خطة أوكرانيا لمنع عدوان روسي جديد

نشر في 30-06-2018
آخر تحديث 30-06-2018 | 00:03
واجه قطاع الطاقة الأوكراني رياحاً معاكسة، وكان خفض قيمة العملة والفساد والزيادة المفرطة في التنظيم والتعرفات المتعلقة باستكشاف النفط والغاز ونقص قوة العمل المؤهلة والهبوط الكبير في أسعار الغاز الطبيعي ضمن العقبات الرئيسة التي يتعين على كييف معالجتها والتغلب عليها.
تعتبر أوكرانيا ممر روسيا الى أسواق الغاز الأوروبية، ومن بين الـ193 مليار متر مكعب من الغاز الذي ضخته شركة غازبروم الروسية المملوكة للدولة الى الغرب في سنة 2017– نحو 40 في المئة من إجمالي إمداد أوروبا– تم نقل 93 مليار متر مكعب عن طريق أوكرانيا، وعلى أي حال يبدو أن روسيا تريد تغيير هذا الوضع وتقليص دور أوكرانيا فيه، ومن جهة أخرى تأمل كييف أن تحافظ على الترتيبات الحالية لأن عوائد نقل الغاز تسهم بنحو 2-3 مليارات دولار سنوياً في الاقتصاد الأوكراني (ما يقارب 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي)، كما أن تلك العوائد تعمل على شكل عائق أمام عدوان روسي آخر.

وفي قطاع الطاقة الضعيف في أوكرانيا الذي ابتلي ببنية تحتية هرمة وإفراط حكومي في التنظيم وتسعير بعيد عن المنافسة، وتنويع محدود في الإمداد كان ذلك كله يعني اعتماد البلاد من الوجهتين الاقتصادية والاستراتيجية على نقل الغاز الروسي، وشراء الفحم والغاز من ذلك البلد على الرغم من وجود حالة حرب بين موسكو وكييف.

النفوذ الجيوسياسي

وعلى أي حال كان الاعتماد على الغاز سلاحاً ذا حدين، إذ أعطت شبكة الأنابيب الواسعة التي تعبر أوكرانيا الى كييف درجة من النفوذ الجيوسياسي في نزاعها الحالي مع روسيا التي هي في حاجة الى تدفقات مالية منتظمة توفرها مبيعات الغاز الى أوروبا، لكن نفوذ أوكرانيا بدأ يتقلص بسرعة نتيجة انتهاء ترتيبات نقل الغاز بحلول الأول من شهر يناير سنة 2020.

وعلى الصعيد السياسي تقوم حكومة موسكو بمحاولة تقليل اعتمادها على أوكرانيا من خلال التوسع في مشروع السيل الشمالي 2 والذي سيسمح لشركة غازبروم بزيادة امدادها المباشر الى ألمانيا عن طريق بحر البلطيق.

وسيوفر هذا المشروع نقل كمية اضافية من الغاز تصل الى 55 مليار متر مكعب ويسهم في تعزيز قبضة روسيا على أمن الطاقة في أوروبا كما يضعف الأمن الاقتصادي والمادي في وسط وشرق أوروبا وخصوصا أوكرانيا.

احتجاجات أميركية وأوروبية

وعلى الرغم من الاحتجاجات الأميركية والأوروبية فإن الزخم السياسي والاقتصادي الناجم عن مشروع السيل الشمالي 2 يصعب تجاهله.

ويصر قادة أوروبا على رسم صورة للمشروع ضمن منظور اقتصادي يقضي بتقوية وضع الطاقة في الاتحاد الأوروبي عن طريق زيادة الإمداد، ويؤكد أنصار هذه الفكرة أن المزيد من الغاز الرخيص يعادل المزيد من الأمن، وهذا خطأ والسبب هو أنه عندما تأتي تلك الكمية الإضافية من الغاز من روسيا التي استخدمت مراراً وتكراراً إمدادات الطاقة على شكل ورقة نفوذ فإن ذلك الغاز لا يمكن التعويل عليه وهو في حقيقة الأمر مجرد أعباء محتملة.

وتجدر الإشارة إلى أن السويد وفنلندا وألمانيا منحت في وقت سابق تراخيص بناء لمشروع السيل الشمالي 2، وذلك عن طريق مناطقها الاقتصادية الحصرية، وربما تنضم الدنمارك الى هذه المجموعة في وقت قريب، وقد يتمثل الأمل الأخير لأوكرانيا في الحفاظ على دورها كممر لنقل الغاز في مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل التي تجد نفسها في خضم أزمة دستورية تتعلق بالهجرة.

