سكت الكلام... ونطق السكين!

نشر في 25-05-2018
آخر تحديث 25-05-2018 | 00:00
No Image Caption
جلست راضية في صالة شقتها والدماء تغلي في عروقها. كانت ملامح الزوجة الشابة تنطق بالغضب والحنق من حياتها البائسة مع زوجها مدحت، الموظف البسيط الذي فشل في إسعادها طوال 15 عاماً.
تذكرت راضية الأحلام الوردية التي رسمها لها زوجها قبل الزواج. والقصور التي بناها لها في الهواء أيام الخطوبة والوعود التي لم يتحقق منها أمر عن مستقبلهما معاً. وزاد غضب الزوجة الحزينة عندما مرّ برأسها شريط الذكريات المرير وانسابت الدموع الساخنة على وجنتيها وهي تستعيد تفاصيل الخدعة الكبرى التي عاشتها في كنف زوج قليل الحيلة لا يملك من حطام الدنيا سوى راتب ضئيل لا يكفي احتياجاتها واحتياجات ابنتهما الوحيدة منى التي أتمت الرابعة عشرة من عمرها.

لم يقطع شريط الذكريات الحزين سوى كلمات الابنة الوحيدة التي اقتربت من والدتها تسألها عن سر بكائها. مسحت الأم الباكية دموعها واحتضنت ابنتها الصغيرة منى برفق قائلة:

- ولا حاجة يا حبيبتي أدخلي انتِ كملي مذاكرتك.

رفضت الابنة الصغيرة الانصياع لأوامر والدتها وزادت من إلحاحها لمعرفة سر أحزان أمها، فما كان من راضية إلا أن صرخت في وجه صغيرتها تنهرها بشدة فانطلقت منى والرعب يملأ قلبها إلى غرفتها تبكي هي أيضاً.

أفضل وسيلة

كانت عقارب الساعة تشير إلى الرابعة عصراً! تأخر الزوج في العودة إلى منزله مما زاد من ثورة زوجته التي اتخذت قرارها بالتشاجر معه بمجرد وصوله. كانت راضية ترى أن التشاجر مع زوجها كل يوم أفضل وسيلة للانتقام من إهماله لها وخداعه القديم الذي لم يسفر عن أي تغيير في حياتهما. ولكن في هذه الأثناء انفتح باب الشقة ودخل مدحت وعلامات الفزع ترتسم على وجهه!

خزانة الملابس

قفزت الزوجة من مكانها لتبدأ التشاجر مع زوجها. ولكن مدحت لم يمهلها. أسرع إلى غرفة النوم حاملاً {لفة} غريبة بين يديه، انطلق الزوج المذعور يدسها داخل خزانة الملابس وطارت راضية وراء زوجها تسأله عن سر هذه {اللفة} وما تحتوي عليها... فأجابها في ارتباك واضح:

* دي فلوس. خلاص يا راضية كل مشاكلنا اتحلت!

وارتسمت علامات الدهشة على وجه الزوجة التي أسرعت تسأل زوجها:

- فلوس إيه يا مدحت؟ وبتاعت مين الفلوس دي؟

لم يرد مدحت على سؤال زوجته. ثوانٍ وسمع الزوجان قرعاً شديداً على باب الشقة، وفي ذعر شديد أمسك الزوج بيد زوجته قائلا في رعب:

أوعي تفتحي الباب ده أكيد البوليس.

وصرخت «راضية» في رعب ولطمت خديها بقوة قائلة:

يا نهار أسود انت عملت إيه؟ سرقت يا مدحت؟ ووديت نفسك في داهية؟

لم يدم المشهد طويلاً. داهم رجال الشرطة الشقة بعد كسر الباب وألقوا القبض على الأستاذ مدحت الموظف البسيط، وفتشوا خزانته الخاصة، واستخرجوا منها «اللفة» التي كانت تحتوي على مبلغ عشرة آلاف جنيه!

قفص الاتهام

داخل قفص الاتهام بكى المتهم مدحت بحرقة وقال لزوجته:

سامحيني يا راضية أنا عملت كده علشانك!

وترقرقت الدموع في عيني الزوجة الحزينة وقالت في أسى:

أنا ما طلبتش منك تسرق يا مدحت. ضيعت نفسك وضيعتني وضيعت بنتنا الوحيدة.

وجاء قرار المحكمة ليعلن معاقبة الأستاذ مدحت بالسجن ثلاث سنوات مع الشغل... واندفعت الزوجة الحزينة إلى القفص تصرخ وتقول لزوجها:

استحمل يا مدحت. اطمن عليّ وعلى بنتنا منى ح نزورك باستمرار. شدة وتزول إن شاء الله.

