سليمان الياسين: الانقسام العربي انعكس على المسرح السياسي (3-4)

نشر في 01-06-2018
آخر تحديث 01-06-2018 | 00:00
يرى الفنان القدير سليمان الياسين أن المسرح السياسي فقد تأثيره نتيجة الفرقة التي ضربت أوصال الوطن العربي، مؤكداً أن قيمة الأعمال السياسية قوامها تبني نهج يسير عليه الكاتب، ويجب أن يعبر هذا النهج عن الوطن والأمة بشكل عام، وألا ينحاز إلى فكرة أو طائفة أو عرق أو قبيلة.

وشدد الياسين، في حواره مع "الجريدة"، على ضرورة ابتعاد الفنان عن تقييم زميله، وأن يترك هذه المهمة للناقد، أما إذا أراد الفنان تقديم النصح فعليه أن يفعل ذلك على المستوى الشخصي بعيداً عن المنابر الإعلامية.

وقال الفنان المخضرم إنه تربى وتتلمذ على أيدي أناس غرسوا في داخله أهمية أن يقدم شيئاً ذا قيمة، وأن يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه الجمهور.

واستعرض الياسين الفارق في المحتوى بين تجربتين دراميتين في مشواره الفني هما "بين عصرين" و"بين قلبين"، وعرج إلى مشاركته في الجزء الثالث من مسلسل "إلى أبي وأمي مع التحية" الذي لم يرَ النور إلى الآن... وفيما يلي التفاصيل:

• هل افتقدنا حالياً المسرح السياسي؟

- نعم، لأننا قديما كان همنا واحدا، وكانت السياسة تشغل حيزا كبيرا من اهتمامات الجمهور، لكن حاليا الفرقة بين الدول العربية أصبحت كبيرة، مما وضع القائمين على الفن في مأزق، فما التوجه الذي سيتبناه الكاتب أو المخرج او الممثل، فالتوجهات حاليا غير واضحة المعالم، وغير معروف، أهذه السياسة لتلك الدولة مثلا من أجل الوطن والشعب ام من اجل الاشخاص؟ لقد افتقدنا الفلسفة الاجتماعية والسياسية التي ترتبط بلحمة هذه الأوطان التي كنا نراها وحدة عالم عربي، للأسف أصبحت عوالم في الوقت الذي تنتمي فيه أوروبا لبعضها نحن نفترق عن بعضنا، لذلك فإن تبني عمل لمنهج أصبح أمرا صعبا على الكاتب لأنه ليس هناك رؤية سياسية واضحة.

• لذلك تعتبر الكتابة السياسية هي الأصعب.

- لأن كتابة العمل السياسي تحتاج إلى توجه، واليوم إلى من تتوجه في ظل ضياع البوصلة وانتفاء الحس الوطني العربي، إذ أصبح كل شخص ينتمي إلى فكرة مختلفة، وتعددت الافكار والإنتماءات، قديما كان هناك فقط نهجان شرقي وغربي، ولذلك تباينت الأعمال وما تحمله من طروحات سياسية بعضها يميل للشرق والآخر للغرب، أما الآن في ظل الفرقة فلا سبيل لتقديم عمل واضح المعالم، وعلى العكس تماما أوروبا حاليا فهي تظلها سماء واحدة، لذلك لم يعد هناك حاجة لمسرح سياسي يعبر عنهم، وخصوصا أن البرلمانات تعبر عن الشعوب وتوجهاتها، ولكننا نحن عن اي شعوب او مواطنين نتحدث؟ في الوطن الواحد ليس لدينا مواطن ينتمي لوطنه فقط، وإنما ستجد لديه اما انتماءات خارجية او قبلية او عرقية او عقائدية، لذلك اصبح مفهوم الوطن مفقودا، وبالتالي المسرح السياسي إذا أراد التطرق لأي شيء فسيتبنى أحد هذه التوجهات، وإذا حدث ذلك فإنه لن يعبر عن الأمة والوطن، ولذلك أصبح الكاتب المسرحي في حيرة لمن ينتمي! فإذا أعلن ولاءه لبيئته الخاصة سواء الطائفة أو العرق أو القبلية يكون بذلك لا يعبر عن الوطن، ولذلك سيكون أداة تفريق وليس لم الشمل.

مواقع التواصل

• إلى أي مدى أثّرت "السوشيال ميديا" على شكل الحياة حالياً؟

- هناك إشكالية كبيرة، فمواقع التواصل الاجتماعي جعلت الناس لا تعرف مَن هي وماذا تريد، وتسببت العولمة في ضياع هوية الشعوب حتى في المأكل والملبس اللذين كانا يعبران عن ثقافة المجتمعات وإرثها وتراثها.

