ماري - أنطوانيت صقر: «امرأة في قنديل» مراحل حياة في رزمة سطور

• تحضّر ألبوماً غنائياً لمُتذوّقي الكلمة الراقيّة

نشر في 28-06-2018
آخر تحديث 28-06-2018 | 00:01
لأن الكتابة فعل إيمان بالحياة، لأنها صلة وصل بين كيان الشاعر والوجود، ولجت الشاعرة ماري- أنطوانيت عطية صقر الشعر من بابه الواسع، وسجل قلمها تجاربها الحياتية وآمالها وآلامها، وإذا بديوانها الصادر حديثاً «امرأة في قنديل»، خلاصة حياة قاربت فيها الشاعرة الموت والمرض كذلك الحب وكل ما هو جميل في الطبيعة وفي الإنسان. لا خيال في الديوان ولا أمنيات بل اختلاجات من عمق الذات ذكرتها الشاعرة واحدة واحدة في قصائدها لا لتكون عبرة للغير بل مرآة ترى فيها نفسها التي تأبى الانكسار، ورغم فجيعة موت ابنتها ومرضها لم تفقد إيمانها القوي بأن الحياة جديرة بأن تُعاش. ولأن قصائدها نبضات من قلبها اعتمدت الشاعرة أسلوباً أقرب إلى العفوية والتركيز على الفكرة والصورة الشعرية وتركت لهما مهمة اختيار الشكل وطريقة التعبير بالفصحى و بالعامية.

عنوان ديوانك الجديد «امرأة في قنديل»، ما علاقة المرأة بالقنديل وإلامَ يرمز في ديوانك؟

ديواني «امرأة في قنديل» عبارة عن مراحل حياة في رزمة سطور. والمرأة في القنديل، لفحتها نيران الحب والعشق قبل أن تلفحها حرقة الوداع ومواجهة المرض والحياة في الغربة، فيأتي القنديل وهو الذي يرمز عادة إلى النار والنور، ليُبدي صُدق كلّ هذه التجارب الحلوة والمرّة ويعرضها بشفافيّة بلّور القنديل ودفء ناره. كإنسانة لم أُحرق في القنديل بل انصهرتُ فيه وأضأتُه. إذ أنّني أصّريتُ خلال مراحل حياتي أن يكون القلم رفيقي لأُحَوّل من خلاله مشاعري إلى كلمة تَحفظُ أحاسيسي وتتسامى معها.

القصائد شذرات من حياتك منذ الرابعة عشرة من عمرك، فهل أردت من خلالها تسجيل آلامك وخيباتك وأفراحك لتكون عبرة للقارئ؟

بدأتُ بكتابة الأشعار في عمر التاسعة، وعرض عليّ أبي حينها أن أُخصص دفتراً لحفظها، وما زالت هذه الأشعار محفوظة بخطّ يدي المُتغيّر مع السنوات.

ما خطّطتُ يوماً لنشرَ كتاباتي، إلاّ أنّني عندما أُصبتُ بمرض سرطان الثدي، قررتُ أن أترك كتاباً لولديّ، يبقى ذكرى تُحاكي القلب والعقل والروح، فما وجدتُ إلاّ الكتاب ليُمثِّلني ويَدخُلَ بيوتَ من أحبّوني.

وبما أنّني لم أُخطط للنشر عندما كَتَبت، فقد أتت كتاباتي شفّافة جداً إلى درجة أنّني عمدتُ ألا أُنقّح الكلمات قبل النشر لأحفظها بوضعها الخام مع ذكر عمري في أسفل كلّ قصيدة.

يتضّح هنا بأنّني لا أُقدّم عبرة للقارئ بل أعرض اختلاجاتي مع تجاربي الساحرة برقّتها أحياناً والمُّذهلة بقسوتها أحياناً أُخرى. ويبقى للقارئ أن يُرافقني بابتسامة أو بدمعة أو بحلم أو بجُرأة... وأظنّ أنّه سوف يستنتج بأنّ الحب والعشق، الوداع والمرض، الطفولة والأُمومة، الإيمان والإلحاد... ليست سوى مراحل تُميّز الحياة وتُغنيها.

