د.عايد الجريد ... والنادي الأدبي الكويتي 1924 (4)

نشر في 28-06-2018
آخر تحديث 28-06-2018 | 00:10
هيأت ديوانيات الكويت البيئة المثالية لتفاعل الجمهور المتعلم مع أفكار النخبة المثقفة والمتخصصة في الدين والآداب، وكانت هذه الديوانيات بمثابة النادي والجمعية والمركز الاجتماعي لأبناء الحي، فكانت تُقرأ فيها الكتب وتلقى الأحاديث وتعطى الدروس.
 خليل علي حيدر ومن الشخصيات المؤثرة الأخرى التي يتناولها د. الجريد محمد بن الأمين الشنقيطي، الذي دُعي من قبل "الجمعية الخيرية العربية" عند افتتاحها عام 1913، "وقد ألقى دروسا في الوعظ والإرشاد فيها وفي المساجد، وكان له الأثر البالغ في الحضور". وكان ممن أشاد بدور "الشنقيطي" الشاعر عبداللطيف إبراهيم النصف في قصيدة ألقيت عام 1925 في احتفال بالنادي الأدبي.

ومن الشخصيات العربية المؤثرة الأستاذ "حافظ وهبة" الذي ربما كان مع الشنقيطي، ممن مهدوا للإسلام السياسي في الكويت، عبر الترويج للتيار المدافع عن الدولة العثمانية ومهاجمة الغرب وبخاصة بريطانيا، ولم يكن الأستاذ "حافظ وهبة المصري" يخفي عداءه للإنكليز، وكان يدرس في المدرسة المباركية والأحمدية، ومن جانب آخر "كانت صداقته القوية للشيخ يوسف القناعي وغيره من البارزين بالكويت عاملا قويا من عوامل النهضة العلمية والأدبية في جميع المجالات النافعة".

(د. الجريد، ص51).

ويتناول د. الجريد شخصية ثالثة من الذين نشروا أفكارا عن سبل النهوض الثقافي عندما خطب في الاحتفال بمرور عشر سنوات على تأسيس المدرسة المباركية، وهو الأستاذ أمين الريحاني (1876- 1940) وقال في خطبته أمام الجمهور "إن لكل نهضة إصلاحية في الأمم أسلوبين، أسلوب سلبي نسميه الانقلاب الفجائي بالسيف، والآخر إيجابي قوامه المدارس والتربية والمشاريع الحيوية لعمران البلاد، فإذا أحسنا الأسلوب الثاني لا نحتاج إلى الأسلوب الأول، وإني على يقين أن الطريقة الإصلاحية تبدأ في المدارس بالتعليم وفي البيت التربية". (ص52).

ولأمين الريحاني الكثير جدا من الكتب والمقالات والخطب جمعها في "الريحانيات"، ومن أهم كتبه "ملوك العرب" في تاريخ شبه الجزيرة العربية و"تاريخ نجد الحديث" وكتاب "قلب العراق" وكتاب "المغرب الأقصى"، وقد نشرت مجلة "الهلال" في عدد فبراير 2006 الجزء الأول من وثائق سرية عن العالم العربي حصل عليها المؤرخ د. محمد أنيس، بعد أن كشفت الوثائق الأميركية لأحداث لا يقل عمرها عن ثلاثين عاما عن أن أمين الريحاني كان يرسل إلى القنصلية الأميركية في بيروت، "ما يشاهده ويعرفه عن أحوال العرب وأمورهم السياسية والاقتصادية والثقافية"، واتهمته المجلة بالجاسوسية للولايات المتحدة ابتداء من عشرينيات القرن، وينفي عنه آخرون هذه التهمة.

وفي مجال تأثير رحلات تجار الكويت الخارجية على وعيهم السياسي، يعارض د. الجريد ما ذهب إليه د. أحمد الخطيب في كتابه "الكويت من الإمارة إلى الدولة". يقول د. الخطيب إن تجار منطقة القبلة كانوا يمارسون التجارة بحرا بواسطة سفنهم بين الهند وشرق إفريقيا واليمن، وبرا مع الهلال الخصيب وحتى أوروبا، فاختلاطهم بالغير زاد من ثقافتهم ومعرفتهم بما يدور في العالم، وهذا حدد سلوكهم السياسي فأصبحوا القوة الأساسية المطالبة بالإصلاح، أما تجار منطقة شرق فهم بشكل عام تجار اللؤلؤ، فدائرة نشاطهم "محدودة بسفن الغوص، ونشاطهم لا يتعدى دائرة الخليج، لذلك تجد أن دورهم في العمل على تطوير الحياة السياسية كان أقل".

