adults (التنمية البشرية والصدمات النفسية: كيف تجعلنا الطفولة ما نحن عليه في سن الرشد): «تنقل مشاعر الشخص معلومات مهمّة عن بيئته ومستوى راحته، وتعكس أفكاره نظرته إلى الواقع وتساعده على إنشاء المفاهيم المرتبطة بهذا الواقع والمعلومات التي يحتوي عليها بشكل أدقّ... نرتكب جريمة وحشية بحق الأطفال حين نمنعهم من التواصل مع مشاعرهم وأفكارهم ومن التعبير عنها بكل صدق».

للتأقلم مع بيئة سامة وخطيرة والصمود فيها، يتعلّم الطفل أن يقمع مشاعره وأفكاره الحقيقية لأن أي تصرف معاكس قد يعني المجازفة بخسارة الرابط الذي يجمعه بمن ربّاه. لذا يعتاد الطفل على الرضوخ ومحو الذات. قد لا يدرك هذا الشخص في سن الرشد حقيقته وحقيقة ما يشعر به لأنه أُجبِر منذ مرحلة مبكرة على قمع ذاته الحقيقية.

الخلاصة

يخسر الشخص جزءاً أساسياً من هويته الحقيقية إلى الأبد غالباً. لذا تحتلّ التربية الصالحة أهمية كبرى. ستكون تربية الطفل أسهل من معالجة شخص راشد مجروح.

لكن إذا أردنا في النهاية تسليط الضوء على بعض النواحي الإيجابية والواعدة، يمكن التأكيد أن الناس يستطيعون في حالات كثيرة أن يعيدوا اكتشاف ذواتهم ويشفوا من الأضرار التي لحقت بهم عن طريق تطوير الذات وتلقي المساعدة من الخبراء الذين يعتنون بهم ويتعاطفون معهم.

نرتكب جريمة بحق الأطفال حين نمنعهم من التواصل مع مشاعرهم بصدق
back to top