خالد النفيسي ترك إرثاً متنوعاً من الجرأة والفكاهة (2-2)

توفي عام 2006 بالتزامن مع يوم المسرح العالمي

نشر في 14-06-2018
آخر تحديث 14-06-2018 | 00:01
تميز الفنان الراحل خالد النفيسي بصفات القيادة واللباقة والفكاهة إضافة إلى المثابرة وحب المسرح وسرعة البديهة، فمذ مرحلة الشباب شمّر عن ساعدَي الجد وتحمل المسؤولية مبكراً، حيث عمل موظفاً في ميناء الشويخ في عام 1954، مستفيداً من انخراطه في معسكر الكشافة حيث كان يتدرب على الاعتماد على النفس ورباطة الجأش، كما كان يمارس أنشطة متنوعة في مقدمتها التمثيل الذي كان يعشقه.

وعقب بضعة أعوام عُيِّن موظفاً في صندوق الجمارك ولكنه لم يستمر طويلاً حيث انتقل إلى العمل في أملاك الدولة ثم عمل عام 1962 بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، أما في مجال الفنون فبدأ ممثلاً هاوياً على خشبة المسرح المدرسي عام 1953، ثم كانت له محاولات أخرى في مجال التمثيل عام 1965 مع فرقة المسرح الشعبي، وعقب عام قدم مسرحية مع مجموعة من زملائه بعنوان "ضاع الأمل" وهي من تأليف وإخراج الفنان محمد النشمي وعرضت على مسرح الصديق.

اتسم النفيسي في الدراما التلفزيونية بالبعد التربوي، لاسيما في مسلسل "إلى أبي وأمي مع التحية" فقد قدم شخصية الأب الصارم والحنون في الوقت ذاته والباحث عن تميز أولاده وتفوقهم، وإضافة إلى ذلك كان يمزج الجانب الاجتماعي بالبعد السياسي في العديد من الأعمال المسرحية، ومن أبرز أدواره شخصية "بوصالح" في مسلسل "درب الزلق" الذي يعيش قصة حب متأخرة فيغرم بجارته وتدور الأحداث ضد اتمام هذا الزواج، لكنه ينتهز فرصة سفر ولدها حسين بن عاقول ويرتبط بها بمساعدة الخال قحطة.

لا يمكن اختصار مسيرة نحو 5 عقود في شخصية أداها في التلفزيون أو على خشبة المسرح أو السينما فقد ترك إرثاً فنياً ضخماً لأنه كان يشتغل على الأعمال التي يؤديها بتكنيك مختلف يخصه وحده ولا يشبهه أي فنان آخر.

كان النفيسي أحد أبرز أعمدة المسرح الكويتي والتلفزيون منذ الستينيات من القرن الماضي ولم يتحقق له ذلك إلا بفضل الموهبة والأداء المتقن إضافة إلى الرغبة الجامحة في تطوير الأداء والاختيار الواعي للشخصيات التي يجسدها.

التصق اسم الفنان الراحل خالد النفيسي بالفنان الكبير سعد الفرج حيث شكلا ثنائيا كوميديا سطع في سماء الفن الكويتي خلال فترة الثمانينيات من القرن الماضي خلال تقديمهما العديد من الأعمال المسرحية الكوميدية الهادفة كان أبرزها مسرحيات "حرم سعادة الوزير" و "ممثل الشعب" و "دقت الساعة" إضافة إلى "حامي الديار"، وربما كلما ذكر اسم المسرحية تذكرنا المشهد الذي يخاطب فيه النفيسي النساء ويقول: أيتها النسوة... كما أن ثمة مشاهد أخرى في هذا العمل وأعمالاً أخرى تتسم بالجرأة والفكاهة إضافة إلى جمال المضمون.

«هالو دوللي»

اشترك في أعمال مسرحية كثيرة منها، مسرحية "هالو دوللي" مع عبدالحسين عبدالرضا وشويكار ومريم الغضبان وعلي المفيدي وغانم الصالح وكاظم القلاف ومريم الصالح، ومسرحية "فاتها القطار" و "بيت بوصالح" و"جنون البشر" و"حط حيلهم بينهم" و"يسوونها الكبار" وغيرها.