ورد مدحت على زوجته الباكية وهو يغادر القفص قائلاً:

خلي بالك من نفسك ومن بنتنا. 3 سنوات يفوتوا بسرعة وأخرج لكم ونحقق كل أحلامنا.

داخل الزنزانة

بعد عامين. كان مدحت يجلس ببدلة السجن الزرقاء داخل زنزانته عندما انفتح بابها وجاء صوت شاويش السجن قائلاً:

قوم يا مدحت عندك زيارة.

وطار السجين مدحت من الفرحة. احتضن الشاويش وطبع على خده قبلة وقال:

- دي أكيد مراتي. تشكر يا شاويشنا يا وش السعد.

ونهره الشويش قائلاً قى سخرية:

لا يا خويا مش مراتك. ده واحد بيقول إنه قريبك. قوم فزّ يا مسجون.

انسحبت الفرحة من على وجه مدحت. عاد إليه القلق الذي لازمه طوال الأشهر الثلاثة الماضية، خصوصاً بعدما انقطعت عنه أخبار زوجته راضية التي أحجمت عن زيارته من دون سبب. سار مدحت إلى جوار الشاويش إلى مكان الزيارة والأفكار السوداء تتلاحق في رأسه بحثاً عن سر غياب زوجته عنه. وامتناعها عن زيارته طوال الفترة الأخيرة.

راضية فين؟ حصل لها حاجة؟ منى بنتي جرى لها حاجة؟

هكذا بادر السجين مدحت قريبه الذي جاء لزيارته خلف القضبان، ونكس الزائر رأسه في الأرض ولم يرد. فعاد مدحت والقلق يفتك به يكرر سؤاله ولم يسكت إلا عندما تكلم الزائر قائلاً:

مراتك وبنتك بخير. المهم إنت خلي بالك من نفسك وربنا يعدي الأيام اللي باقية لك هنا على خير وتخرج.

كلمات صادمة

كلمات الزائر لم تحمل الطمأنينة إلى قلب السجين مدحت الذي أصرّ على معرفة سر تغيب زوجته طوال الأشهر الماضية وعدم زيارته في سجنه. ولم يجد الزائر مفراً وقال بصوت حزين:

بصراحة يا مدحت انت لازم تطلق مراتك بعد اللي عملته!

وقعت هذه الكلمات الصادمة على أذان السجين مدحت كالصاعقة... أمسك بالزائر بقوة وعنفه قائلاً:

عملت إيه... انطق مراتي مالها؟

** نظر الزائر إلى الأرض في خجل واستطرد قائلاً:

مراتك ماشية على علاقة بواحد وسيرتها بقت على كل لسان!

انهار السجين مدحت في مكانه. سقط على الأرض من الصدمة وقال بصوت مخنوق:

مين هو اسمه إيه؟

وأجاب الزائر مطأطئ الرأس:

** واحد وخلاص يا مدحت. إيه المهم في اسمه ولا هو مين؟ المهم خلي بالك انت من نفسك.

شكّ خلف الأسوار

انتهت الزيارة... ولم ينم السجين مدحت لليلة طوال الفترة التي تبقت له خلف الأسوار!

كاد الشك يفتك بالزوج. لم يصدق أن زوجته تخونه وهو من دخل السجن بسببها. كيف هانت عليها العشرة؟ والسؤال الأهم: من يكون هذا الرجل الذي سرق منه زوجته، وهدم أسرته، وأضاع ابنته؟

كانت الدماء تغلي في عروق السجين مدحت. الزوج المخدوع الذي تحول بينه وبين الانتقام لشرفه قضبان السجن والسجان!

لم يهدأ الزوج المخدوع مدحت إلا بعدما اتخذ قراراً مصيرياً سينفذه بمجرد خروجه من السجن. قرار بإعدام زوجته الخائنة التي باعته وباعت حياتهما ومستقبل ابنتهما الوحيدة منى من أجل رجل آخر. رجل لا أحد يريد أن يخبره باسمه أو هويته حتى يستطيع على أقل تقدير أن يستنتج كيف التقى بزوجته وكيف أوقعها في غرامه!

الزوج المخدوع

كان الزوج المخدوع مدحت يبحث عن إجابات عن هذه الأسئلة من دون جدوى وهو يعد الساعات والدقائق حتى يخرج لزوجته ويدمرها كما دمرته.

وأخيراً انتهت المدة... وغادر مدحت السجن.

انطلق إلى زوجته بأقصى سرعة. كانت نيران الغضب تلتهم أفكاره. في لحظة حاول أن يطرد كل الوساوس التي عاش بها الفترة الأخيرة فربما كانت زوجته راضية بريئة؟ ربما قريبه الذي أشعل النار بزيارته في السجن يحاول الإيقاع بينهما ولا يوجد في حياة زوجته غيره!

