حمية العشر ساعات... هل تجعلك أفضل حالاً؟

نشر في 16-06-2018
آخر تحديث 16-06-2018 | 00:00
No Image Caption
هل يمكن لتعديل بسيط، كتغيير وقت تناول الطعام، أن يجعلك أفضل حالاً؟ إذا صح ذلك، فلا شك في أن كثيرين سيرغبون في اتباع هذه الطريقة.
هل تستطيع أن تبدِّل جسمك من دون أن تدخل تعديلات جذرية إلى نظامك الغذائي؟ تشير بحوث متراكمة إلى أن تعديلاً بسيطاً ربما يكون مفيداً. نسمع اليوم عن أسلوب جديد: الغذاء المحدود زمنياً (time-restricted feeding أو TRF)، الذي يشكّل في الأساس نظاماً غذائياً يقوم على صوم متقطع يحدّ الفترة المسموح خلالها بتناول الطعام بثماني إلى 12 ساعة يومياً. وتبدأ الساعة باحتساب الوقت مع أول رشفة قهوة وتتوقف مع آخر قضمة على العشاء.

ما الذي يميز هذا النظام الغذائي؟

تجيب د. إيفلين بار من معهد ماري ماكيلوب لبحوث الصحة في الجامعة الكاثوليكية الأسترالية: «عندما تتناول وجبة، تعالج معظمها خلال الساعات الثلاث التالية. لكن كثيرين يمضون يومهم في هذه المرحلة، عندما يستهلكون عدداً من الوجبات الرئيسة والخفيفة. على سبيل المثال، إذا واصل إنسان ما تناول الطعام حتى العاشرة مساء ثم أكل فطوره في الساعة السابعة صباحاً، لا يمرّ بفترة طويلة من الصوم ليلاً. لكن البحوث التي أُجريت على القوارض تُظهر أن طول هذه الفترة يؤدي دوراً مهماً في تحسين عملية الأيض».

كيف يعمل؟

إليك مثالاً مبسّطاً: في النظام الغذائي الذي يتيح لك تناول الطعام طوال عشر ساعات فقط، قد تستمتع بفطورك في التاسعة صباحاً، وغدائك في الواحدة ظهراً، وعشائك في السادسة مساء مع إنهائك آخر قضمة بحلول الساعة السابعة.

تشير بار، التي درست النظام الغذائي المحدود زمنياً: «ينبئني حدسي مما لاحظته من بياناتنا الأولية بأن من الأفضل تأخير الفطور قليلاً وتناول العشاء في وقت أبكر، مع أن لكل منا نمطاً يوماوياً مختلفاً».

لكن السؤال المهم الذي ينشأ: لمَ علينا اتباع هذه الطريقة؟ يسرنا أنك طرحت هذا السؤال. تجيب بار: «يعود ذلك إلى نهاية النهار عندما يتفاعل جسمنا بشكل سيئ مع الإنسولين، وهو هرمون يفرزه البنكرياس كرد فعل تجاه الطعام. عندما نتناول الطعام في وقت متأخر جداً، لا يعمل الإنسولين بفاعلية. لذلك نواجه ردود فعل غلوكوز متفاقمة تجاه الطعام. في دراستنا، نركّز على تناول الطعام خلال فترة ثماني ساعات تبدأ في العاشرة صباحاً وتنتهي في السادسة مساء. لكن الالتزام بفترة العشر ساعات قد يكون أكثر سهولة لمعظم الناس».

نوافقها الرأي! هل من فوائد أخرى؟ إذا توقفت عن الأكل في وقت مبكر مساءً، تتفادى تلقائياً مغريات الليل. لنواجه الواقع: تشمل الوجبات الخفيفة قبل الخلود إلى النوم عادةً المثلجات والشوكولاتة لا وعاء من البروكولي.