وشارك الراحل في مسرحية وزير الناس مع الفنان عبدالعزيز جاسم وعرضت في مسرح قطر الوطني وتدور أحداثها حول الفنان خالد النفيسي وزوجته وابنته عندما لاقوا معاناة في منزل شعبي وسيارة قديمة، وبعد عدة سنوات أصبح الأب (خالد النفيسي) وزيراً للناس يعالج قضاياهم، وبعدها عاد الوزير إلى الفقر.

الدرس الأول والأخير

وفي التلفزيون، قدّم أول تمثيلية "الدرس الأول والأخير" في عام 1961، مع زيزي مصطفى وهدى المهتدي ومن إخراج عادل صادق.

وبعد ذلك انطلق ليشارك بكوكبة من الأعمال الدرامية والفكاهية التي لا تنسى... منها مسلسل "أنا رب البيت"، و"درب الزلق" ومسلسل "خالتي قماشة" الذي ما زال يعرض على الفضائيات وقد شاركه البطولة حياة الفهد وسعاد عبدالله ومريم الصالح وعلي المفيدي وغانم الصالح، وغير ذلك الكثير من الأعمال التلفزيونية منها "السرايات" الذي انتج في العام 2000، ومسلسل "عديل الروح"، و"بريق المال".

ويعد المسلسل التلفزيوني "فريج صويلح" اخر عمل تلفزيوني شارك فيه الفنان النفيسي قبل أن يغيبه الموت في يوم المسرح العالمي الموافق السابع والعشرين من مارس عام 2006 في العاصمة المغربية الرباط اثر تدهور حالته الصحية.

ومن أعماله التي شهدت رواجا "محكمة الفريج" وأوبريت بعنوان "المطرب القديم" من تأليف الشاعر الغنائي بدر بورسلي، وعن هذا الأوبريت يقول الراحل إنه "جاء في جلسة مع سعاد عبدالله وبدر بورسلي، وتناقشنا في مضمون الأوبريت، وكانت الفكرة ناجحة لأن الأوبريت العربي عادة ما يكون بين رجل وامرأة بينهما حب وغزل وعبارات جميلة في الحب، لكن نقاشنا كان يتمحور حول إيجاد موضوع مختلف.. مطرب قديم في حي قديم".

جوائز وتكريمات

حصل النفيسي على العديد من الجوائز منها: الجائزة الذهبية عن دوره في مسرحية "حرم سعادة الوزير" ومنح شهادة تقدير لتميزه كفنان مسرحي في الاحتفال في يوم المسرح العربي في عام 1980، ونال جائزة فنان المسرح الأول في عام 1977. وكرمه الشيخ سالم الصباح رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى في 2001.

وعام 2005 تم تكريمه في الاحتفال الذي أقامته وزارة الإعلام لمشاركته في فيلم العاصفة الذي شاركه فيه عبدالحسين عبدالرضا وحياة الفهد.

النفيسي المرح

ومن أبرز أقوال النفيسي:

* المرح في أعمالي وحياتي مع الناس هو امتداد لحياتي التي أعيشها في محيط أسرتي... فالإنسان غير المستقر في حياته وغير المرتاح مع أهله وذويه لا يمكن أن يظهر البسمة للناس، ويبخل بها عن نفسه وأهله، وفي الواقع أنني في بيتي أكثر مرحا وضجيجا، حيث لا قيود من المشاهدين أو المؤلف والمخرج، فالتفاهم والترابط في حياة الإنسان الفنان من أهم مقومات نجاحه واستقرار أعماله".

* هناك أشخاص لا ينكر فضلهم على المسرح في الكويت سبقونا في هذا المضمار، ومنهم الاستاذ حمد الرجيب والأستاذ محمد النشمي والاستاذ عقاب الخطيب وغيرهم، ونحن سرنا على مسيرتهم ونعتبر هؤلاء هم الأساتذة والرواد ونحن التلاميذ المكملون ومما لاشك فيه فإن هناك تطورا ملموسا بدأ في أوائل الستينيات بعد وصول الأستاذ زكي طليمات، وتكونت فرق أهلية تتنافس تنافسا شريفا، وكانت هناك اجتهادات ملموسة من هذه الفرق، وهي الشعيبي والخليج والكويتي والعربي.

