«فيلـم قديـم جــديد»

نشر في 23-06-2018
آخر تحديث 23-06-2018 | 00:02
 عبدالهادي شلا عالم الفن مليء بالمتناقضات، وقفت المجتمعات العربية له بالمرصاد في بداياته الصعبة التي حملها على عاتقه فنانون بذلوا من أجل الفن الرفيع قصارى جهدهم، وأنفقوا عليه أموالا طائلة، فبقيت أعمالهم وأسماؤهم خالدة في ذاكرة الناس رغم مرور سنين طويلة على هذه البدايات. نقول متناقضات، بعد أن ترسخت قيم فنية عالية على مدى سنين ليست قصيرة، فجاء من استباح هذا العالم السامي بقيمه الرفيعة من دعاة الفن الرخيص تحت ستار مجاراة العصر والتجديد بدءا من الممثلين إلى المخرجين إلى الممولين الذين وجدوا فيه مكاسب مادية وسوقا رائجة؛ مما ساهم في تردي مستوى الذوق العام عند المشاهد العربي لأسباب أحاطت به وأخرى فــُرضت عليه تحت ضغط ظروف عديدة!

والحالة كذلك، لا يجد المشاهد أمامه سوى متناقضات ترسم صورة غريبة وممسوخة لمجتمعات لا وجود لها إلا في خيال من صنعها ليثبت أننا مجتمعات متقدمة حين نشاهد تلك البيوت والديكورات الفخمة والأزياء الحديثة التي يستعرض بها الممثلون والممثلات في مسلسلات أغلب من يشاهدها من المسحوقين والمعدمين.

النتائج لا يمكن أن تكون في مصلحة الغرض السامي من الإبداع لو كان هذا ما يريده أصحاب المسلسل أو الفيلم رغم أن حال المعروض لا يوحي بذلك، وإنما هو"حشو" لا مبرر له وهلع مادي يمط ويطيل مدة المسلسل إلى ثلاثين حلقة يمكن اختصارها في سهرة من ساعتين، والمشاهد المجبر على أن يقضي وقت فراغه أمام القنوات المتشابهة كأنها متآمرة عليه لا يجد غيرها، فيبتلع صرخته مع صمته.

هذا ما ميز معظم مسلسلات القنوات الفضائية خلال شهر رمضان الذي انقضى، وهو ما يتكرر منذ سنوات، وقال فيه المتابعون والنقاد الكثير، إلا أن القائمين على هذه الصناعة لديهم وسائلهم الخاصة من الدعاية التي تثير فضول المشاهدين الذين سرعان ما يكتشفون هبوطا في مستوى المعروض. هذا الموجز، نقوله بعد أن أصبح من غير المحتمل متابعة هذا العالم المتناقض في المسلسلات والأفلام العربية، فتحولت إلى فيلم قديم من إنتاج 1999 للنجمة العالمية التي أحب أداءها "جولي روبرتس" مع النجم "هوغ غرانت" في فيلم كوميدي رومانسي هادئ وبلا ضجيج، يحمل اسم "Notting Hill". قصة بسيطة بأبطال يعرفون كيف يصنعون نجاحا جماهيريا وفنيا، فقد حاز الفيلم جائزة British Comedy Award وجائزة Brit Award في حينه.

يتضمن هذا الفيلم بعض المواقف المحرجة والعلاقات الاجتماعية وبعض المواقف الفكاهية التي تمر خفيفة دون ابتذال ولا تهريج، شاهدت فيه قصة حب وثقة بين البطلين بأداء سلس لا يمكن للمشاهد إلا التعاطف معها والإنصات لكل كلمة، كان البطلان ومن معهما من الممثلين، كل في مكانه ووقته الصحيح. استمتعت بالفيلم رغم مرور نحو 20 عاما على إنتاجه، وهذا يؤكد أن الأعمال الفنية التي يتقنها صانعوها بحرفية في الإعداد والأداء والتمويل لابد أن تحقق النجاح، وتبقى محل تقدير من المشاهد على اختلاف ذوقه.

هذا نموذج من كثير من الإبداعات التي مازالت عالقة في ذهن المشاهدين عبر سنين طويلة من أفلام ومسلسلات عربية وأجنبية، مما يدعونا إلى أن نسأل: هل المخرجون والممثلون العرب يشاهدون مثل هذه الروائع جيدا في وقتنا الحالي؟ وهل يتعلمون منها كيف يحترمون عقل المشاهد العربي إن شاهدوها؟

يبدو- في وقتنا هذا- بعد أن ركب الموجة فنانون كان لهم أعمال مميزة وكانوا واعدين، أنهم، دون استثناء المخرجين والممولين، أصبحوا يعتمدون على أن ترفعهم الدعاية قبل أن ترفعهم أعمالهم الفنية.

* كاتب فلسطيني- كندا

back to top