في الدبلوماسية ترامب مخالف لريغان

نشر في 16-06-2018
آخر تحديث 16-06-2018 | 00:00
 نيويورك تايمز تعتبر النظرة المتفائلة إلى لقاء ترامب التاريخي مع كيم يونغ أون أنه تكرار لقمة جنيف ونسخة مشابهة لهذه القمة عام 1985 بين رونالد ريغان والقائد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف التي أرست الرابط بينهما، فبدّلت بالكامل وضع العلاقات بين هاتين القوتين العظميين وقادت بعد بضع سنوات إلى نهاية الحرب الباردة.

تشير فكرة تكرار قمة جنيف، التي طرحها قبل أيام بيتر بينارت من مجلة "أتلانتيك"، إلى أوجه شبه بين ترامب وريغان، رئيسين جمهوريين أخفى خطابهما المتشدد وجهلهما تفاصيل السياسة براغماتية داخلية ومخيلة مبدعة.

يكتب بينارت: "قد يكون عدم تركيز ترامب على تفاصيل عملية نزع الأسلحة النووية خطوة جيدة، فعلى غرار ريغان، يعتقد على ما يبدو أن التفاصيل التقنية النووية أقل أهمية من العلاقة السياسية".

صحيح أن ريغان نجح في النظر أبعد من التعقيدات التقنية إلى مسألة استطاع قليلون غيره رؤيتها، ألا وهي: لا ضرورة لأن تستمر الحرب الباردة إلى ما لا نهاية، فلم تكن الأطر الأمنية، التي حددتها، قوانين تاريخية لا يمكن تبديلها. على العكس من الممكن للتقرب الشخصي من قائد سوفياتي أن يحقق تقدماً كبيراً نحو تبديل هذه العلاقة.

هل يُطبَّق السيناريو ذاته مع كوريا الشمالية؟ كلا على الأرجح لأسباب كان سيراها معظم المحافظين بوضوح قبل التشويش الذي ولّده ترامب أخيراً.

أولاً، ترامب مختلف عن ريغان، فقد عمل ريغان بانسجام مع حلفائه، في حين عمل ترامب ضدهم بكل جرأة.

ثانياً، كيم مختلف عن غورباتشوف، فقد وُلد هذا الأخير في أسرة عانت فعلاً فظائع عهد ستالين، في المقابل وُلد كيم في عائلة جوّعت شعبها. تدرج غورباتشوف في الصفوف كتكنوقراط لا خلفية له في جهاز الأمن التابع للنظام، أما كيم فرسّخ عهده بقتله زوج عمته، وأخيه غير الشقيق، وعدد من الوزراء، وغيرهم من البائسين. تبوأ غورباتشوف منصبه وهو يخطط للتخفيف من القمع السياسي في الداخل وتبديد التوتر مع الغرب، لكن كيم أمضى السنوات الست الأولى من عهده في القيام بالعكس تماماً.

ثالثاً، يدرك كيم ما حصل لغورباتشوف، الذي شكّل سقوطه المدوي درساً لكل الحكام المستبدين حول العالم عن جنون محاولة إصلاح نظام توتاليتاري، صحيح أن كيم قد يطبّق نسخة من البيروسترويكا بغية تفادي الانهيار الاقتصادي، إلا أننا لن نشهد أي سياسة غلاسنوست. يعتمد استمرار نظام كيم داخلياً على دولة الرعب ودولياً على ترسانته النووية، لذلك لن يتخلى عن أي منهما.

رابعاً، لا تبدو الجداول الزمنية متطابقة، فيريد ترامب تحقيق "إنجاز" في مجال السياسة الخارجية نحو منتصف ولايته وربما الفوز بجائزة نوبل للسلام قبل انتخابات عام 2020، في المقابل يخطط كيم لمواصلة حكم كوريا الشمالية عندما يصبح أحد أولاد تشيلسي كلينتون رئيساً.

خامساً، ترامب غبي، بخلاف كيم. يمكننا أن نقول ما يحلو لنا عن الحاكم المستبد الكوري الشمالي، إلا أن تعزيزه قوته في نظام أشبه بوكر أفاعٍ، وتطويره ترسانة نووية مذهلة، وتحسينه اقتصاد بلده من دون التخفيف من الضوابط السياسية، ولعبه مع ترامب على شفير الحرب النووية، ومن ثم في غضون أسابيع قليلة فوزه بقمة عريقة تُخصص للقوى العظمى تشكل كلها بالتأكيد إنجازات سياسية من الطراز الأول. ولا بد من أن ميكافيلي يبتسم في قبره. أما بالنسبة إلى ترامب فيلائم نجاح القمة المفترض بعد نكسة كيبيك ميله الفطري إلى الدراما، فمع هذا النجاح نراه حيث يحب أن يكون: محور اهتمام العالم المذهول.

لكن ترامب يقف دوماً في مكان يقحم فيه نفسه وكل المحيطين به في مشكلة أسوأ: السعي وراء ما يرغب فيه، فقد رأينا ذلك في حالة فندق بلازا، وستورمي دانيالز، واليوم "الصفقة الكبرى" مع بيونغ يانغ، لكن رجل النفط تي. بون بيكنز نجح في التعبير بمهارة أكبر عن هذه المسألة حين غرّد قبل أيام: "نصيحة التفاوض الأولى: عندما ترغب بشدة في عقد صفقة، تتوصل إلى صفقة بالغة السوء في نهاية المطاف". يسرني أن أكون مخطئاً، ولن أحزن إذا تبين أن كيم مصلح قصير النظر يدّعي بسبب حاجته اليائسة الملحة أنه مخادع ومستبد، ومن المفرح أيضاً أن نفكّر في أن ترامب يخوض لعبة شطرنج جيو-سياسية على مستوى قلما يستطيع الخبراء البطيئو الذهن فهمه، ومن الضروري أن يبقي المعلقون السياسيون الباب مفتوحاً دوماً على احتمال حدوث مفاجأة وأن يظلوا مستعدين للإقرار بالأخطاء. ولكن في الوقت الراهن من الصعب أن نرى ما حققته قمة سنغافورة غير خيانة حلفاء الولايات المتحدة، وإيماننا بحقوق الإنسان، وتاريخنا من اليقظة الجيو-سياسية، واعتمادنا على المنطق، فما الغاية من هذا كله؟ جلسة تصوير ضمت أنانياً سيئاً ونظيره الكوري الشمالي.

* بريت ستيفنز

* «نيويورك تايمز»

back to top