ما رأي الآخرين فيك... وهل يهمّك فعلاً؟

نشر في 29-06-2018
آخر تحديث 29-06-2018 | 00:00
No Image Caption
لا تتجهّم! ولكن ما مدى معرفتك بنفسك؟ وما تأثيرك في الآخرين؟ يُعتبر الوعي الذاتي أفضل سبيل إلى حياة أكثر سعادة ونجاحاً. إليك السبب.
تضحك صديقتي كممثل إيمائي: تفتح فمها واسعاً من دون أن تصدر صوتاً وتروح تحرك يديها كعازف جاز. تشكّل مشاهدتها وهي تضحك متعة. كذلك تعد قطع براوني بالكراميل لا تُقاوم، ولا تصدر الأحكام. أعزّ صداقتها كثيراً. إلا أنها اعتادت أن تحوِّل كل محادثة لتتكلم عن نفسها. أواجهت أسبوعاً صعباً؟ عانت صديقتي شهراً عصيباً. أتبدو متحمساً لترقية جديدة؟ تهانينا! أتعلم أنها ستحصل هي بدورها على ترقية قريباً؟

كانت عادتها هذه تثير استيائي. لكنني أدركتُ منذ زمن أنها لا تسعى إلى جذب الانتباه إلى نفسها، إلا أنها تجهل بكل بساطة السبيل إلى التعبير عن نفسها للآخرين.

ولكن قبل أن تغضّ النظر عن هذا النقص في الوعي الذاتي لأنك تعتقد أنك لن تقع ضحيته مطلقاً، تذكّر أن الذكاء، والنجاح، والتعاطف، والحياة الاجتماعية الحافلة لا تجعلك محصناً. ظننت أنني أدرك جيداً عيوبي. أعي أنني متسلطة، وأنني أصبح صعبة المراس إذا لم أتناول الطعام كل ثلاث ساعات. لذلك صُدمت عندما أخبرني زوجي (بعد إلحاح طويل) أنني «مهووسة بذاتي بعض الشيء».

يبدو أنني أتكلم عن العمل باستمرار. لكنني أملك عملي الخاص ويكون زوجي عادةً أول شخص أتحدث إليه بعد يوم طويل في العمل. لذلك لا عجب في أن أتكلم عن نفسي قليلاً من حين إلى آخر، أليس كذلك؟

ولكن تبين أنني أعيش حالة من الإنكار على غرار سائر الناس. تذكر الدكتورة تاشا أوريتش، مؤلفة كتاب جديد منوّر بعنوان Insight (البصيرة) يتناول قوة الوعي الذاتي في عالم يعيش في حالة من الوهم الذاتي: «يعتقد 95 %من الناس أنهم يتحلون بوعي ذاتي كبير. لكن الواقع أقرب إلى 10 % أو 15 %، ما يعني أن نحو 80 % منا على الأقل يكذبون على نفسهم». فهل أنت مُضلَّل حقاً إلى هذا الحد؟ تضيف: «لا يخطر في بالنا مطلقاً أن نسأل عما إذا كنا نعرف أنفسنا بقدر ما نعتقد. فمن الأسهل دوماً أن ننتقد الآخرين ونُظهر عيوبهم».

إذاً، ماذا يؤثر في وعينا الذاتي كبالغين؟

تؤكد هذه الكاتبة أن الأهل الذين يتمتعون بالوعي الذاتي يربون في نهاية المطاف أولاداً يتحلون بهذه الميزة. لذلك تُصاغ طريقة تعاملنا مع الآخرين في مرحلة باكرة في حياتنا ولا تتبدل، ما لم نتعمد بذل المجهود لتغييرها.

توضح د. أوريتش: «يبدو هذا الأمر منطقياً لأن أولاد الأهل، الذين يتحلون بالوعي الذاتي، يملكون نموذجاً من البصيرة يمكنهم التمثل به فيما يكبرون. ولكن في المقابل، يحظى بعض مَن التقيتهم خلال دراساتي ممن يتمتعون بأكبر مقدار من الوعي الذاتي بأهل يفتقرون تماماً إلى هذه الميزة، ما يبرهن لنا أن الإنسان يستطيع أن يبدّل مصيره. ونتعلم غالباً بعض أفضل الدروس عن الوعي الذاتي من رؤية الأخطاء التي يقترفها مَن يفتقرون إلى هذه الصفة».