تغير موقف ميركل

ويذكر أن ميركل التي كانت من أنصار مشروع السيل الشمالي وأسعار الغاز المتدنية التي سيجلبها الى الاقتصاد الألماني الذي يعتمد على التصدير قد تراجعت في وقت لاحق عن موقفها، كما أن أعضاء ائتلافها بمن فيهم حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي أعربوا عن قلقهم من المشروع على أسس بيئية وأمنية. وعارض آخرون من أمثال الاتحاد الاجتماعي المسيحي وحتى بعض أعضاء الاتحاد المسيحي الاشتراكي إقامة علاقات خاصة مع روسيا، وهكذا أبلغت ميركل الرئيس فلاديمير بوتين في مكالمة هاتفية في شهر أبريل الماضي أن المشروع لا يمكن أن يستمر من دون ضمانات عبور الى أوكرانيا.

في غضون ذلك واجه قطاع الطاقة الأوكراني عدداً من الرياح المعاكسة، وكان خفض قيمة العملة والفساد والزيادة المفرطة في التنظيم والتعرفات المتعلقة باستكشاف النفط والغاز ونقص قوة العمل المؤهلة والهبوط الكبير في أسعار الغاز الطبيعي ضمن العقبات الرئيسة التي يتعين على كييف معالجتها والتغلب عليها. وإضافة إلى ذلك فإن القطاع المصرفي الضعيف وغير المستقر يحد من توافر المال اللازم لتمويل المستوردات أو المشاريع المحلية الجديدة الضرورية للتحديث.

ولكن كييف شرعت في عملية تحرير غير مسبوقة وتحولت من أسواق غاز كانت تعتمد بصورة تامة على الإمدادات المباشرة من روسيا الى سوق يعمل فيه العشرات من تجار الغاز، كما أن أوكرانيا بدأت باستيراد الغاز من عدة دول في الاتحاد الأوروبي. وإضافة إلى ذلك فقد تراجع استهلاك الغاز فيها بصورة دراماتيكية فيما ازداد إنتاجها المحلي منه الى أعلى مستوى في عقدين من الزمن، وعلى أي حال، استمر تأجيل الإصلاحات الأساسية في ذلك البلد من قبل الحكومة.

من جهة اخرى حققت أوكرانيا خطوة كبيرة من خلال التقدم في مجال الطاقات المتجددة والنووية. وفيما يتم إمداد أكثر من خمسين في المئة من الطاقة في أوكرانيا عن طريق الطاقة النووية– الثانية بعد فرنسا فقط في العالم– قامت الحكومة الأوكرانية بخطوات كبيرة في بناء وتعزيز قدراتها في قطاع طاقة الشمس والرياح، ونتيجة لقانون صدر في سنة 2017 تشهد أوكرانيا في الوقت الراهن أفضل الأوضاع جاذبية في التعرفات في أوروبا بالنسبة الى الطاقة المتجددة، وهي تعرض على المزودين نسبة تفوق كثيراً المتوسط الأوروبي، ولكن على الرغم من ذلك لا تزال أوكرانيا بعيدة جداً عن اقامة منشآتها الخاصة من الطاقة المتجددة.

المؤشرات السياسية

وتجدر الاشارة الى أن مصير السيل الشمالي 2 يظل غير واضح، ولكن المؤشرات السياسية والاقتصادية تشير الى أن هذا المشروع سيصبح عما قريب حقيقة واقعة، وفي حال اكتماله سيمثل ضربة قوية للعلاقات عبر الأطلسي ولأمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي، وقد أثبت الكرملين في أكثر من مرة أن الغاز ليس سلعة بل سلاح يوجه الى الدول المجاورة، وببساطة لا توجد طريقة لوجود قوة سوقية تضاهي توافر مزيد من الأمن لأوروبا.

ومن أجل تنويع مصادر الطاقة الكهربائية تحتاج أوكرانيا الى بناء قطاع الطاقة المتجددة، وتنويع وتنظيم إمدادات الفحم والحفاظ على سلامة البنية التحتية للطاقة النووية.

وأخيراً وبغية حماية نفسها فإن أوكرانيا في حاجة الى تحسين وتسريع الجهود اللازمة من أجل خلق أسواق غاز تتسم بالشفافية والمنافسة، تكون أقل اعتماداً على روسيا وتسهم في الوقت نفسه في ضمان أمن الطاقة في دول الاتحاد الأوروبي.

بغية حماية نفسها تحتاج أوكرانيا إلى تحسين جهودها لخلق أسواق غاز تتسم بالشفافية والمنافسة بحيث تكون أقل اعتماداً على روسيا مع ضمان أمن الطاقة في دول الاتحاد الأوروبي
back to top