حنين الصايغ: كتابة الشعر نوع من المقاومة والمكافحة وقصائدي تُعنى بقضايا الإنسان الداخلية

نشر في 12-06-2018
آخر تحديث 12-06-2018 | 00:01
فازت الشاعرة اللبنانية حنين الصايغ بجائزة ناجي نعمان للإبداع لعام 2018 عن ديوانها الجديد قيد النّشر بعنوان {روح قديمة} الذي يصدرُ عن {دارِ فضاءات} في الأردن، وهو يسير على خط ديوانها الأول {فليكن} نفسه، ويتضمن مجموعة من القصائد تتحدث بلغة القلب والوجدان وتواكب تجربة الشاعرة ورؤيتها التي عملت على إنضاجها من خلال اكتسابها أبعاداً فكرية وثقافية، راكمتها عبر مسيرتها الأكاديمية كأستاذة في الجامعة الأميركية في بيروت وعبر تعمقها فيما يجري حولها من شؤون وقضايا قاربتها بواقعيتها وعبرت عنها بكليتها وبحرية في الطرح من دون أن تغرق في التفاصيل التي تفقد القصيدة شموليتها.
دأبت حنين الصايغ على نشر قصائدها في وسائل إعلام لبنانية وعربية لا لشيء إلا لأنها مرآة تعكس صدى ما يعتمل في النفس اليوم من تساؤلات حول ماهية الكون والإنسان في عصر باتت فيه الكلمة الفصل للتكنولوجيا التي أفقدت الحضور الإنساني الكثير من خصوصياته.

نلتِ أخيراً جائزةَ ناجي نعمان للإبداع، كيف تحددينَ الإبداعَ اليوم في عالم التواصلِ الاجتماعيّ؟

يبقى الإبداع إبداعاً بمعزلٍ عن الوسط الذي يظهر فيه هذا الإبداع، ولأنني أؤمن بأنّ الإبداع حالة داخلية خالصة، لا أظن أنّ مواقعَ التواصلِ الاجتماعيّ تعزّزُه، بيدَ أنّها تساهمُ في انتشارهِ. ساهمَ الفضاءُ الإلكتروني في مساعدةِ الشّعراء على الانتشار، ولكنه في الوقت ذاته تسبّب في فيضٍ من الأقلام غير المؤهّلةِ لكتابةِ الشِعر، وبالتالي صُبِغَ الشِّعر الحديث بصبغةِ الابتذال، وإنْ كانَ يصعبُ عليّ قول هذا.

برأيكِ هل اختلفتْ رسالةُ المبدع عمّا كانت عليهِ من قبل؟

لطالما كانت رسالةُ الإبداع مرتكزةً على تجاوزِ الواقع واختراقِ المظهرِ السطحيّ للأمورِ والعلاقاتِ والأفكار، والسموِّ بها إلى عالمٍ مستقلٍّ أكثر جمالاً وتعاطفاً وروحانية. ولكن اليوم أصبحَ المبدعُ أمامَ مسؤوليٍة أكبر، إذ إنّ التنافس الذي تعزّزهُ وسائل التواصل الاجتماعي يجعلُ الأدباءَ في حاجةٍ دائمةٍ إلى الإنتاجِ والنّشر وإثباتِ الحضور. هذهِ النزعةُ تتنافى مع طبيعة الإبداع الداخليّة التي تتطلبُ نضجاً في المشاعرِ والتجربة قبلَ الجري إلى الحاسوب لنشرِ الحالة الشعورية بعدَ توثيقها، على المبدعِ أن يكونَ صاحب رؤية، وألا يحيدَ عن رسالتهِ وأهدافهِ مهما كانت المغريات، والأهمّ ألا يتمكن منهُ حبُّ الظهور، لأنه سيصبح مُلكاً لأحكامِ وأهواءِ الآخرين لا لقلمِه.

ديوانك الأول في عنوان «فليكن»، هل يدلُّ العنوان إلى الاستسلامِ أم التحدّي؟

في المقطعِ الأخير من نص «فليكن» في الديوان الصادر عن {الدار العربية للعلوم ناشرون} أقول: 

« في صقيع المساءات أتحسس أطراف الحلم الخدرة

أسحب غطاء الواقع لاحتوائه

أقبّلُ احتضاره

وأتمنى له أن نصبح على عدم

فليكن 

ما دمنا لن نكون»

من يقرأ الديوان يعلمُ أنّ «فليكن» هي مفردة ترمزُ إلى أعلى درجات التحدي والإصرار على البقاء وتحقيق الغاية القصوى والأسمى من الوجود. المستسلمون لا يكتبون الشعر. كتابةُ الشعر هي نوعٌ من المقاومة والمكافحة. 

بين العقل والقلب

يبدو من القصائد الواردة في الديوان أنّكِ تحاولين إقامة توازنٍ بين العقلِ والقلب، فهل هذا التوازن هو المساحة التي تخوِّلكِ طرحَ القضايا بحرية؟

ربما أكون من الأشخاص الأقلاء الذين لا يعانونَ هذا الانفصال بينَ العقلِ والقلب، بل إني أجدهما على وفاقٍ ووئامٍ تامّين. ليسَ في نصّي صراعات داخليّة ولا خارجيّة، هي مجرّدُ محاولاتٍ للسموِّ بالألمِ وجعلهِ مادةً أوليةً لصناعةِ التعاطُف والجمال. أمّا الحرية فهي المدخلُ الوحيدُ إلى عالم الأدب، إذ إنّ كلّ من يلجُ الشعر وهو مكبّلٌ بأيّ شيءٍ لن يضيفَ إلى الشّعر شيئاً. أشبّه الحرية بالأجنحة، وكتابة الشعر بالطيران، «لا طيرانَ من دونِ أجنحة». 

