الأزمة الخليجية في عامها الأول... خسائر الاقتصاد لا تقاس بالمليارات

• إنفاق لافت على التسلح وتراجع في البورصات وخفض لنمو دول المنطقة
• تسييل للأصول السيادية وتحديات للمصارف الخليجية وتراجع في التداولات العقارية

نشر في 24-05-2018
آخر تحديث 24-05-2018 | 00:05
محمد البغلي
محمد البغلي
من مظاهر سوء الأزمة الخليجية خلال عام أنها رفعت مستوى الإنفاق العسكري، فوقعت كل دولة خليجية على الأقل صفقة شراء أسلحة كبرى أغلبها مع الولايات المتحدة ليصل إجماليها وفقاً للمعلومات المتاحة إلى 40 مليار دولار.
يصادف اليوم الخميس الذكرى الأولى لبداية الأزمة الخليجية بين السعودية والإمارات والبحرين وبين قطر، بعد أن توترت العلاقات بين هذه الدول، لتصل إلى مستوى متأزم جداً وغير مسبوق في العلاقة البينية بين دول الخليج.

وهناك الكثير مما يقال عن عام عاصف في العلاقات الخليجية، جعل منظومة مجلس التعاون الخليجي في أضعف أوضاعها منذ تأسيسها قبل 37 عاما، إلا أن الحديث عن الخسائر الاقتصادية التي سببتها الأزمة، أكبر من المتوقع، فبلغت فقط على مستوى التجارة البينية بين الدول الثلاث مع قطر ما يتجاوز 9 مليارات دولار، فضلا عن تراجع توقعات نمو الاقتصادات الخليجية 0.3 في المئة إلى 1.9 في المئة في 2018، بعد أن سجلت هذه الدول انكماشا بنحو 0.2 في المئة في 2017، رغم نمو اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 2.2 في المئة في 2017، و3.2 في المئة في 2018، حسب تقرير صندوق النقد الدولي، إلى جانب تراجع أداء مختلف أسواق الأسهم الخليجية منذ اندلاع الأزمة وحتى إقفال يوم الأحد الماضي من حيث القيمة السوقية كأسواق قطر (16.3 في المئة) والبحرين (0.5 في المئة) وأبوظبي (15 في المئة) ومسقط (20 في المئة) والكويت (6.2 في المئة)، بينما لم تتحقق المكاسب إلا في سوقي السعودية (16 في المئة) ودبي (0.7 في المئة)، مما يعكس جانبا من حالة عدم الرغبة في الاستثمار بأسواق منكشفة على درجة عالية من التوتر لدول يفترض أنها تشكل حلفا واحدا مقابل التوترات الجيوسياسية في المنطقة، وإذا أخذنا بورصة الكويت كمثال فسنجد أنها سجلت، منذ بداية عام 2017 إلى بدء انطلاق الأزمة في 24 مايو الماضي، أداء من بين الأفضل عالميا على مستوى المؤشر السعري بـ18 في المئة، وعلى مستوى "الوزني" 13 في المئة، ثم عادت لتمحو كل المكاسب خلال عام الأزمة بوصفها عامل ضغط مهما على السوق، وإن لم يكن العامل الوحيد.

ضغوطات متنوعة

والضغوطات على الاقتصاد الخليجي، بسبب الأزمة في المنطقة، متنوعة، يمكن قياسها على المديين المتوسط والطويل، وتتعلق مثلا بالأصول السيادية التي تتسارع في التحول إلى سائلة لمواجهة تبعات الأزمة، كما تفعل قطر، أو ما يتعلق بالمصارف الخليجية التي تعاني أصلا صعوبة بيئة التشغيل أو حتى الجانب العقاري المرتبط في منطقة الخليج بالأمان والاستقرار، فنجد أن إمارة دبي، عاصمة التداولات العقارية في الخليج، شهد سوق العقارات المبيعة على الخرائط فيها تراجعا بنسبة 46 في المئة بالربع الأول من 2018، بينما تراجع سوق العقارات الجاهزة بنسبة 24 في المئة، وما يقاس على دبي ينطبق أيضا على قطر، التي تراجعت التعاملات العقارية فيها بنسبة 70 في المئة، في النصف الثاني من العام الماضي.