تضيف بار: «صحيح أن الفكرة الرئيسة تقوم على استهلاك الطعام عينه خلال فترة زمنية أقصر، ولكن ثمة فترات من النهار يميل فيها الإنسان إلى تناول أنواع محددة من المأكولات». كذلك تؤكّد اختصاصية التغذية والخبيرة في عالم الطعام كريستن بيك أن من المنطقي والعملي أن تستهل فترة تناولك الطعام في الصباح.

تتابع موضحةً: «بتناولك الطعام مبكراً، تميل على الأرجح إلى اختيار أطعمة تحمل قيمة غذائية أكبر وبلوغ أهدافك الغذائية من الفئات الرئيسة. كذلك تقدّم لجسمك فرصة هضم الطعام واستخدام النشويات المخزنة (منها السكر، والبروتين، والدهون) بطرائق مختلفة (مفضلة)، بخلاف ما قد يحدث عندما تتناول هذه الأطعمة في وقت متأخر من الليل قبيل خلودك إلى النوم».

هل ترغب في الاطلاع على الدراسات؟

إذاً، ما رأي العلم؟ في عام 2012، اكتشف د. ساتشيداناندا باندا، بروفسور في معهد سولك للدراسات البيولوجية ورائد في هذا المجال، أن الفئران التي تناولت الطعام خلال فترة ثماني ساعات تمتعت بصحة أفضل وبوزن أقل، مقارنة بتلك التي حظيت بحرية تناول الطعام ساعة تشاء خلال اليوم. إليك النقطة الأساس: تناولت مجموعتا الفئران العدد عينه من السعرات الحرارية واتبعت النظام الغذائي الغني بالدهون ذاته.

أظهرت دراسات المتابعة التي قادها باندا أنك ستجني الفوائد في سعيك إلى ضبط وزنك، حتى لو تناولت الطعام خلال فترة 12 ساعة. الفئران حيوانات ليلية. ولكن في حالة الإنسان، تمتد هذه الفترة، مثلاً، من السابعة صباحاً حتى السابعة مساء.

إليك فائدة إضافية: حققت الفئران التي أخذت «استراحة» خلال نهايات الأسابيع نتائج مشابهة لما حظيت به الفئران التي اتبعت نظام الغذاء هذا طوال أيام الأسبوع كلها. كذلك كشفت دراسة أخرى قادها باندا ونُشرت في مجلة «العلوم» أن ذباب الفاكهة الذي اتبع نظاماً غذائياً محدوداً بفترة 12 ساعة نام بشكل أعمق، وكسب وزناً أقل، وتمتع حقاً بصحة قلب أفضل، مقارنةً بالذباب الذي تناول الطعام متى شاء، مع أن المجموعتين استهلكتا تقريباً المقدار عينه من الطعام.

نتائج مذهلة

حققت القوارض والذباب نتائج مذهلة. ولكن ماذا عن الإنسان؟ قبل أن تبدأ بإرجاع الساعة إلى الوراء، تذكّر أن البحوث التي تُجرى على البشر لا تزال في مراحلها الأولى. تدرس بار تأثيرات تناول الطعام خلال فترة ثماني ساعات، إلا أن النتائج التي توصلت إليها لم تثبت بعد.

تذكر بار: «يسهم نظام الغذاء هذا في الحفاظ على الكتلة العضلية الخالية من الدهون لأن الإنسان، عندما يستهلك عدداً أقل من السعرات الحرارية، يخسر غالباً كتلته العضلية ويبطئ عملية أيضه. أعتقد أنه سيختبر خسارة في كتلة الدهون إذا واظب على نظام الغذاء هذا لفترة كافية من الوقت. كذلك يسهم الغذاء المحدود زمنياً كنظام غذائي في تحسين ضبط معدل الغلوكوز في الدم، علماً بأن هذا أمر بالغ الأهمية لمن يعانون الداء السكري من النمط الثاني أو مرحلة ما قبل السكري. ولكن في هذه الفترة، ما زالت البحوث في بداياتها وعلينا بعد تعلّم الكثير».