* ليس هناك شيء بالنسبة لي اسمه قديم وحديث، فإذا مزج القديم بالحديث صار الإبداع، ليس في مضمار الفن فقط بل في كل المجالات الحياة، فأنا لا أتنكر للماضي لأكون متطورا، والتجديد هو التمسك بالماضي والأخذ من حسنات الحاضر.

خالد ونفيس

وقال عنه الكاتب سليمان الفهد عقب رحيله: " خسارة الوطن لفنان بحجم وثقل الفنان المسرحي التلفزيوني خالد النفيسي لا يمكن تعويضها بسهولة ويسر، فسوف تمر أعوام، وربما عقود، قبل أن يجود الزمان بفنان يضاهيه ويماثله فنا وإبداعا، وتميزاً، إنه (خالد) و(نفيس)، خالد الذكر في ذاكرة المريدين الذين تابعوا أعماله، واستجابوا لها بالبسمة والضحكة والإعجاب والاستحسان، فضلا عن أنه فنان ممثل "نفيس" يشخص الأدوار بأسلوب السهل الممتنع الذي ينفذ إلى عقول المشاهدين وقلوبهم من دون استئذان، صحيح أن المولى سبحانه لم ينعم عليه بالذرية لكن "بوصالح" والد للعديد من الأطفال اليتامي "في الكويت" وفي لبنان والمملكة المغربية" اللذين قطنهما خلال السنوات العشرين الأخيرة في حياته، لست ناقدا فنيا متخصصا- لسوء حظي - كي احلل مسيرته الفنية الثرية المتنعة عبر شاشة التلفزيون وخشبة المسرح، حسبي هنا الكتابة عنه بمداد الحب له فنانا وإنسانا، ومن هذا المنطلق اراه كوميديا تدب على المسرح، وأرض الحياة اليومية، وكأن السخرية الضاحكة تجري مجرى الدم في شرايينه، وهو ينتمي إلى الجيل الثاني من الرواد الموهوبين الذين اثروا ذاكرة المشاهدين بالعديد من المسرحيات والمسلسلات الإذاعية والتلفزيونية، التي مازال الناس يذكرونها ويتابعونها، حين يعرضها التلفزيون بين حين وآخر.

أما الكاتب عبدالعزيز السريع، فقد قال عن النفيسي: "هو قائد مدرسة التمثيل الكويتية ومدرب الإلقاء الأول للمفردة الكويتية، وعندما أعود بالذاكرة إلى عروض المسرح الشعبي القديم واساليب أداء الرعيل الأول من هواة المسرح الكبار، مجموعة النشمي، إن جاز التعبير، واعتمادهم المبالغة في الحركة ورفع الصوت والتشخيص على الطريقة القديمة- فقد كان خالد النفيسي أولاً وأقرانه ثانيا، عندما حققوا هذه القفزة في أسلوب الأداء وطوروه بذكائهم وفطنتهم وسليقتهم الأصلية.

لقد تميز خالد النفيسي بحبه لفن التمثيل وغرامه بالشخصية الشعبية الكويتية ذات الاصول الندية فأتقن أداءها ايما اتقان ولامس شغاف القلوب، رحمك الله يا ابا صالح، سيفتقد المسرح برحيلك واحدا من اعظم الممثلين وأقدرهم على الوصول إلى قاعدة جماهيرية عريضة، وهل نستطيع نسيان دوره في " عشت وشفت" أو "الكويت سنة 2000" أو "درب الزلق" أو "حرم سعادة الوزير" أو "إلى أبي وأمي مع التحية" وأعمال أخرى كثيرة لا يسعني حصرها، والعزاء الأكيد في مصابنا الجلل بفقدنا هذه القيمة الفنية العالية، أن مدرسته في الاداء التمثيلي راسخة، وقد امتدت لتشمل كل منطقة الخليج.

