هدف ترامب التالي... حلف شمالي الأطلسي

نشر في 23-06-2018
آخر تحديث 23-06-2018 | 00:00
أعلام حلف شمال الأطلسي (الناتو)
أعلام حلف شمال الأطلسي (الناتو)
بعدما شاهد كبار المسؤولين في مقرات حلف شمالي الأطلسي (الناتو) مذعورين الخراب الذي خلفه ترامب في قمة مجموعة الدول السبع، باتوا يرتجفون خوفاً من احتمال تنظيم قمة لهذا الائتلاف الدفاعي الغربي يشارك فيها ترامب الهائج في بروكسل.

وبدلاً من الإعراب عن الوحدة والتصميم عبر «الأطلسي»، يخشون أن يتحوّل لقاء قادة الدول التسع والعشرين في هذا الائتلاف، الذي يدوم يوماً والمقرر عقده بعد شهر تقريباً، إلى الجولة الثانية من «تقلبات في كيبيك»، بما أن الرئيس الأميركي يشن حملة هائجة ضد الأوروبيين والكنديين بسبب فوائضهم التجارية غير المنصفة، حسبما يزعم، وإنفاقهم العسكري الضئيل الذي يخلّف «الناتو» في حالة يُرثى لها.

من حق الولايات المتحدة بالتأكيد أن تضغط على أمم «الناتو» الأخرى لكي تدفع المال مقابل نيلها الحماية، لكن الولايات المتحدة تحتاج إلى أصدقاء وحلفاء يشاطرونها آراءها، فضلاً عن أن ترامب لا يستطيع تحمّل كلفة التعاطي مع هذه الأمم كخصوم أو كخطر يهدد الأمن الأميركي. رغم ذلك... تأملوا ما حدث عقب قمة مجموعة الدول السبع. يُعتبر سحب الولايات المتحدة توقيعها من البيان المشترك المتفق عليه بين الاقتصادات العالمية السبع الأكثر تقدماً خطوة غير مسبوقة، ومن المذهل أيضاً أن يتهم رئيسها مضيفه رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بأنه «غير نزيه وضعيف جداً»، وشركاءه بأنهم يسرقون العمال الأميركيين.

بخلاف فوضى قمم الاتحاد الأوروبي حيث يكون الاتفاق الختامي غالباً غير حاسم ويملك القادة دوافع للعمل على استمالة الناخبين المحليين، يمكن الاعتماد عادةً على الناتو لعقد لقاءات منظّمة ومضبوطة بدقة تكثر فيها جلسات التقاط الصور بغية التأكيد على التضامن عبر الأطلسي، كذلك يحمل بيانها الرسمي المعد مسبقاً الكثير من «الإنجازات» المنمقة.

في «الناتو»، يلتزم القادة الأوروبيون عموماً بنقاط حوار بناءة، معربين عن توقهم إلى الوقوف معاً كأمة موحدة عبر الأطلسي لها قيم مشتركة خلف «قائد العالم الحر»، كما كان يُدعى الرئيس الأميركي.

لكن ترامب، الكثير التقلبات، قاد دبابته مخترقاً هذه الرقصة الجميلة السنة الماضية، رافضاً الالتزام بنصه عندما تعمّد إزالة التعهد بالدفاع المتبادل في المادة الخامسة الذي كان مساعدوه قد دونوه في خطاب معدّ مسبقاً، فعمد بدلاً من ذلك إلى انتقاد الأوروبيين بسبب نفقاتهم العسكرية الضئيلة.

ذكر شخص شارك في الاعداد للقاء السنة الماضية مع ترامب: «قصّرنا الاجتماع لأجله ورتبنا لسلسلة من الانتصارات في مجال الإنفاق الدفاعي، ومكافحة الإرهاب، والأمن عبر الإنترنت، لكنه عمد بكل بساطة إلى الاستحواذ على التنازلات، لم يأتِ إلى ذكر المادة الخامسة، وصب جام غضبه على الحلفاء في مطلق الأحوال».

في محاولة لتفادي مشهد انقسامي آخر الشهر المقبل، أعدّ «الناتو» سلة جديدة من «الانتصارات» يستطيع ترامب نسبة الفضل إلى نفسه في تحقيقها، وتشمل:

- الميل إلى زيادة الإنفاق الدفاعي بين كل الحلفاء تقريباً.

- تخصيص مبالغ أكبر لتحديث المعدات وتحسين الجاهزية مع استخدام موازنة الاتحاد الأوروبي للمرة الأولى لتمويل عمليات أبحاث وتنمية في المجال العسكري.

- مبادرة الاتحاد الأوروبي لتسهيل «حركة الجيش» بإزالة حواجز إدارية وتحديث الطرقات، والجسور، وسكك الحديد بغية مساعدة «الناتو» على نقل دباباته، وشاحناته، وجنوده، وطائراته عبر أوروبا، وبلوغ الجبهة الشرقية بسرعة أكبر في حالة الأزمة.

