د. عايد الجريد... والنادي الأدبي الكويتي 1924 (2)

نشر في 14-06-2018
آخر تحديث 14-06-2018 | 00:10
 خليل علي حيدر تناول د. عايد الجريد في الفصل الأول من كتابه "النادي الأدبي الكويتي" كما أشرنا، الأوضاع التعليمية المتواضعة في الكويت ما بين 1899 و1923، حيث تم عام 1911 تأسيس أول مدرسة نظامية وهي "المباركية"، بعد طول اعتماد على الفصول الدينية البسيطة التي يشرف عليها بعض شيوخ الدين وأئمة المساجد أو "المطوع" و"الملا"، وهي نوعية من التعليم الأوّليّ الذي كان واسع الانتشار في البلدان العربية والإسلامية باسم الكتاتيب، جمع "الكُتّاب".

وأشار د. الجريد إلى "تحسن ملحوظ" في الأوضاع التعليمية والثقافية في أوائل القرن العشرين دفعت في اتجاه افتتاح المدارس الحديثة، ويذكر عبد العزيز حسين أن المجتمع الكويتي مر بمرحلة قبل تأسيس المدارس النظامية "كان التنافس فيه بين الكتاتيب شديداً، إذ كان كل كُتّاب يحاول أن يلفت نظر المجتمع إليه حتى يكتسب أكبر سمعة ويستولي على أكبر عدد من التلاميذ، وكانت وسائل الدعاية ولفت النظر في حسن الخط، وكانت تتم بأن يذهب المتبارون في الخط إلى طائفة من التجار في محلاتهم لعرض خطوطهم عليهم، والتجار هم الحكم الفيصل في المباراة".

(المجتمع العربي بالكويت 1994، ص123).

قد يرجح الكثيرون القول بأن الشريحة المتعلمة والمثقفة والأدبية في الكويت ربما ظهرت من منابع مختلفة كالجهود الفردية والاحتكاك بالثقافة العربية والاجتهاد في القراءة والتعلم في مدارس المطوع والملا وغير ذلك، ويرفض د. خليفة الوقيان في كتابه عن بدايات الثقافة الكويتية الربط بين "بدء التعليم النظامي والثقافة". (ص10).

ويضيف أن ثمة أسباباً تتصل بطبيعة السكان وطبيعة الموقع وطبيعة النظام السياسي، فضلا عن المؤثرات الخارجية، خاصة أن هجرة الكويتيين إلى هذه البقعة لم تكن قادمة من الصحارى، ولم يكن المهاجرون إلى الكويت "من البدو الرحل الذين شردهم القحط، فجاؤوا إليها يلتمسون الكلأ، بل الأجدر القول إن هؤلاء المهاجرين الأوائل وفدوا إلى هذه المنطقة ينشدون فيها الأمان، وينأون بأنفسهم عن بؤر الصراع القبلي والعرقي والطائفي في المناطق المجاورة".

(الثقافة في الكويت، 2010، ص21).

فربما احتاج د. الجريد في الطبعة القادمة من بحثه القيم تسليط بعض الأضواء على الطبيعة الثقافية لهذه المرحلة واهتمامات من برز أو اهتم بالثقافة خلالها، وكيف تبلورت اهتماماته.

ويستدل د. الوقيان بمطالبة الكويتيين بإقامة مجلس للشورى عام 1921 على "تطور الفكر السياسي الكويتي خلال مرحلة تعد مبكرة، وهذا التطور لم يأت من فراغ، فقد كشفت الاتجاهات السياسية لأعضاء النادي الأدبي في عشرينيات القرن العشرين عن مواكبة حية للتيارات السياسية السائدة في المنطقة العربية آنذاك وفي مصر خاصة". (ص49).