تجمعينَ في شخصيتكِ ثقافاتٍ متنوعة، كيف تجلّت في شِعرك؟

ولدتُ وترعرعتُ في معصريتي وهي قريةٍ صغيرة في قضاء عاليه في جبل لبنان. نشأتي في حضنِ الطبيعة كان لها أثر واضح في كتاباتي وروحانيتي، وكذلك رؤيتي للعالم وقضاياه. أعتبر أنّ هذا هو العامل الأهمّ الذي انتقل من نشأتي إلى كتاباتي.

تعبّرين في قصائدكِ عن كل ما يتفاعل من حولك، هل يمكنُ للشّعرِ أن يكون موضوعياً في مقاربة القضايا أم ينحو نحو الشخصانية؟

بصفتي أكاديمية وباحثة أيضاً، أدركُ أن الشّعرَ موضوعيٌّ بامتياز، فهو إبحارٌ حرٌّ من دونِ معايير وقواعد في مشاعر وأفكار كاتبه. الجمال، الفرح، المعاناة، الموت، والقضايا الأخرى كلها مواضيع تصل إلى القارئ من وجهة نظر الشاعر، هذا إن كنّا نتكلّم عن شاعرٍ حرّ، يعي مسؤوليةَ أن يحملَ هذا اللقب.

تجربة وجودية

تطرح قصائدك أسئلة وجودية أقرب إلى الفلسفة وتنطلق في أبعاد تغوص في التجربة الإنسانية، فهل يمكن القول إن شِعرك أقرب إلى العقلانية؟

أكرر، الشعر وحدةٌ متكاملة. لا يعملُ فيها جزءٌ من الإنسان ويتوقف آخر، هي أشبه بالنّارِ التي تصهرُ كلَّ شيء، من ماضٍ وحاضرٍ وتجارب وانكسارات وقناعات ووجدانيات، لتُخرجها بقالبٍ اسمه قصيدة. إنْ كانَ للشاعر ترفُ اختيارِ مصدر قصيدتهِ «إن كانت قلبية أو عقلية» لا أظنّ أنه يكون قد وصل إلى سلطانِ الشعر الذي يُخضع كل ما فينا لقصيدة واحدة. 

أين موقع الحلم في شعرك؟

حالمةٌ أنا، بيدَ أنَّ قصائدي تنتمي إلى شخصي وقلبي وتجربتي. لا أستعيرُ من القطنِ الورديّ للأحلام كي أنسجَ قصائدي، بل أفضّل أن أكتبها بدمي.

المشاعر، المرأة، الأرض، الوطن... كيف تقاربينها في شعرك؟

أؤمن بوحدة الكون والمخلوقات وأن روحاً كونيةً واحدةً وعادلة تسري بالبشر والأشجار وجميع الكائنات، وتذكرهُم بالحبّ والنّقاء وكلّ ما يستحقُّ أن نحيا لأجله. لم أكتب عن الوطن إذ إن جميع كتاباتي تُعنى بقضايا الإنسان الداخلية، فقلبُ الفردِ هو وطنُه الأول، ما لم يكن بسلامٍ هناك لن يكونَ بسلامٍ أنى ذهب..

متى بدأت علاقتكِ بالشعر؟

بدأتُ الكتابة في أول العشرينات، منذ عشر سنوات تقريباً، ولكني لم آخذ موهبتي على محمل الجد. كتبتُ مخطوطين لم أنشر أياً منهما. وعندما نضجت تجربتي الشعرية وشعرتُ بأنّه أصبح لي صوت ينسجم مع السمفونية الشعرية والروح الحقيقية للكون نشرت ديواني الأول «فليكُن».

صور رمزية

تتميز قصائد الشاعرة حنين الصايغ بصور شعرية أقرب إلى الرمزية وغير المألوف، حول الهدف من اعتماد هذا النوع من التعبير توضح: «الرمزية هي العارض الجانبيّ للتعمّق في الشِّعر وليست غاية في حدِّ ذاتها. أحيانا نُرغِم الكلامَ على قول ما لا يفَسّر، وحتى نجعل هذا ممكنا نلجأ إلى تراكيب غيرَ مألوفةٍ في اللّغةِ المتداولة، تتجلى لنا في لحظات تدفّقٍ شعريٍّ داخلي، لا يُترجم إلا بذاتِ الفيض والدهشة اللذينِ ولد بهما».

تضيف: «الأهم أن يبقى الشاعر وفياً لحريةِ تدفق هذه الصور الرمزية، وألا يصبحَ همّهُ إنتاجَ هذهِ الصور عنوة، لأنها ستبدو مصطنعة، وسيفقد مصداقيته الشعريّة».

الفضاءُ الإلكتروني صبغ الشِّعر الحديث بصبغة الابتذال
back to top