تساؤلات وجودية

إلى أي مدى تعكس القصائد ذاتك كإنسانة قست عليها الحياة، وهل أردتها فعل انتقام من الظروف التي أدمت قلبك؟

لا أعْتبر بأنّ الحياة قست عليّ. فأنا أحببتُ حتّى الثمالة وعشقتُ حتّى الهلْوَسة... كذلك سحرتني الطبيعة بنقاوتها وأسكرتني الموسيقى وروائح العُطور... تذوقتُ، حلمتُ وابتسمتُ... فهل يعقل أن يأتي بعض لحظاتٍ من الأسى والحزن لينفي كلّ هذا الجمال؟

كلّ ما يجري في هذا العالم هو من هذا العالم، طبيعي أن نمرض ونموت... ما ليس طبيعياً أن نُفاجأ وننغلق على الحياة وما زلنا أحياء. وُجدنا لنحيا فلماذا نُميتُ أنفسنا أمام مرض جسد أو اختفاء جسد آخر؟ لماذا ننتقم من حياة أحببناها؟ فهل يُكرِّم الانتقام حياةً أو يُحطّمها؟ ما زلتُ أحلم وأُخطط لغدٍ أفضل.

خلال وجودنا في دولة قطر، على سبيل المثال، أسست مع مجموعة من الأصدقاء «عاللبناني» بالتعاون مع المدرسة اللبنانيّة الرائعة والسفارة اللبنانيّة السبّاقة، وأسعى حالياً إلى تأسيسها في لبنان، وتُعنى بنقل صورة عن واقع فني وثقافي لبناني عشناه مع عائلاتنا ونريد أن ننقله إلى أولادنا وأولاد العائلات الصديقة.

برأيك هل تنقل التجارب المريرة الشاعر إلى مرحلة الفلسفة والتساؤلات حول الكون والوجود؟

إزاء التجارب المريرة تختلف ردّات فعلنا. فالبعض يلجأ إلى الصلاة والتأمّل والبعض الآخر إلى الإدمان وبعضنا إلى الفن والأدب... بالنسبة إلي لطالما جذبتني أسرار الكون وأسرار العقل البشري إلى حدّ أنّني اخترتُ علم النفس والتدريب على الحياة مجالي العمليّ، وما زلتُ شغوفة حتّى اليوم بالإطّلاع على الدراسات المتعلّقة بإمكانات عُقولنا وقدراتها غير المُكتشفة.

تتمحور قصائدك حول الأنا المتألمة، فاين حضور الآخر فيها؟

الفصل الأكبر من الكتاب أجمع فيه تجاربي مع الآخر حباً وعشقاً. وقد اختيرت قصائد من هذا الفصل لتلحينها وأدتها خرّيجة الكونسرفتوار الوطني الصديقة إيمّيه باسيل في حفل توقيع الكتاب منذ أيام. أمّا القصائد الأُخرى التي تتمحور حول الأنا المتألمة، فهي بمجملها اختلاجاتٌ شخصيّة متعلّقة بظروفٍ عابرة.

بدأت ديوانك بتاريخ ميلادك، واتبعته بتاريخ رحيلك غير المدوّن، برأيك هل يحدد المرء بنفسه مصير حياته في محاولة لمواجهة الموت؟

ممّا لا شكّ فيه بأنّ التحضير لمُواجهة الموت واستيعاب إمكانيّة حُصوله يُخففان من هول الصدمة. هذه المُواجهة قد تجعل الأيّام المُعاشة أكثر تقديراً فنغرفُ من سعادة اللحظات ونفرح عند حُدوثها ونتعالى عن الترّهات اليوميّة والإشكالات العابرة. أمّا تاريخ ولادتي مُتْبعاً بتاريخ رحيلي غير المُدوّن فهو رسالة أردتُها للقارئ لِيَعي سهولة الوجود والغياب.

خلاصة حياة

يغلب على القصائد الرومانسية والتأمل الأقرب إلى الصلاة، فهل ترمين من خلال ذلك احتضان أكبر قدر من التجارب الحياتية والأدبية؟

أردتُ من كتابي هذا أن يكون تلخيصاً عن حياتي: يتضمن الفصلٍ الأول تجاربي مع الحبّ والعشق بطابعٍ رومانسي أحياناً وجريء أحياناً أُخرى؛ الفصل الثاني قصائد كتبتها سنوياً في ذكرى رحيل ابنتي؛ الفصل الثالث تجربتي مع المرض وكيفية مواجهتي له؛ أمّا الفصل الرابع فهو مخاطبة مع الله تتأرجح بين الإلحاد والإيمان والفلسفة.

يجد القارئ في كتابي مساراً طبيعياً لنُضوج التجارب إن رومانسياً أو فلسفياً، وهذا ما قصدتُ الإشارة إليه من خلال ذكري عمري تحت كلِّ تجربة. أمّا استعمالي اللّغة العاميّة أحياناً في بعض القصائد فهو قد أتى انسيابياً مع شعوري عند التعبير.

