الشركات العملاقة تلغي منافسيها قبل ميلادها

من خلال صفقات الاستحواذ أو استنساخ نقاط قوة الشركات الصغيرة

نشر في 18-06-2018
آخر تحديث 18-06-2018 | 00:04
No Image Caption
ما تكلفة الحصول على موقع الإنترنت أو تطبيق للجوال أو خدمة إلكترونية مرتبطة بالإنترنت أو غيرها من أشكال الخدمات التكنولوجية؟ ... لا شك أنها كلفة محدودة جداً إذا ما تمت مقارنتها بالأرباح المنتظرة في حال نجاح مثل هذا المشروع، في ظل العائدات الاستثنائية للمنتجات المرتبطة بالتكنولوجيا والإنترنت والبرمجة خلال الأعوام الأخيرة.

ولعل هذا ما دفع الشركات العملاقة للعمل باستمرار على منع ظهور أي شكل للمنافسة الجادة لها، من خلال صفقات الاستحواذ على الشركات الأصغر، أو من خلال استنساخ نقاط قوة الشركات الصغيرة وتقديمها من خلال الشركات الأكبر. حسبما نشرت مجلة "ذا هيل".

منذ بداية الألفينات

وتلفت المجلة إلى ما فعلته شركة مايكروسوفت في أوائل الألفية الحالية من خلال طرح برنامج "مايكروسوفت أوفيس" كبرنامج مكمل لـ"ويندوز" من أجل إغلاق الباب على رواج منتجات أخرى منافسة لها أو تشبه برامج "وورد" أو "باور بوينت" وغيرها، فبيع المنتجين مرتبطين مع بعضهما بعضاً يجعل الشركة تستغل نقطة تفوقها الرئيسية في مجال برامج التشغيل "ويندوز" لتسيطر أيضاً على البرامج المساعدة.

واستدعى هذا في وقت لاحق تدخل المحكمة الأميركية باستخدام قانون منع الممارسات الاحتكارية، إذ قررت في بادئ الأمر غرامة يومية على "مايكروسوفت" قدرها مليون دولار إذا أبقت على دمج منتجيها معاً في البيع، غير أن مكاسب الشركة من الدمج فاقت الغرامة اليومية فاستمر الوضع على ما هو عليه لأشهر، قبل أن تصدر المحكمة حكماً آخر تجبر فيه الشركة على بيع كل منهما منفصلاً.

وفي تلك الحالة كانت مايكروسوفت مستعدة لتحمل غرامة مليون دولار (في عام 2001 وليس في يومنا هذا حتى) في مقابل عدم السماح للمنافسين بالانتشار والظهور.

وتشير مجلة "إيكونوميست" في تقرير لها إلى أن الشركات الأميركية الثلاث العملاقة في مجال التكنولوجيا، أمازون وفيسبوك وألفابيت (غوغل) ساهمت من خلال سياساتها في تقليص الشركات المستعدة للمغامرة باستثماراتها في تمويل المشاريع المرتبطة بالبحث على الإنترنت والهواتف المحمولة والتجارة الإلكترونية بشكل كبير، رغم عائداتها الكبيرة، إذ أصبحت نسبة تلك المشاريع الجديدة في عام 2017 ما يناهز 22 في المئة مما كانت عليه عام 2012.

أساليب متعددة لـ«الحرب»

والمثالان الأكثر حداثة في هذا الصدد ما قام به "فيسبوك" من تعديلات على موقعه الإلكتروني بالسماح بالفيديوهات المباشرة أولاً ثم إدراج الـ"story" أو القصة في برنامج المحادثة الخاص بالموقع "ماسنجر" من أجل محاربة موقع "سناب شات"، لاسيما بعد رفض الأخير لعرض قدمه "فيسبوك" بالاستحواذ عام 2013 مقابل 3-4 مليارات دولار وفقاً للتقارير.

والملاحظ هنا أنه على الرغم من المحاربة القوية للموقع الناشئ "سناب شات" فإن قيمته نمت بشكل مطرد حتى أنه رفض عرضاً آخر بالاستحواذ، هذه المرة من غوغل، بقيمة 30 مليار دولار عام 2017 أي إن قيمة الموقع نمت 10 أضعاف خلال 4 سنوات فحسب، بما يؤشر لإمكانية "نجاة" بعض الأعمال الجديدة.

غير أن موقع "بيزنيس إنسايدر" يشير إلى أنه على الرغم من نجاح "سناب شات" في الظهور والطفو على السطح فإن هذا لا يمثل إلا نسبة ضئيلة جداً من الشركات التي يكون نصيب معظمها "السحق" تحت أقدام الشركات العملاقة التي تعمل على وأد المنافسة قبل ظهورها.

وقام "فيسبوك" أيضاً على سبيل المثال بمحاربة تطبيق يسمى "لايف أون إير" (على الهواء مباشرة) وكان يقوم على بث المشتركين لفيديوهات حية يقومون بتصويرها من موقع الحدث، وعلى الرغم من البداية الجيدة للتطبيق، فإن طرح فيسبوك لفكرة الفيديوهات الحية من خلال موقعه أنهى على أي فرص للتطبيق في النجاح والانتشار.

بل وقام موقع "فيسبوك" أخيراً، ووفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال"، باستهداف كل المواقع التي تعمل على نشر تطبيقات للمواعدة، من خلال اختبار تطبيق يتيح المواعدة باستخدام "فيسبوك" ومن المنتظر أن يتم استخدامه على نطاق واسع قريباً.

شكل جديد للاستثمار

أما "أمازون" ووفقاً لـ"إيكونوميست" فقد أجرت سلسلة من عمليات الاستحواذ على بعض متاجر التجزئة، التي أقرت القيام بعمليات توصيل للبضائع من خلال نظام مشابه لأمازون بمبالغ تناهز الـ18 مليار دولار خلال الأعوام الأخيرة، بما يعكس إصراراً واضحاً على عدم السماح لمنافسين جدد بالتوغل في هذا المجال.

ويشير تقرير لكلية هارفارد لإدارة الأعمال إلى أن شركات أمازون وفيسبوك ومايكروسوفت وأبل وغوغل أنفقت 31 مليار دولار عام 2017 فحسب على شراء الأعمال الصغيرة الناشئة للتخلص من المنافسة قبل ولادتها.

وأدى هذا لظهور شكل جديد من أشكال الاستثمار، من خلال بعض المنظمين، الذين يبدأون عملاً ما ليس أملاً في استمراره ونموه لكن في أن يحظى باهتمام شركة عملاقة تقوم بضمه في صفقة استحواذ تحقق لملاكه أرباحاً استثنائية وسريعة، لتبدو الكثير من الشركات الصغيرة حاليًا كما لو كانت أدوات لبيع الأفكار في مجال الأعمال والتكنولوجيا بسعر جيد وليست شركات بالمعنى التقليدي.

والمثير للسخرية في الأمر أن أغلبية الشركات العملاقة في مجال التكنولولجيا قامت بسبب أفكار مبتكرة بالأساس لا على استثمار كثيف أو كبير لرأسمال، ليبدو أنها وبعد أن أصبحت شركات عملاقة ليست على استعداد لتكرار التجارب التي كانت سبباً لظهورها وخروجها للنور في بادئ الأمر، بل أن تقارير متعددة أشارت إلى أنها تستخدم أسلوب التهديد لضم تلك الشركات بإنذارها أنها إذا لم توافق على البيع فإنها ستطلق خدمة مماثلة لما تقدمه الِشركة الناشئة، مع علم الأخيرة أنها لا تستطيع مواجهة الآلة الدعائية الكبيرة للشركات العملاقة.

back to top