العاصوف

نشر في 12-06-2018
آخر تحديث 12-06-2018 | 00:00
 ناصر الظفيري كان العمل المسرحي هو الجنس الأدبي الأكثر مباشرة واستقبالا لردود فعل الجمهور. يستقبل العمل المسرحي ردة فعل مباشرة من جمهوره ويستطيع جس نبض الجمهور أثناء العرض وقبل إسدال الستار. لم تكن هذه هي الحال بالنسبة للأعمال السينمائية أو الدرامية والتي غالبا ما تتناولها مقالات الصحافة والمجلات. يتدخل في هذه الآراء النقدية في كثير من الأحيان العلاقة الشخصية بين الصحفي وأبطال العمل. وكان جس نبض الكثير من المتابعين يبدو صعبا فتقتصر الآراء على ما تتداوله مجموعات ضيقة في جلسة عابرة. الحال تلك تغيرت تماما اليوم والوضع النقدي للجمهور أصبح قريبا من تفاعل الجمهور المسرحي مع المسرحيات وإبداء الرأي مباشرة تجاه العمل والحكم عليه بالفشل أو النجاح.

اليوم وبفضل وسائل التواصل الاجتماعي يستطيع الجمهور طرح رأيه في العمل الدرامي مباشرة بعد نهاية الحلقة. ودون شك تتباين الآراء أحيانا بين مشجع للعمل ومعارض له ولكن المحصلة النهائية التي يخرج بها الممثل أو المؤلف هي مجموع الآراء ودلالتها. هذا الرأي الجماهيري ليس بالضرورة رأيا نقديا مبنيا على منهج علمي أو أكاديمي، ولكن الحقيقة هي أن الأعمال المقدمة لا ترقى لمستوى الاختلاف في الرأي بين العام والمتخصص. فجاءت أغلبها سطحية الطرح عانت نصوصها من عثرات يبدو من الصعب جبرها. ميزة هذه الردود التي يتداولها المتابعون هي وضع العمل في حجمه الطبيعي فلا يسمح لأصحاب المصالح النقدية أن يروا فيه عبقرية لا نراها.

العاصوف هو أحد الأعمال التي توقعنا لها مكانا مهما بين مجمل الأعمال التي قدمت هذا العام. وكانت فكرة النص التي قدمها المؤلف في تناولها حقبة مهمة من حياة الحارة السعودية في الرياض فكرة توحي بتقديم نص عميق وسابق دراميا لغيره. لكن الحقيقة أن النص بدا مهلهلا لم ينجح في تقديم خط درامي واضح ومنطقي. أدخلت فيه الكثير من الأغنيات ورقصات الأعراس في محاولة لرتق الزمن المطلوب عنوة. حاول النص تقديم الحياة السياسية في تلك المرحلة بطريقة سريعة كانت عبـئا على الحياة الاجتماعية، ولم تتداخل الأولى بالثانية أو تؤثر على سير الأحداث فيها. الموجة التي صاحبت العمل من ردود أفعال كانت تعترض على نقطة واحدة وهي عدم مطابقة الحياة الاجتماعية في تلك الحقبة لما يطرحه المسلسل.

الذي لا يدركه الجمهور وبعض النقاد أن العمل الفني سواء كان مسرحا أو رواية أو دراما تلفزيونية ليس محاولة لتطابق هذا العمل وأحداثه مع الواقع الذي يناقشه. هناك دائما مساحة من الخيال يعمل عليها المؤلف لإنجاح العمل وهي مساحة لا يسمح بها الواقع. الهجوم الذي صاحب العمل هو محاولة تنقية الماضي من الشوائب وتبييض صفحته لمجرد أنه يتناول حياة الآباء والأجداد. هذه اليوتوبيا والمثالية في الطرح هي تشويه للحياة البشرية سواء كانت في مدينة عربية محافظة أو مدينة غربية متحررة. لم يخلق على هذه الأرض منذ سقوط آدم وحواء عليها حتى اليوم مجتمع فاضل ونقي لا تشوبه شائبة. ومحاولة تصوير أي مدينة بشرية بهذه الصورة النموذجية هي محاولة تشويه حقيقة ما هو بشري.

بطبيعة الحال يتابع المؤلف والممثل آراء الجمهور في وسائل التواصل الاجتماعي ويعرف جيدا المستوى الذي قدمه. ذلك لا ينطبق على العاصوف والقائمين عليه وإنما على مجموعة الأعمال المقدمة والتي غلب عليها السذاجة والبذاءة أحيانا. وهذه إحدى فوائد الشبكة العنكبوتية التي قاربت بين العمل الدرامي والمسرحي.

back to top