نسمع غالباً أننا نعيش في عصر النرجسية، التي تشكّل أحد الأعراض الجانبية لمواقع التواصل الاجتماعي وتركيزها المفرط على الصور الذاتية (سلفي). لكن هوسنا بالذات أقدم من ذلك بكثير، وفق الصحافي ويل ستور، مؤلف Selfie: How We Became So Self-Obsessed And What It’s Doing To Us (الصور الذاتية: كيف أصبحنا مهووسين بالذات وما تأثير ذلك فينا).

يذكر: «اعتقد أرسطو أنك تعجز عن النجاح في الحياة ما لم تكن تعيش حالة معظّمة من حب الذات. وما زلنا نحتفظ بتلك الأفكار عن تقدير الذات: إذا أحببت نفسك وآمنت بها، تحقق النجاح وتبلغ السعادة».

يضيف ستور موضحاً أن الحركة الفردية نشأت في اليونان القديمة، التي شكّلت حضارة من جزر صغيرة مستقلة لم تكن مناسبة للزراعة. «لذلك اضطر كل واحد إلى الاعتماد على نفسه، ما أدى إلى نشوء كثير من الصناعات الصغيرة. وينطبق الأمر عينه على الغرب اليوم. ما عادت الحكومات ترعانا، وما من عمل تحتفظ به طوال حياتك. وكي تتمكّن من مجاراة هذا الوضع والمضي قدماً، صار عليك أن تعتني بنفسك لأن نجاحك يعتمد عليك»، وفق هذا الصحافي. بكلمات أخرى، بات قليل من الهوس بالذات ضرورياً للاستمرار. إلا أن التركيز بإفراط على النفس يؤدي إلى غياب الوعي الذاتي، حسبما تحذّر الدكتورة أوريتش.

ولكن لمَ من المهم إلى هذا الحد أن تتمتع بالوعي الذاتي؟ أولاً، أظهرت الدراسات أن مَن يفهمون أنفسهم ونظرة الآخرين إليهم يعيشون حياة أكثر سعادة عموماً. كذلك يزداد احتمال أن يكونوا أكثر ذكاء وأقل ميلاً إلى الكذب والغش والسرقة، أن يحصلوا على ترقيات أكبر، وأن يقودوا شركات أكثر نجاحاً.

قررت تقبّل الواقع المرير وسؤال بعض المقربين مني عن رأيهم فيّ. أشار أعز أصدقائي إلى ميلي الواضح إلى إرضاء الآخرين، في حين عبرت أمي عن امتعاضها من «ردود فعلي النارية». أما والدي، فأطلعني على انزعاجه من إصراري على وضع موسيقى فرقة «رولينغ ستونز» في كل مرة يزورني («أحب إيد شيران أيضاً، كما تعلمين»).

الدكتورة أوريتش محقة. تتحرّر من قيودك عندما تواجه عيوبك. حاولتُ في الماضي كبت هذه العيوب والنواقص. لكنني صرت اليوم أقر بها. رغم ذلك، قررت أن أحب نفسي في مطلق الأحوال. صرت أتنبه راهناً إلى سلوكي المندفع أو الأعمى، حين أروح أتكلم بلا انقطاع عما كنت أقوم به في العمل طوال اليوم من دون أن أفكر في ما إذا كان المحيطون بي يودون سماع ذلك. صحيح أن الطريق إلى الوعي الذاتي الكامل طويل، إلا أنني مستعدة لاتخاذ الخطوات الأولى.

هل أنت مستعد للوقوف إزاء المرآة؟

إليك خطوات الوعي الذاتي الخمس التي تحددها الدكتورة تاشا أوريتش:

كن مثقِّفاً ولا تركّز حواراتك حول نفسك:

أظهرت البحوث أن 80% من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي يركّزون على ذاتهم ولا ينشرون سوى معلومات عما يحدث معهم، في حين يشكّل العشرون في المئة الآخرون «مثقّفين»، ناشري معلومات لا علاقة لهم بها، مثل ملاحظات ممتعة أو مقالات مفيدة. ويحظى المثقفون غالباً بعدد أكبر من الأصدقاء الحقيقيين. تذكر الدكتورة أوريتش: «عندما تميل إلى خوض حوار تركّز فيه على نفسك، فكّر: ماذا آمل بأن أحققه بفعلي هذا أو قولي ذاك؟».

• المهمة: عندما تنشر صورة السلفي الخامسة وأنت تستمتع بمشروبك المفضل في برشلونة، وجّه الكاميرا التي تحملها إلى العالم من حولك. ينشر المثقِّفون غالباً صوراً مميزة للشوارع ولقطات مثيرة للاهتمام من الحياة المحلية.