• أصبحت أكثر قرباً للمسرح النوعي من نظيره الجماهيري.. هل ذلك لعدم قناعة مما يقدم في الثاني؟

- المسرح الجماهيري يأتي على قائمة اهتماماتي، لكن إذا كان المسرح الجماهيري لا يحمل بين طياته فكرا نوعيا فماذا اقدم إذا للجماهير، هل أكتفي بالوقوف على خشبة المسرح ليشاهدوني؟ بالطبع لا، يجب أن تكون هناك نوعية من الأعمال ذات القيمة ليشعر المشاهد أنه استثمر وقته بالشكل الصحيح ولم يهدر بضع ساعات من عمره ليشاهد لا شيء... أو مراجيح العيد أو سيركا، هذا ليس دور الفنان، مع احترامي بالطبع لفن السيرك، ولقد تربيت وتتلمذت على أيدي أناس غرسوا في داخلي أهمية أن قدم شيئاً ذا قيمة، وأن أحاسب نفسي قبل أن يحاسبني الجمهور.

واقع الدراما

• لماذا لم يرَ الجزء الأخير من مسلسل "إلى أبي وأمي مع التحية" النور حتى الآن؟

- سعدت بالمشاركة في هذا الجزء، لاسيما أنه يحمل قضايا اجتماعية وأسرية مهمة، وهو من المسلسلات التي يجب أن تحصل على فرصة لعرضها، ولا أعرف حتى الآن لماذا لم يرَ النور، وخصوصا أنه من التجارب التي أعتز بها كثيرا.

• كيف ترى واقع الدراما المحلية حالياً؟

- هناك أعمال ذات قيمة وتعبر عن المجتمع الكويتي، وهناك أعمال أخرى أقل في القيمة والمضمون ولا تعكس الواقع، وخصوصا أن هناك قضايا يجب أن تجد طريقها للطرح دراميا.

• هناك من ينتقد الاستعانة بكتاب غير كويتيين ولا يعبرون عن واقع المجتمع.

- لا أتفق مع هذا الرأي، فإذا كان الكاتب يعيش في بيئة ويعرف عاداتها وتقاليدها فسيستطيع التعبير عنها، ولكن اذا اردنا ان نلقي باللوم على عمل لا يعبر عن واقع المجتمع فإن ذلك يتحمله المنتج الذي يجب عليه أن يقيم أي نص قبل أن يتبناه وينتجه، ولذلك يجب ألا نحمل الكاتب المسؤولية، فهناك جهة إنتاج ومن ثم ناقد يقيم ما يعرض ويحكم عليه، ومن حقه ان يبدي رأيه فيما يعرض من منطلق اكاديمي.

التخصص الفني

• هل أنت مع التخصص في العمل الفني؟

- نعم، ودائما أؤكد ضرورة أن يقوم كل شخص بالمهمة المنوط بها، فالناقد دوره ناقد، والفنان دوره فنان، وإذا اراد ان يقيم عملا يكون ذلك بينه وبين زميله، وليس على الملأ، فالفنان ليس بناقد، يتحدث في العموم، ولكن أن يقيم مسلسل بعينه فهذا دور الناقد، وأستغرب من محاولات بعض الصحافيين استطلاع آراء الممثلين في أعمال غيرهم، مما يدخلنا في متاهة من الجدل المتواصل الذي لا فائدة منه، كما أستغرب تقييم بعض الفنانين لزملائهم.

• "بين قلبين" و"بين عصرين" نمطان مختلفان درامياً؟

- مسلسل "بين عصرين" إنتاج عام 2008، وهو عمل توثيقي لحقبة زمنية، وشاركت الكاتب إسماعيل فهد إسماعيل كتابة السيناريو، ولأنه ينطوي على احداث سياسية لفترة زمنية لم يأخذ حقه من العرض للاسف، وفي بعض الاحيان تبتعد المحطات عن اعمال لحسابات، إنما كمسلسل درامي أعتقد انه يحاكي فترة زمنية يجب أن يتعرف عليها المشاهد، وهذا امر معمول به في جميع دول العالم، ولكن في الوطن العربي ندفن رؤوسنا في الرمال، أما "بين قلبين" فهو إنتاج عام 2013، وهو مسلسل اجتماعي أسري يختلف تماما في أحداثه، والمساحة بين المسلسلين على مستوى الطرح تؤكد أن التنوع هو الهدف الذي أسعى له من ناحية التناول.

أب عطوف يتحمل مسؤولية تربية ابنته في «بين قلبين»

مسلسل «بين قلبين» مأخوذ عن رواية تحمل الاسم نفسه، للكاتبة علياء الكاظمي، وأخرجه سائد الهواري، وشارك الياسين بطولة العمل مجموعة من النجوم الشباب، منهم صمود، عبدالله بوشهري، نور الغندور، عبدالله الطليحي.