لماذا تطبع الحيرة قصائد كثيرة في الديوان؟

عندما نكون في حالة بحثٍ عن الآخر الذي نعشق أو عن الآخر الذي أضعناه أو عن الحقيقة التي نطمح أن نصل إليها، لا بدّ من أن تكون الحيرة أو بمعنى آخر «التأرجح» هو لغّة بين الشك واليقين، عاطفياً وفكرياً.

برأيك هل يمكن أن تكون الكتابة دواء؟

مشواري مع الكتابة بدأ كما أشرت سابقاً في عمر التاسعة. وكنتُ أستسلم لكلّ وحيّ يحثّني على الكتابة حتّى لو كنتُ في منتصف عملٍ منزلي أو جلسة عائليّة أو حتى عند استفاقي ليلاً. هذه العلاقة مع القلم أتت انسجاماً مع نفسي لتضعني خلال الكتابة بحالة تخديرٍ لا أسمع فيها أحياناً ما يجري خارج غرفتي... لأصبح بعد الكتابة إنسانة «أنضج» من ذي قبل.

الكتابة حاجة ملحّة لأنني أجدّ لذّة عارمة أثناء التعبير وبعده... فتُصبح في هذا السياق دواء وعلاجاً وبلسماً للحظات العشق والحزن على السواء.

بحكم دراساتي الجامعية في علم النفس، أعتبر التسامي من أفضل الآليات الدفاعية التي ترفع مشاعر الإنسانيّة إلى مُستوى التعبير الفني الراقي الذي يظهر أحياناً في الرسم أو النحت أو الموسيقى أو من خلال الكلمة كما حصل معي.

تنوّع ثقافي

بحكم عيشك فترة خارج لبنان، إلى أي مدى أغنت هذه التجربة شعرك ووسعت ثقافتك؟

عشتُ في دولة قطر مع زوجي وأولادي 14 عاماً. عملتُ هناك مرشدة نفسيّة-مهنيّة في أكاديميّة جمعت زملاء من جنسيّات عربية وأجنبية، وشاهدت أعمالاً فنيّة وشاركت في مؤتمرات ثقافيّة ودورات تثقيفيّة وسّعت اطّلاعي وأغنته بالإضافة إلى الرُقي والمهنيّة في عرض الأمور، آخرها دورة تخصصية حول التدريب على الحياة، life coaching، مع زملاء من مصر، والمغرب، وأستراليا، وبريطانيا، وبولندا، وغينيا... وما زلنا على تواصل سوياً.

أمّا على الصعيد الاجتماعي، فقد سحرني تنوّع الصداقات التي عايشتها من جنسيّات وانتماءات مختلفة، فقد تعرّفتُ إلى: الديانة الهندوسيّة، جارتي البوذيّة، العادات الأفغانيّة والهنديّة، المُثابرة عند الزملاء الألمان، روح الفكاهة عند البلجيكيين، اللطافة الفيليبّنية... كذلك أحببتُ الجوّ الاجتماعي المُحافِظ هناك ولي صداقات نسائيّة قطريّة. أمّا على صعيد الجالية اللبنانيّة، فكوّنّا عائلة من الأصدقاء ما زلتُ أنعم بمحبتهم وأُبادلهم مشاعري وأسراري.

إلى من تتوجهين في ديوانك؟

عند كتابته لم أتوّجه إلاّ إلى نفسي. ولكن قبل نشره أردتُ توجيهه كما في الإهداء «إلى كلِّ مَن لامَستْه نارٌ مِن موتٍ أو مرض... أو عشقٍ طال به إنساناً أو إلهاً»...

تلحين قصائد

حول الجديد الذي تحضره راهناً توضح الشاعرة ماري- أنطوانيت عطية صقر: «خلال التحضير للكتاب، التقيت أُمنيّة محمود عبد العزيز الباجوري، وهي سيّدة مصريّة تحمل دكتوراه من كليّة التربية الموسيقيّة في القاهرة، قسم ارتجال وصولفيج وإيقاع حركي، وتعمل حالياً مُدرّسة موسيقى في دولة قطر وتستخدم التلحين في المدارس التي تعمل فيها... فعرَضتْ عليّ تلحين بعض القصائد من الكتاب. حالياً بحوزتنا ثلاث أغانٍ ونعمل للمزيد لأنّنا نطمح إلى تحضير ألبوم غنائي لمُتذوّقي الكلمة الراقيّة بالتعاون مع جهّاتٍ فنيّة لبنانيّة أو عربيّة.

عندما أُصبتُ بسرطان الثدي قررتُ أن أترك كتاباً لولديّ يبقى ذكرى تُحاكي القلب والعقل والروح
back to top