الثورات في إيران تبدأ من البازار

نشر في 30-06-2018
آخر تحديث 30-06-2018 | 00:02
لا يشكّل بازار طهران سوقاً تقليدية عادية في مدينة يزداد فيها انتشار المراكز التجارية، ولا يُعتبر معلماً سياحياً، بل وصفه رئيس مجلس الشورى السابق علي أكبر ناطق نوري ذات مرة بأنه يمثل في إيران محور النشاطات الاقتصادية والاجتماعية، والثقافية، كما أن له في طهران خاصة أهمية تاريخية، بصفته النقطة التي تنطلق منها الثورات.
لم تخبُ تماماً التظاهرات التي بدأت في إيران يوم 28 ديسمبر عام 2017، فكل بضعة أيام، يسير المتظاهرون بشكل عفوي، على ما يبدو، في شوارع مدينة أو محافظة مختلفة، علماً أن دافعهم الرئيس ليس السياسات العليا بقدر ما هو الاستياء المتراكم على مدى أربعين عاماً من الفساد، والقمع، والوعود الاقتصادية الفاشلة.

لكن الانتفاضات البطيئة في الجمهورية الإسلامية اتخذت اليوم منحى جديداً، حيث سارت الحشود في الشوارع وهي تنشد باللغة الفارسية «الموت لفلسطين!»، معبرةً بذلك عن استيائها من أولويات القيادة غير المنتخبة التي تفضّل تحويل مليارات الدولارات إلى صراع لا تملك فيه إيران أي مصلحة طبيعية بينما يجوع إيرانيون كثر.

لكن الأهم من ذلك كان الإضراب العام الذي أدى إلى إقفال البازار. لا يشكّل بازار طهران سوقاً تقليدية عادية في مدينة يزداد فيها انتشار المراكز التجارية ولا يُعتبر معلماً سياحياً، بل على العكس، فقد وصفه رئيس مجلس الشورى السابق علي أكبر ناطق نوري ذات مرة، قائلاً: «لطالما اعتُبر البازار في الثقافة الإسلامية محور النشاطات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية». وفي طهران خصوصاً، للبازار أهمية تاريخية بصفته النقطة التي تنطلق منها الثورات.

لنتأمل ما ذكره إدوارد برون، وهو باحث ومستشرق بريطاني قدّم إحدى أفضل الشهادات الشخصية عن إيران خلال العقد الأول من القرن العشرين. في عام 1905، فيما كان الشاه يزور روسيا، أشار برون: «ولّدت زيارة الشاه انطباعاً سيئاً في العاصمة وأقفلت البازارت أبوابها طوال خمسة أيام». ويعيد معظم الباحثين تاريخ انطلاق الثورة الدستورية في إيران في تلك السنة عينها إلى الإضراب العام في البازار الذي تلا ضرب الشرطة بعض التجار في خلاف على أسعار السكر.

سقوط مصدق

علاوة على ذلك، كانت خسارة دعم البازار السبب الرئيس وراء سقوط رئيس الوزراء الشعبوي محمد مصدق، وفي نجاح للانقلاب الذي مولته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. كتب الباحث الراحل المتخصص في الشؤون الإيرانية جيمس بيل: «عندما بدأ مصدق يسعى لاكتساب سلطة سياسية استثنائية، انسحب العاملون في البازار والمجموعات الدينية بغضب من الائتلاف، فشكّلت خسارة الطبقة الوسطى التقليدية ضربة قوية لمصدق، فقد قطعت فعلياً كل اتصال له بالطبقة الوسطى الدنيا والحشود الإيرانية». كذلك يقر الشاه في مذكراته ما بعد الثورة Answer to History (جواب للتاريخ) بأن غضب العاملين في البازار ساهم في دعم الثورة، مع أنه يؤكد أن جهوده لتحديث المؤسسة الحاكمة كانت ضرورية.

في مطلق الأحوال، من الصعب أن نتخيل أن العاملين في البازار لا يعتقدون أنهم كانوا المنتصرين عندما أدى تبديلهم مسارهم وتبنيهم الثورة الإسلامية إلى سقوط ملكية عمرها ألفا سنة. أما قائد الثورة آية الله روح الله الخميني، فقد فهم أيضاً أهمية بازار طهران. ففي خطابه في 19 فبراير عام 1978، عرض كيف برهن البازار عن دعمه الشعبي، مضيفاً: «حتى طهران أقفلت بنسبة 90 في المئة. وإقفال طهران ليس بالأمر سهل. مع هذا النوع من الجلبة، يحاولون الادعاء أنهم يتمتعون بدعم الشعب، لكن الإضراب العام يشكّل بحد ذاته رداً عليهم».

ولكن أيها الخميني، مع تنديد العاملين في البازار بشرعية خلفك، مَن يحظى اليوم بدعم الشعب؟

شكّلت الثورة الإسلامية حدثاً طارئاً في التاريخ لا ذروة طبيعية في التطور السياسي الإيراني، وعلى غرار الاتحاد السوفياتي وكل الأنظمة الأخرى التي تعتمد على القمع بدلاً من رضا الشعب، سيكون مصيرها الفشل، ولم تكن المسألة يوماً مسألة «إذا» بل «متى».

ومع إرسال مسؤولي النظام عشرات مليارات الدولارات إلى خارج البلد، ذيبدو أن الجواب عن هذا السؤال صار قريباً جداً.

back to top