مشوار حافل بالإنجازات لأحد مؤسسي فرقة «المسرح العربي»

ارتبط الراحل بالعديد من الصداقات الوطيدة والعلاقات القوية فكان من المقربين إليه الفنان فؤاد الشطي الذي قال عنه: «حين تلقيت وأنا خارج البلاد النبأ الفاجع بوفاة الأخ والحبيب والصديق الأعز الفنان المبدع خالد النفيسي، ايقنت حقا أن الفقد، فقد الذين نحبهم، هو الاشد تدميراً على النفس، وفي هذه اللحظة من التمزق والألم اللذين اجتاحا كياني، قفزت إلى الذاكرة صورة هذا الصديق الكبير والحبيب، لتشدني إلى الماضي سنوات ترافقنا خلالها في العمل الفني وفي الحياة عبر فضاءات اجتماعية وإنسانية رحبة، وها هو رحيله الدرامي الآن يقطع هذا الذي كان، ولا راد لحكم الله».

ويستذكر الشطي مشوار النفيسي المرصع الإنجازات والتميز، ويقول ضمن هذا الصدد:» نصف قرن واكثر مضت على هذا الفنان المبدع في رحاب المسرح والتلفزيون، زاملته في معظمها، انقطع خلالها فترة أو فترات قصيرة لأسباب اعرفها، كما يعرفها الجميع، وكان لي شرف عودته إلى ممارسة فنه الذي يحبه من خلال أحد الأعمال التلفزيونية، ليبقى سنديانة عتيقة من سنديانات فن التمثيل في الكويت والوطن العربي ولا يزال حتى لحظة رحيله المؤلم».

لم يكن خالد النفيسي أحد المؤسسين لفرقة المسرح العربي فقط، بل كان أحد المؤسسين لحركة مسرحية كويتية واعدة ترسخت وانتشرت على المستوى الخليجي والعربي والدولي، أي مصادفة هذه أن يترجل هذا الفارس الكبير عن جواده في يوم المسرح العالمي ليؤبنه الاخوة الافاضل القائمون على دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة تأبينا رسميا».

كان خالد النفيسي مبدعا حقيقيا بكل المقاييس الفنية في المسرح كما في التلفزيون والاذاعة ايضا خبر فن التمثيل واتقن تسخير مفاتيحه، فكانت لذلك ادواره الرائدة العديدة التي قدم من خلالها رؤيته الفنية واسهم في تعميق فهمنا للعمل الفني وكان في كل ما ابدعه اصلا اذ جعل منهجه في الوصول كفنان ممثل إلى القلوب والعقول شيئين اسلوبه الساخر وحضوره الطاغي جامعا بين سرعة البديهة وشفافية العبارة.

إلى ذلك، يسرد الفنان علي البريكي جانباً من ذكرياته مع الراحل: « التقيت خالد النفيسي عام 1962 حينما اعلنت وزارة الشؤون انذاك نيتها إنشاء مسرح حديث، وكذلك بعدما كلفت الوزارة الفنان حمد الرجيب باستدعاء الفنان زكي طليمات لوضع اللبنات الأولى للمسرح على اسس علمية، وكان هناك اختبار قدرات الفنان وتقدمت للمشاركة فالتقيت مع بعض الاخوان مثل عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج وغانم الصالح وجعفر المؤمن وآخرين، وبدأت التمارين على الالقاء يوميا على يد زكي طليمات، وخالد النفيسي كان شعلة من النشاط وكان شقيا جدا لدرجة أن زكي كان يستلطفه لشقاوته، إضافة إلى ذلك كان خالد النفيسي، وهذه معلومة جديدة، بطل الكويت للاسكواش عام 1956.

النفيسي كان قياديا بارعا وله رأي مستقل، خدم المسرح العربي من خلال مجلس الإدارة الذي كان عضوا فاعلا فيه بكل اخلاص واتقان، اشتركت في البدايات معه في المسرحيات التالية: «صقر قريش»، «ابو دلامة» و «الحجاج بن يوسف الثقفي»، وكانت من اخراج زكي طليمات وبطولته، النفيسي من مؤسسي المسرح العربي عندما انفصل عن وزارة الشؤون وأصبح فرقة اهلية ذات نفع عام، وكان عضوا فاعلا في مجلس الإدارة.

الراحل كان بطل الكويت للإسكواش عام 1956

قدّم أول تمثيلية له بعنوان «الدرس الأول والأخير» عام 1961

شارك في مسرحية «هالو دوللي» مع عبدالحسين عبدالرضا وشويكار
back to top