ويبدي د. الوقيان كذلك ملاحظة قيمة قد تفيد في تحديد بعض اتجاهات النخبة المثقفة في تلك المرحلة، ويقول: "حين ننظر في أسماء الكتب المهداة إلى مكتبة الجمعية الخيرية والمكتبة الأهلية في مطلع القرن العشرين فسوف نتبين أنها لم تقتصر على علوم الدين، بل كانت متنوعة، تتناول علوم العصر، ورغبتهم في التعرف على سر تطور الأمم، ومقاومتهم ادعاءات المتشددين. وهناك رسالة من الشيخ يوسف بن عيسى إلى الحاج شملان بن علي تكشف عن طبيعة الكتب المهداة للمكتبة الأهلية، فهو يحث الحاج شملان على تزويد المكتبة بالكتب الدينية، ويخبره أن الأهالي أقبلوا على المكتبة بالكتب، ولكن أغلبها من كتب المتنورين العصرية، وكتب الدين قليلة". (ص140-141).

ويذكر الشيخ عبدالله النوري في كتابه "قصة التعليم في الكويت في نصف قرن"، "أن زيداً وعبدالرزاق ابنَيّ خالد الخضير اشتركا في مجلتي "المنار" و"المؤيد" المصرية سنة 1320هـ- 1920م، وكان محلهما في كل ليلة كمدرسة يجتمع فيها الكثير ما بين قارئ ومستمع". (ص37) .

وثمة إشارات إلى صلة الكويتيين بالصحف العربية التي كانت تصدر في بعض العواصم الأوروبية في القرن التاسع عشر "وكان الشيخ مبارك الصباح قد اشترك خلال وكيله عبدالعزيز السالم بجريدة "الخلافة" التركية المعارضة. وقد اعتقل العثمانيون الوكيل في مايو 1902 للتحقيق معه حول الاشتراك في تلك الجريدة الممنوع تداولها في الأراضي العثمانية". (د. الوقيان، ص147). ويذكر د. الجريد أن الشيخ ناصر مبارك الصباح، ابن حاكم الكويت الشيخ مبارك، كان مهتماً بالتأليف، وكان فاقد البصر يساعده في المطالعة والبحث الأديب سليمان العدساني. يقول صاحب كتاب "من هنا بدأت الكويت"، عبدالله خالد الحاتم عن مكتبة الشيخ ناصر، التي برزت بين بقية المكتبات الخاصة في منازل القراء الكويتيين، والتي لم تكن بضخامتها، إن الشيخ ناصر كان "أول من اقتنى مكتبة خاصة، قيل إنها تحتوي على ثلاثة آلاف كتاب من أهم المصادر والمراجع، وقد كونها الشيخ ناصر بنفسه، ومعظمها مجلد تجليدا فاخراً".

وكان بين محتويات المكتبة "أكثر من ثمانين ديوان شعر، وعدد كبير من التفاسير وكتب الحديث والأدب واللغة والاجتماع، وفيها قليل من المخطوطات". (الحاتم، ص72). وقد تشتت للأسف شمل هذه المكتبة بعد وفاة صاحبها، وإن كان معظمها قد ذهب إلى بيت "آل عدساني".

يذكر المؤرخ "الرشيد" أن وفاة الشيخ ناصر كانت سنة 1336هـ -1917 ميلادية، ويقول: "كان رحمه الله شابا ذكيا ذا فطنة وقّادة وحافظة قوية نادرة، وقد لُقب لذلك (بكعب الأحبار)، ذا شعور رقيق وإحساس لطيف، اشتغل بطلب العلم على أيدي أساتذة في الكويت، فتحصل على شيء من العلوم الدينية كالفقه والعقائد وغيرها، وعلى شيء من العربية، أما أستاذه الحقيقي فهو نفسه الطموحة وهمته العالية التي كانت ولا تزال إذ ذاك تدفعه إلى التوسع في العلوم والمعارف والبحث والتنقيب، حتى بلغ درجة قد لا أغالي إذا قلت إنه لم يبلغها في الكويت من أبناء جنسه أحد".

ويضيف "الرشيد" أن الشيخ "رشيد رضا" صاحب مجلة "المنار" الإسلامية المعروفة أشاد بالشيخ ناصر "الذي أدهش الأستاذ الكبير بأبحاثه ومعلوماته بعد أن اجتمع به في الكويت عام رحلته إلى الكويت". ومما يلفت النظر في شهادة "الرشيد" انتقاد الشيخ ناصر للشيخ لابن تيمية، ويقول الرشيد: "ومن غرائب هذا الشاب النابه أنه كان في ابتداء أمره يرى في شيخ الإسلام ابن تيمية رأيه في الزنادقة والملحدين، وقد جرى نزاع طويل في هذا الصدد بينه وبين بعض الأساتذة الفضلاء في الكويت أوشك أن يفضي إلى ما لا تحمد عقباه، ولكن هذا الشاب الراحل علم أخيراً بفطرته السليمة خطأه".