- فتح برنامج للناتو في بغداد بهدف تدريب قوى الأمن العراقية لمحاربة داعش.

وقد أعلن ترامب أن «الولايات المتحدة تدفع ما يُقارب مجموع كلفة الناتو بغية حماية الكثير من الدول ذاتها التي تسرقنا في مجال التجارة (تدفع جزءاً«ضئيلاً من الكلفة- ويضحك)».

لكن المجتمعين في بروكسل سيكونون عموماً هم أنفسهم القادة الذين التقوا في كندا، فضلاً عن أن خصومة مدينة مالبي لن تكون قد نُسيت، ويُظهر سلوك ترامب العشوائي (وهوسه بربط التدفقات التجارية بالنفقات العسكرية) أنه ما من استعدادات مسبقة قد تحمي الائتلاف من التعرض لأذى ذاتي على يد القائد الأميركي.

يدور الجدل الأكبر اليوم في المجتمع الاستراتيجي الأوروبي حول كيفية الرد عندما ترفض القوة العظمى التي تحميك الالتزام بالقواعد والاتفاقات، ولا يقتصر تمرد هذه القوة على مجال التجارة المستندة إلى ضوابط محددة، بل يشمل أيضاً تجاهل وجهات نظر الحلفاء واتباع مسار منفرد في مسائل إيران، والصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، والتغير المناخي، والأمم المتحدة.

بما أن الأوروبيين يواجهون اليوم رئيساً أميركياً يعتبر عدد سيارات المرسيدس في جادة فيفث أفنيو خطراً يهدد الأمن القومي، إلا أنه يأبي انتقاد التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، فإنهم يتأرجحون بين الرغبة في الرد بقوة، مخاطرين بالتالي بمضاعفة تمزق نسيج العلاقات عبر الأطلسي، وتقبله على مضض، لأنهم ما زالوا يحتاجون إلى الولايات المتحدة للدفاع عنا.

توافق فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا من حيث المبدأ على الحاجة إلى الرد بحزم إنما بتهذيب على التنمر التجاري الأميركي والالتزام بالاتفاق النووي الإيراني، لا يلغي احتمال حدوث انقسام بين الأوروبيين مع ميل الحكومتين الشعبويتين في إيطاليا، وبولندا إلى السعي للفوز بأفضلية وطنية بمحاولتهما استرضاء ترامب.

بعد فشل محاولات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استمالة ترامب، تبحث باريس عن فرصة للمطالبة بـ»استقلال استراتيجي» أوروبي، بما يعني القدرة على تنفيذ عمليات عسكرية من دون دعم الولايات المتحدة، إذا دعت الحاجة، وبناء أسلحة من دون التكنولوجيا الأميركية.

لكن أوروبيين كثراً، وخصوصاً الأقرب جغرافياً إلى روسيا، يرون في مفهوم «الاستقلال الاستراتيجي» هذا وهماً خطيراً ويعارضون توجيه أي إشارة قد تمنح ترامب العذر لينسحب من هذا الائتلاف الأطلسي. ومن الطبيعي أن تكون أنجيلا ميركل بين الحذرين، رغم كلامها عن ضرورة أن تحدد أوروبا مصيرها بنفسها، لأن بلدها يواجه خسارة أكبر تجارياً، فضلاً عن أنه أكثر حساسية تجاه الأعمال العسكرية.

في المقابل، يحض المسؤولون في الولايات المتحدة والناتو الأوروبيين على النظر إلى أبعد من تغريدات ترامب، إلى ما تقوم به إدارته فعلاً، فقد نصح وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس زملاء له في «الناتو» في اجتماع عقد أخيراً: «اتبعوا المال».

على سبيل المثال، زادت الولايات المتحدة بأكثر من الضعف مخصصات موازنتها لمبادرة الردع الأوروبية التي تطبقها، وأعادت نشر دبابات في أوروبا للمرة الأولى منذ نهاية الحروب اليوغوسلافية في تسعينيات القرن الماضي، ونشطت مجدداً قيادةً بحريةً للأطلسي، ونشرت مسبقاً معدات في أوروبا الشرقية. ورغم تردد ترامب في انتقاد الرئيس فلاديمير بوتين، عززت الولايات المتحدة العقوبات ضد موسكو بعد محاولة هذه الأخيرة قتل جاسوس روسي سابق بسُم أعصاب.

لا شك أن هذه كلها إشارات جيدة، لكن الحفاظ على ائتلاف دفاعي ناجح يتطلب أيضاً عدم إطلاق النار على حلفائنا، إلا أن هذا لا يبدو أكيداً قبل أربعة أسابيع فقط من قمة «الناتو» في بروكسل.

● بول تايلور- بوليتيكو

back to top