ويعارض د. الجريد هذه الملاحظة الجديرة بالتأمل والدراسة، ويقول "إن ما ذكره الخطيب عن تجار شرق بأنهم كانوا أقل دورا في الحياة السياسية غير صحيح، فمن المعروف أنهم أول من كانت لهم مواقف ثابتة لتأكيد أهمية "الحكم المشترك"، ومثالا على ذلك هجرة تجار اللؤلؤ عام 1910، وكان من بينهم شملان بن علي بن سيف، وهلال فجحان المطيري وإبراهيم المضف".

(ص 53-54).

ومن العوامل الخارجية التي أشير إلى دورها مرارا في رفع مستوى الوعي السياسي والثقافي في الكويت في مرحلة مبكرة، تأثير الصحافة العربية. ويقول الباحث إن الصحافة الكويتية ظهرت في مرحلة متأخرة، "إلا أن بعض الأسر الكويتية كانت تجلب الصحف والمجلات العربية منذ أوائل القرن العشرين كأسرة آل خالد التي جلبتها من مصر عام 1908، فكان بعض المثقفين على اتصال مع الثقافة العربية".

ومن قنوات الاتصال بالخارج البعثات الدراسية التي بدأت في العام نفسه الذي تأسس فيه النادي الأدبي 1924، فكانت أول بعثة دراسية كويتية إلى "كلية الإمام الأعظم" في الأعظمية ببغداد، وكانوا سبعة طلاب من خريجي المدرسة المباركية والمدرسة الأحمدية، على نفقة حاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر الصباح.

ويقول صاحب فكرة هذه البعثة الشيخ يوسف القناعي: "سافرت عام 1924م إلى (بغداد) وأعجبني نظام التعليم في المدرسة، فاتفقت مع القائمين عليها على إيفاد بعض الطلبة إليها، ولما عدت إلى الكويت اخترت خالد سليمان العدساني وسليمان العنزي وأحمد عمر العلي ومحمود عبدالرزاق الدوسري وعبدالكريم محمد البدر وصحبتهم إلى (بغداد)، وقد تكفلتُ بنفقات سفرهم، وكان من بين المبعوثين الشيخ فهد السالم المبارك الصباح وعبدالله عبداللطيف العبدالجليل".

(د. الجريد - ص55).

يختتم د. عايد الجريد الفصل الثاني من كتابه بالإشارة إلى المؤثرات الكويتية الداخلية التي ساهمت في تطوير الثقافة والأدب وتأسيس النخبة الفكرية والأدبية فيها.

فيقف أولا ليرصد "دور علماء الكويت الأوائل الذين ساهموا في نشر العلم والثقافة والمعرفة"، ويضيف إن "أول من بذر يقظة الفكر في الكويت الأديب السيد عبدالجليل الطبطبائي عندما جاء للكويت عام 1843، فكان فاتحة خير للمواهب الأدبية". ومن الأسماء التي يوردها إلى جانب السيد أحمد عبدالجليل الطبطبائي خالد عبدالله العدساني والشيخ عبدالرحمن الفارسي والسيد سليمان السيد علي ومساعد عبدالله العازمي، الذي كان أول كويتي ينال الشهادة العلمية في مجال الفقه من الأزهر بالقاهرة عام 1881، وحصل الشيخ أحمد محمد الفارسي كذلك على الشهادة من الأزهر.

وهيأت ديوانيات الكويت البيئة المثالية لتفاعل الجمهور المتعلم مع أفكار النخبة المثقفة والمتخصصة في الدين والآداب "وكانت هذه الديوانيات بمثابة النادي والجمعية والمركز الاجتماعي لأبناء الحي، فكانت تُقرأ فيها الكتب وتلقى الأحاديث وتعطى الدروس، وفي بعض الديوانيات توجد مكتبة، ومن هذه الديوانيات ديوان عائلة الخالد وديوانية يوسف القناعي وديوانية الأديب أحمد خالد المشاري التي كان من روادها الشيخ الرشيد والشاعر صقر الشبيب وغيرهما.

من الشخصيات المؤثرة التي يتناولها د. الجريد محمد بن الأمين الشنقيطي
back to top