هل ترغب في التخلص من الكيلوغرامات الزائدة؟ إليك نقطة مهمة: كشفت دراسة أُجريت على البشر، قادها باندا، ونُشرت في مجلة «أيض الخلايا» أن مَن عانوا وزناً زائداً ولم يُطلب منهم تبديل نظامهم الغذائي بل قصر فترة تناولهم الطعام على 10 أو 11 ساعة يومياً خسروا 5.3% كمعدل من وزن جسمهم في غضون 16 أسبوعاً. إليك فائدة إضافية: أكّد هؤلاء المشاركون أنهم تمتعوا بنوم أفضل وبمعدل طاقة أكبر.

على نحو مماثل، توصلت دراسة أجرتها أخيراً جامعة ألاباما في برمنغهام أن تناول الطعام فترات قصيرة باكراً خلال اليوم يحد من نوبات الجوع ويعزز حرق الدهون مساء. كذلك تشير بيك إلى ميزة مهمة للصوم المتقطع عموماً.

تقول: «يتيح للناس التحكّم مجدداً في شعورهم بالجوع ومفاتيح شهيتهم. تعوَّد كثيرون منا تناول الطعام بانتظام، حتى إنهم يصابون بالهلع عند أدنى إحساس بالجوع. لكن الصوم المتقطع يسمح للإنسان بتقييم حقاً مدى جوعه، فضلاً عن أنه يُظهر أن الإنسان يستطيع الاكتفاء بمقدار قليل من الطعام ليسد جوعه».

الحكم النهائي

هل تخطط لتناول الطعام مبكراً؟ تنصح بيك: «احرص على أن يحتوي عشاؤك على مقدار كافٍ من البروتين لأنه المادة المغذية الكبرى الوحيدة التي تبعث برسائل كيماوية تعلمك أنك شبعت». بالإضافة إلى ذلك، أكثر من الأطعمة الغنية بالألياف كي تتمكن من التحكم في شهيتك. توصي بيك: «إذا لم تكن تشعر بالجوع، إلا أنك تتوق إلى تناول طعام ما مساء، فاسأل نفسك أولاً عما إذا كنت جائعاً حقاً أو أنك تأكل بحكم العادة. كذلك اشرب كوباً من الماء كي تتأكد من أنك لا تشعر بالعطش».

ولكن إلى أن يقدّم العلم الأدلة الضرورية، عليك أن تتابع آخر التطورات.

تؤكّد بيك: «بات اليوم فهمنا الغذاء، مقارنةً بالصوم، أكثر تقدماً بكثير».

تضيف موضحةً: «نملك راهناً فهماً موسّعاً جداً (إنما ليس كاملاً) للمواد المغذية التي يحتاج إليها جسمنا لينمو، ويكبر، ويبقى سليماً وصحياً. ندرك أيضاً أننا إذا لم نحصل على هذه المواد المغذية من غذائنا خلال فترة طويلة من الوقت، نعاني على الأرجح عوزاً غذائياً موهناً».

إليك ترجمة مبسطة: لا تأكل البطاطا المقلية طوال 10 ساعات وتأمل أن تمحو الساعة تأثيرها المضر.

الصوم المتقطع

نشهد اليوم فيضاً من بحوث تركّز على الغذاء المحدود زمنياً، إلا أن هذا المفهوم ليس جديداً. تذكر بيك: «صحيح أن أشكالاً مختلفة من الصوم المتقطع تبدو جديدة ومبتكرة بالنسبة إلى كثيرين، إلا أن الصوم، سواء إرادياً (لأسباب دينية أو ثقافية مثلاً) أو قسرياً (بسبب الفصول، أو الجفاف، أو فشل المحاصيل، أو الحرب، أو المرض)، يشكّل جزءاً من تاريخ الإنسان وتطورنا كنوع».

الصوم المتقطع يتيح لك التحكّم في شعورك بالجوع ومفاتيح شهيتك

احرص على أن يحتوي عشاؤك على مقدار كافٍ من البروتين
back to top