وقال الفنان القدير عن هذه التجربة: «العمل مع الشباب الجادين المجتهدين أمر رائع جدا، ومنهم عبدالله بوشهري وصمود، ومن دون تقصير من بقية المشاركين».

وجسد الياسين، من خلال الأحداث، شخصية الأب العطوف الذي يتولى تربية ابنته (صمود)، ويتفانى في رعايتها بمفرده، بعدما انفصل عن والدتها، ولا يسعه إلا أن يتحمل مسؤولياتها، ويحاول أن يدعمها في ظل التحديات التي تواجههما معا والصعاب التي تمر بها.

الإنتاج معادلة صعبة تحتاج إلى وقت وجمهور

أكد الفنان سليمان الياسين أن العملية الإنتاجية معادلة صعبة تحتاج إلى طرفين، هما الوقت والجمهور، موضحا أن «المنتج يبحث عن الوقت المناسب للجمهور لعرض اعماله، حتى يستقطب نسبة عالية من المشاهدين».

وأضاف: «أعتقد أن لكل زمن قياساته ولكل حقبة زمنية قياساتها، حتى الممثل عندما يشارك في كم من الأعمال في موسم معين، عليه أن يتوقف ويرتاح كي لا يدخل في دائرة التكرار، لذلك فإن فترات الراحة هي خيار إجباري للفنان حتى يستعيد لياقته الذهنية، ويكون قادرا على تقييم ما يعرض عليه، واختيار ما يناسبه من أعمال».

لغز مسلسل «إلى أبي وأمي مع التحية»

في عام 2014، أعلن فريق عمل مسلسل «إلى أبي وأمي مع التحية» انتهاء تصوير الجزء الجديد الذي يعود بعد سنوات من نجاح الجزأين الاول والثاني، وخصوصا أنهما قدما العديد من القيم الإيجابية، ورغم كل مرور سنوات فإن الجزء الثالث من العمل لم ير النور إلى الآن، وهو الأمر الذي شكل لغزا عند فريق العمل قبل الجمهور.

والجزء الثالث من المسلسل تأليف عواطف البدر، وإخراج رمضان علي، وبطولة عبدالرحمن العقل وزهرة عرفات وأسمهان توفيق ولطيفة المجرن وسليمان الياسين وناصر كرماني وهبة الدري وعبدالله بهمن وشيماء علي وريما الفضالة وغدير صفر.

يُذكر أنّ مسلسل «أبي وأمي مع التحية»، عُرض الجزء الأول والثاني منه عامي 1979 و1982، وهو من بطولة خالد النفيسي، وحياة الفهد، وعبدالرحمن العقل، وهدى حسين، وبدر المسباح، وسحر حسين، وأسمهان توفيق، ومنصور المنصور، وفيحان العربيد، وإخراج حمدي فريد.

«الإمام الشافعي»... دراما تاريخية عبر الأثير في رمضان

يتصدى الفنان سليمان الياسين خلال شهر رمضان الجاري لبطولة الدراما التاريخية «الإمام الشافعي» التي تبث عبر أثير البرنامج العام.

والمسلسل من بطولة الفنانين أحمد مساعد، وجمال الردهان، وعبير الجندي، ود. فهد العبدالمحسن، وسماح، ومحمد العلوي، إلى جانب مجموعة من الفنانين الشباب، ومن تأليف الكاتب المصري السيد عامر، وإخراج يوسف الحشاش.

وحول هذه التجربة، قال الياسين: «أجسد شخصية الإمام الشافعي، وهو من الشخصيات المؤثرة في التاريخ، ودوري من الأدوار التي يسعد بتجسيدها أي فنان، لاسيما أنه ينطوي على أبعاد كثيرة، وتاريخه حافل بالعطاء والمفارقات وإثراء الحركة الاجتماعية والدينية، وآثاره ما تزال ماثلة أمامنا، لذلك فإن تقديم شخصية من هذا القبيل إضافة لأي فنان».

تتلمذت على أيدي أناس علموني أن أحاسب نفسي قبل أن يحاسبني الجمهور

إذا كان الكاتب يعيش في بيئة ويعرف عاداتها وتقاليدها فسيستطيع التعبير عنها

يجب أن يحمل المسرح الجماهيري بين طياته الحس النوعي حتى لا يهدر الجمهور وقته في مشاهدة لا شيء

ليس دور الفنان تقييم مسلسل أو انتقاده على الملأ فهذا دور الناقد الذي يتحدث من منطلق أكاديمي
back to top