بمجرد أن وصل مدحت إلى بيته القديم طرق باب الشقة بكل قوته. فتحت له زوجته راضية الباب وتسمرت قدماها في مكانها. لم تنطق بكلمة. لم ترحب بزوجها العائد بعد غياب ثلاث سنوات. ولم يمنحها مدحت الفرصة. واجهها بعلاقتها المشينة مع الرجل الذي لوثت شرفه معه. انتظر مدحت أن تنفي زوجته هذا الاتهام... انتظر أن تدافع عن شرفها بكل قوة... انتظر أن تعنفه لأنه صدق الوشاية، لا بل فكر مجرد التفكير في أنها لا تحبه. ولكن جاء رد الزوجة قاسياً... جاء كطلقة الرصاص في كلمة واحدة:

طلقني!

تهالك الزوج مدحت إلى أقرب مقعد بعد سماعه هذه الكلمة التي كانت بمنزلة اعتراف زوجته بخيانته مع رجل آخر أثناء وجوده بالسجن!

ولم تكتف راضية بكلمتها أو رصاصتها التي أصابت قلب زوجها وإنما أضافت قائلة:

أنا ما أقدرش أعيش معاك بعد كده لأني بحبّ واحد تاني!

رصاصة أخرى قاتلة تلقاها الزوج مدحت خرجت على لسان الزوجة الخائنة، ولكن الزوج المخدوع تمالك أعصابه بمعجزة وقال في انكسار:

أنا موافق على الطلاق بس بشرط إذا تزوجتِ تبقي حكمتِ على نفسك بالإعدام.

وأضاف الزوج والشرر يتطاير من عينيه:

انتِ طالق يا راضية.

الميكانيكي

بعد انقضاء فترة العدة، طار إلى مدحت خبر زواج طليقته راضية من محمود الميكانيكي الذي يملك ورشة على ناصية الشارع الذي تقيم به طليقته.

أخيراً، عرف مدحت غريمه!

محمود الميكانيكي هو من خطف زوجته وهدم حياته.

فكر مدحت في قتل غريمه، ولكنه عدل عن هذه الفكرة لأن من يستحق القتل بحق زوجته راضية الشيطانة التي سبق أن أدخلته السجن بسبب طلباتها التي لا تنتهي، ثم خانته وهو خلف القضبان.

كان الخبر يعني تحدياً لمدحت وإرادته... لم يفكر كثيراً. استل سكينا وأخفاه بين طيات ملابسه وتوجه إلى منزل الزوجية القديم بأحد شوارع مدينة المنصورة. وقف مدحت عند نهاية الشارع زائغ العينين. لحظات وشاهد طليقته تخرج من باب العمارة. سار مدحت في اتجاهها بخطوات متثاقلة، وعندما اقترب إليها وواجهها. توقفت راضية عن السير والرعب يملأ قلبها وقبل أن تنطق بكلمة، أخرج السكين وغرسه في قلب طليقته راضية التي سقطت إزاء الجميع جثة هامدة.

المارة الذين صودف وجودهم بمكان الجريمة انخلع قلبهم من الرعب. لم يحاولوا الإمساك بالقاتل. تسمرت أقدامهم في أماكنها، وانطلق مدحت إلى قسم شرطة ثان المنصورة وسلم نفسه واعترف بجريمته إزاء النيابة التي قررت إحالته إلى محكمة الجنايات.

جنايات مصر

إزاء محكمة جنايات المنصورة التي عقدت جلساتها برئاسة المستشار محمد شعيب وعضوية المستشارين صلاح القاضي وابراهيم صقر. لم ينكر المتهم ارتكابه الجريمة... وقال:

نعم... قتلت طليقتي ولو عادت إلى الدنيا لقتلتها ألف مرة.

وصمت القاتل للحظات وقال في انكسار:

هذه الشيطانة دمرت حياتي. دفعتني بكثرة طلباتها إلى السرقة وفي السجن خانتني وأهدرت كرامتي، فكان لا بد من أن أقتلها كما قتلتني.

وفي نهاية الجلسة جاء قرار المحكمة بمعاقبة المتهم بالسجن المشدد 15 عاماً بعد استعمال الرأفة معه.

الموظف البسيط سرق 10 آلاف جنيه من أجل طلبات زوجته

رصاصة أخرى قاتلة تلقاها الزوج مدحت خرجت على لسان الزوجة الخائنة

المخدوع تحول بينه وبين الانتقام لشرفه قضبان السجن والسجان

في السجن اتخذ الزوج قرار إعدام زوجته الخائنة
back to top