أرجوحة: (33) فهل نتدبر؟!

نشر في 25-05-2018
آخر تحديث 25-05-2018 | 00:09
 د. مناور بيان الراجحي يمثل اليوم الجمعة الخامس والعشرون من مايو الذكرى الثالثة والثلاثين لمحاولة اغتيال أمير القلوب الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله وطيب ثراه، سنوات عديدة مرت لن تُنسى أبداً، فمن عاصر الحادث يعلم أنه لم يكن حادثاً عادياً للكثير من الظروف والملابسات التي كانت تمر بالمنطقة بشكل خاص والكويت بشكل عام، وهو ما يفرض ضرورة التوقف والتدبر في هذا الحادث مراراً وتكراراً للتعلم من دروسه والإفادة من ملابساته، فالتاريخ وأحداثه هما المعلم الأول لمن أراد أن يفهم ويتدبر، وكما تقول الحكمة "الذين أرادوا أن يمارسوا السياسة ولم يقرؤوا التاريخ كتب عليهم أن يعيشوا أطفالاً".

لحظات توقفت فيها القلوب مع انتشار الخبر في المجتمع الكويتي، والناس تتساءل بقلق وخوف ما الذي حدث؟! وما حال أميرنا ووالدنا؟! وما كان للأسد أن يتأخر عن الخروج وطمأنة شعبه الذي يحبه، فإذا به يطلب من التلفزيون الكويتي أن ينقل كلمته من المشفى مباشرة دون مونتاج وقص ولزق، حتى لا يتأخر عن أبنائه القلقين عليه، فكانت كلماته العظيمة "إن عمر جابر الأحمد– مهما طال الزمن- هو عمر إنسان يطول ويقصر؛ ولكن الأبقى هو عمر الكويت، والأهم هو بقاء الكويت، والأعظم هو سلامة الكويت". انتهت الرسالة ولم ينته الدرس العظيم، فها هو القائد الحكيم يوجهنا إلى الدرس المستفاد بكل وضوح وبشكل مباشر، فياليتنا في صراعاتنا الهشة واختلافاتنا السياسية المضحكة المبكية أن نضع نصب أعيننا أن الكويت هي الباقية، وأن مصالحنا الضيقة والضئيلة مهما تعاظمت في أعيننا فإنها زائلة ولا قيمة لها، فاعتبروا يا أولي القلوب والأبصار لعلكم تفلحون.

ما السبب وراء هذا الإصرار على الخروج السريع والعاجل للأب جابر لطمأنة شعبه، وطلبه من التلفزيون الكويتي سرعة البث من المستشفى دون تأخير أو تباطؤ، إنها الرسالة والعبرة الثانية، في تحمل المسؤولية، وتفهم الموقف، والشجاعة في مواجهة المواقف والأزمات غير العادية، فها هو الأب جابر، يرسل رسالةً للداخل والخارج على ثباث الكويت وقوتها وإصرارها على مواقفها الحيادية والإيجابية تجاه قضايا المنطقة، وها هو أميرها يخرج ليعلن أنه ما كان للحادث أن يثنينا عن مواقفنا ويردنا عن عزمنا ويعيدنا عن مبادئنا وأفكارنا، فالأزمات إما أن تنهيك وتكسرك، وإما أن تزيدك قوةً وعزماً وتحدياً وشجاعة وصموداً، وهو ما ظهر جلياً في سرعة رد الفعل والرسالة العاجلة من أمير القلوب، وهو درس على المستوى الإنساني جنباً الى جنب مع كونه درساً على المستوى القيادي والسياسي، فالإنسان بعد تعرضه للاغتيال يكون عرضةً لهزة نفسية قد تجعله ينأى عن الظهور أمام الناس، بالإضافة الى مشاعر الخوف والارتباك، فما بالك بهذه المحاولة الخبيثة الدنيئة لمحاولة اغتيال رمز البلاد، التي شوهدت فيها السيارات متفحمة، ولكن الأمير القائد كان على العكس من ذلك، فما زاده الموقف إلا إيمانا وثباتاً وقوة في مواجهة محاولة الاغتيال الدنيئة.

الدرس الثالث أعتقد أنه أصبح واضحاً جلياً، فالكويت على مدار تاريخها تتعرض للكثير من المخاطر والمكائد والتحديات والأزمات؛ ولكن الأساس هو وحدة شعبها وقوته والتفافه حول قيادته، وثبات مواقفه ومبادئه، فهو شعب مسالم محب للسلام، مدافع عن القضايا العربية والإسلامية في كل وقت وفي كل حين، هذه هي هويتنا الكويتية التي تميزنا على هذه المعمورة، هذه هي هويتنا الكويتية التي جعلت الأب جابر الأحمد أميراً للقلوب، وجعلت الأب صباح الأحمد أميراً للإنسانية، تجسيداً للهوية والرسالة الكويتية في السلام والخير وثبات المبادئ في القضايا المحورية على طول الزمن.

ثلاثةٌ وثلاثون عاماً مرت على محاولة اغتيال أمير القلوب، وما زالت الكويت باقية بعزها وشموخها منارةً مضيئةً بين الدول، ومازال جابر الأحمد، رحمه الله وغفر ذنبه، أميراً لقلوب كل الكويتيين والعرب، حفظ الله الكويت وأهلها وأميرها من كل سوء، وأدام الله علينا نعمة الأمن والاستقرار، ودامت الكويت عزيزةً أبيةً بين الدول.

إننا نمر بذكرى الحادث الأليم في حين مبرة جابر الأحمد تطعم هذه الأيام الفقراء في مائدة إفطار الصائم في أنحاء تونس، ربي اغفر لأمير القلوب، وتقبل منه هذا العمل.

أرجوحة أخيرة:

بعد كل الذي مررنا به ما زالت الأنانية والتكبر وزيف الولاء تسيطر علينا، فكم نحن ضعفاء؟ الله المستعان!

back to top