جدير بالذكر أن معظم دول الخليح تجتهد في الأحوال الطبيعية في عملية إخفاء المعلومات السلبية الداخلية عن مختلف الأنشطة فيها، لاسيما الاقتصادية، ويزداد هذا الجهد في أحوال النزاع والتوتر والخلافات البينية!

توسع في التسلح

من مظاهر سوء هذه الأزمة خلال عام أنها رفعت مستوى الإنفاق العسكري لدول واجهت خلال السنوات الثلاث الماضية أعلى مستويات التحدي الاقتصادي، بسبب تراجع أسعار النفط، وفقر تنوع مصادر الدخل، فوقعت كل دولة خليجية على الأقل صفقة شراء أسلحة كبرى أغلبها مع الولايات المتحدة، ليصل إجماليها، وفقا للمعلومات المتاحة، إلى 40 مليار دولار، في منطقة تعاني مصاعب اقتصادية كبيرة، ليس في الثروة بل في جودة إنفاقها وآليات صرفها ومدى انعكاسها على واقع الاقتصاد والتنمية، خصوصا في ظل حالة عدم اليقين من استمرار صعود أسعار النفط العالمية مؤخرا كونه ناتجا عن تطورات خارجة عن واقع السوق، تتعلق بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، إلى جانب الأزمة السياسية - الاقتصادية الطاحنة في فنزويلا، مما أثار مخاوف على الإمدادات وبالتالي الأسعار.

مشاريع وتحديات

خسائر الأزمة الخليجية الاقتصادية أكبر من أن تقاس بالمليارات أو الأرقام، ليس لأنها فقط وأدَت أي فرصة لإنجاز مسائل الاقتصاد الخليجية الملحة، التي لم ينجح مجلس التعاون في تنفيذها على مدى 37 عاماً من تأسيسه، كالاتحاد الجمركي أو السوق الخليجية المشتركة أو العملة الموحدة والبنك المركزي الخليجي أو حتى عمليات التجارة البينية وتسهيل وتوحيد قواعد الإنتاج والتصدير والاستيراد، بل أيضا قتلت الاهتمام بقضايا الاقتصاد الخليجي المستجدة، التي برزت خلال السنوات الماضية، وأبرزها انكشاف دول الخليج على تراجع أسعار النفط وتدني جاذبيته، مع ظهور المنافسين غير التقليديين في السوق، إلى جانب دخول سوق الديون وما يترتب عليه من التزامات توجب القيام بإصلاحات اقتصادية أساسية وجوهرية، تضمن التعامل مع الأوضاع المالية والاقتصادية الجديدة التي تماثل في جديتها أي تحد سياسي أو أمني مفترض.

فالاستحواذ على 35 في المئة من إجمالي الاحتياطي العالمي من النفط الخام، وتملك صناديق استثمار سيادية تناهز قيمتها تريليوني دولار رغم ضخامتهما لم يعودا كما السابق وسادة آمنة تحمي دول الخليج ومجتمعاتها من أي اصطدام مستقبلي يفرضه حجم الإنفاق العالي، خصوصا إذا كان جانبا مهما منه يصنف بأنه غير رشيد.

دروس الأزمة

القول بأنه لا رابح من دول المنطقة من هذه الأزمة بديهي، والجزم بأن الجميع خاسرون أيضا لا يضيف أي جديد، فالأولى أن تكون في هذه الأزمة دروس لجميع دول المنطقة، وأول هذه الدروس أن التكتلات في زمننا هذا لا تقوم على أسس أمنية ولا سياسية، فكل تكتلات العالم الناجحة اقتصادية، وهذا ما غاب عن مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه، لدرجة أنه لم يقم بأي مبادرة وحدوية تجاه أي ملف اقتصادي، سواء كانت مشروعا داخليا أو تحديا خارجيا، أما ثاني الدروس فيتعلق بضرورة تحسين الإدارة العامة من حيث المشاركة الشعبية فيها، والخروج من فردية القرار إلى مؤسسيته كي نضمن أن اتخاذ القرارات يكون وفقا لمصالح الدول وشعوبها وليس وفق ردات فعل أو تصعيد أو عناد.

back to top