لا تقلق مطولاً حول ما حدث:

صحيح أننا كلنا ننتقد أنفسنا على أمور قلناها أو فعلناها من حين إلى آخر، لكن التركيز المفرط على إخفاقاتنا يحتجزنا في دوامة من السلبية الموجّهة نحو الداخل. تشير الدراسات إلى أن مَن ينغمسون في سلوك مماثل لا يشعرون بالرضا حيال حياتهم ويكونون أكثر ميلاً إلى القلق، والمزاج العكر، واضطرابات النوم. لذلك، في المرة المقبلة التي تفكّر فيها مطولاً في إخفاق ما، اسأل نفسك: «هل يهتم أي أحد بهذه المسألة غيري؟». يكون الجواب «كلا» غالباً.

• المهمة: عندما تعجز عن التوقف عن التفكير في كارثة واجهتها خلال مقابلة عمل، جرّب تقنية «التوقف عن التفكير» التالية: تخيّل لافتة توقف كبيرة لتُخرج نفسك من دوامة التركيز المفرط هذه على إخفاقاتك.

نمِّ قبول الذات لا تقدير الذات:

توضح الدكتورة أوريتش: «ترعرع مَن ولدوا في الألفية الجديدة في عالم يُسلّط فيه الضوء باستمرار على صفاتهم المذهلة. ولكن كلما تفاقمت أوهامنا بشأن مهاراتنا وقدراتنا، تراجع احتمال نجاحنا». إلا أن ثمة بديلاً صحياً لتقدير الذات. «يعني قبول الذات فهم واقعنا بموضوعية واختيار أن نحب أنفسنا في مطلق الأحوال».

• المهمة: تعجز عن الطهو؟ مَن يأبه؟ لا داعي لأن تبرع في كل ما تقوم به. لا تحاول في المرة المقبلة التي تدعو فيها أصدقاءك إعداد الطعام بنفسك واطلب البيتزا بدلاً من ذلك. لا شك في أن هذا سيروقهم أكثر ولن يتملكك الإجهاد.

كن كاتب سيرتك الذاتية:

تشير الدكتورة أوريتش إلى أن «مَن يتمتعون بالوعي الذاتي يميلون إلى وصف التطورات في حياتهم من وجهات نظر مختلفة، عارضين مشاعرهم المعقدة والمتناقضة غالباً». فكّر في حياتك كما لو أنها كتاب. قسمها إلى فصول تمثل مراحلها المهمة، وفي كل مرحلة، فكّر في خمسة إلى عشرة مشاهد (نجاحات بارزة، وإخفاقات، وتبدلات جذرية، وغيرها). وفي كل مشهد، أوضح ما حدث، مَن كان معنياً، ما رأيك فيه، وما مشاعرك حياله. ثم تأمل قصتك كاملةً. حدِّد محاورها الكبيرة، ومشاعرك البارزة، والدروس المهمة: ماذا يُظهر كل هذا عن هويتك الفعلية؟

• المهمة: أثناء كتابتك قصتك، لا تتغاضَ عن السلبي فيها وحاول أن تربط التفاصيل بوضوح. عندما تتقبل الفوضى، تحصل على فرصة ممتازة لتكتشف ذاتك.

أقم عشاء مصارحة:

اكتشف علماء النفس أن تعلّم تقبّل ردود الفعل البناءة يساعدنا في القيام بخيارات أفضل. ابحث عن «ناقد محب»، شخص يتمنى لك السعادة والنجاح في حياتك، وادعه إلى العشاء. خلال هذه الوجبة، اطلب منه أن يطلعك على التفصيل الذي يزعجه فيك حقاً. شدِّد على أنه يستطيع التحدث بصراحة تامة وأنك ستستمع إليه بعقل منفتح. تضيف الدكتورة أوريتش: «ربما تفاجأ بمقدار الحماسة والمساعدة الذي تحظى به عندما تكتشف نظرة الناس إليك».

• المهمة: اعتمد نموذج «التاءات الثلاث» حين تحصل على ردود فعل الآخرين: التلقي، والتفكير، والتفاعل. لا تتبن موقفاً سلبياً أثناء إصغائك. على العكس، اطرح الأسئلة لتكوّن فهماً أفضل. فكّر بعد ذلك طوال بضعة أسابيع في ما سمعته وحدد الطرائق المناسبة التي تستطيع من خلالها التفاعل إيجاباً مع المعلومات التي حصلت عليها.

back to top