(الطبعة المحققة، 2016، ص421).

وممن يشير د. عايد الجريد إلى دوره في تعزيز الثقافة في الكويت "فرحان فهد الخالد الخضير"، الذي كان له مع إخوية الدور البارز في تأسيس "الجمعية الخيرية العربية"، التي سبقت في ظهورها النادي الأدبي بعام، وتعد كما يقول الباحث بدر ناصر المطيري، "أول جمعية نفع عام أسست في الكويت وربما الأولى في دول الخليج العربية".

(الجمعية الخيرية العربية، 1998، ص61).

ويقول د. الجريد إن فرحان الخالد وأخويه أوقفوا بيتاً وعمارة على الجمعية، مشترطين في وثيقة الوقف "أن يكون الناظر والمدرسون من الصالحين، وأن تدرس فيها العلوم النافعة".

وقد درس المؤرخ سيف مرزوق الشملان حياة فرحان بن فهد الخالد في كتابه "أعلام الكويت"، دار ذات السلاسل، 1985، ويقول مشيداً بنباهته ومتحدثاً عن ظروف وفاته المؤسفة في أوج شبابه:

"كان جوهرة ثمينة، جوهرة شع نورها في أرجاء الكويت فترة من الزمن، ومع الأسف أن تلك الفترة كانت قصيرة، حيث إن الموت عصر غصن شبابه الغض".

كان "فرحان الخالد" يعاني مرضا عضالا في قدمه واستفحل به المرض، فسافر إلى "بومبي" بالهند للعلاج، ولم يوافق فرحان الأطباء هناك في قطع رجله، وتدهورت صحته، فقفل راجعاً مع مرافقيه بالباخرة، إلا أن المنية وافته في ديسمبر 1913 قبل وصوله إلى الكويت، حيث توفي على الباخرة، وتم دفنه جنوبي إيران في "بندر عباس" وكان عمره 33 سنة.

وعرف عن السيد "فرحان الخالد" كما جاء في ترجمة المؤرخ "الشملان" أنه كان كثير القراءة للكتب والمجلات، ويضيف أن لأسرة "آل خالد" خدماتها للوطن، والأسرة "أول من جلب الصحف والمجلات من مصر إلى الكويت حوالي عام 1908 في عهد الشيخ مبارك الصباح، وكان ديوانهم ملتقى رجال الأدب والعلم". ويضيف أن "اثنين من أعضاء مجلس الشورى سنة 1921 كانا من أسرة آل خالد وهما أحمد الفهد الخالد ومشعان الخضير، وكان أصغر الأعضاء سناً". (الشملان، ص15).

ويشير د.الجريد إلى ما يورده المؤرخ الشملان، أن "فرحان" كان معجباً بالزعيم الوطني المصري مصطفى كامل، وكان مثل الزعيم كامل، متعاطفاً، مع الدولة العثمانية، "وكان الخضير يميل للدولة العثمانية من ناحية إسلامية"، وكان تأسيس فرحان للجمعية الخيرية يهدف حقيقة، كما يشير د. الجريد، الى "مقاومة الحركة التنصيرية بالخليج العربي لنشر العلم ومساعدة الطلبة". (د. الجريد، النادي الأدبي، ص29)

ولكن هل كان الجميع في الكويت يؤيد تأسيس "الجمعية الخيرية العربية" و"النادي الأدبي"؟ هذا ما سنراه لاحقاً!

توضيح واعتذار

ورد في المقال السابق، 7/ 6/ 2018، أن «الباحث يعمل بجامعة الكويت»، والصواب «أن د. عايد الجريد يعمل في وزارة الإعلام». فللأستاذ الباحث اعتذارنا مع تمنياتنا له بدوام التوفيق.

back to top