شهرزاد المعاصرة!

نشر في 28-06-2018
آخر تحديث 28-06-2018 | 00:00
 مسفر الدوسري تأتي إليه دائما محملة بالقصص، ولا تكاد تخلو حقائبها أبداً من الحكايات، حِمْلُها من السوالف منوع وشهي ولذيذ، وهي تتقن نثر حِملها هذا برشاقة لاعب سيرك وخفة غزال، كما أنها تحسن توقيت انهمار مزن صوتها في قلبه، ليعشوشب الوقت بين يديه. غالبا لا تتخطى أحاديثها صفة العادية، إلا أنه رغم عاديتها قادرة في كل مرة على أن تغرقها بالسكّر وماء الورد، ورغم السنين بينهما لم يستطع يوماً فك شيفرة السر في كيفية تهريبها للمتعة فيها. لم يتمكن يوماً من معرفة ذلك الشيء الغامض الذي تضمّنه أحاديثها العادية، لتصبح مدهشة إلى هذا الحد، كيف "لسوالف" عما يحصل في يومها مثلا، أو حدث ما لأحد أفراد أسرتها أو موقف مع إحدى قريباتها، أو أغنية ظلت عالقة في لسانها طوال اليوم لتبلل مزاجها، كيف لحكايات مثل هذه أن تتشكل خضرة مشاتل وزرقة بحر وقافلة نوارس؟! حاول كثيراً في البدايات أن يعرف، لكنه عندما يئس بعد ذلك، وتفرغ لجمع ما تفيض به من شهد! كان قد اعتقد أن دفء صوتها هو ما يُلبس كلماتها هذا الألق، ويمنحها هذا الوهج، وكان قد اعتقد أن حبه لها هو ما يضيء في عتمة الحكايات الشمع، ثم اكتشف أنه يمنح حبه فضلا غير مستحق، ليس لعلة في مشاعره، لكن من الزهو الزائف الادعاء بأن جمال أحاديثها ما كان ليكون لولا شعوره المفعم بالحب، وأن تُنسب خيوط الضوء التي تنساب مع كلماتها إلى مرآة حبه، فقد أدرك بعد وقت قصير أن الغمائم التي تخرج من بين شفتيها صناعتها الذاتية، وسلال الزهر وأسراب الفراش التي تخرج كلما فتحت فمها هي فائض حدائق روحها، وشبابيك الصباح التي تفتح في وجه يومه كلما سمعت خلخال صوتها مقبلا إنما هي هبة من الله لها، والمناديل التي تمسح وجه القمر كل مساء تحيكها أحاديثها ليبدو مشعاً يرفل بالوهج، تيقّن أن سحر "السوالف" لديها مسجل كعلامة فارقة في أوراقها الرسمية ومثبت في شهادة ميلادها، من حينها لم يكلف نفسه عناء البحث عن الصندوق السحري المخبأ في أحاديثها، فاكتفى بالاستمتاع بها، وقطف ثمر الدهشة من عناقيدها. لم تكن الدهشة قاصرة على أسلوبها الممتع في رواية قصصها العادية، والذي ينفض عن تلك القصص عاديتها، إنما تتعدى الدهشة ذلك، لتكشف له في كل قصة صفة جديدة لم يكن يعرفها عنها تزيده حبا فيها، أو صفة يعشقها فيها ويعرفها من قبل، لتأتي "سالفة" في ثناياها كجزء صغير يجسد تلك الصفة ويؤكدها. كثير من ملامح روحها عرفها أو تيقن من أنها ليست زينة تزول بمناديل مسح الماكياج! الأهم أنه اكتشف رغم أنها ليست ثرثارة فإن "لسوالفها" فضلا بشكل ما في إبقاء حبهما حيا يُرزق ويرزق طوال هذه السنين!

back to top