الصفقة الإيرانية تكشف ضعف أوروبا كقوة عالمية

نشر في 20-05-2018
آخر تحديث 20-05-2018 | 00:06
 وورلد بوليتيكس ريفيو "أوقفوني إذا سمعتم بذلك من قبل". رداً على قرار الرئيس الأميركي الانسحاب من الصفقة النووية الإيرانية الأسبوع الماضي، أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بجدية أن على أوروبا من اليوم فصاعداً أن تقرر مصيرها بنفسها.

قبل قرار ترامب، كثر الحديث عن الطرق التي تتيح لأوروبا تفادي العقوبات الثانوية الأميركية، أو الالتفاف حولها، أو التصدي لها، علماً أن هذه العقوبات لا تستهدف إيران فحسب، بل أيضاً أي كيان يتعامل مع هذه الدولة، وتهدف هذه المساعي للسماح للشركات الأوروبية بدخول السوق الأوروبية، مما يمنح بالتالي طهران دافعاً كافياً للبقاء في الصفقة النووية.

نلاحظ في مسألة الصفقة النووية الإيرانية نقطتَي ضعف بنيويتين إضافيتين تعوقان قدرة أوروبا على الدفاع عن مصالحها، لطالما تنبه لهما مراقبو الاتحاد الأوروبي، وشكلتا محور عدد من مبادرات الإصلاح في بروكسل، منها مبادرات حالية، ولكن إلى أن ينجح الاتحاد الأوروبي في تحويل الكلام عن الإصلاح إلى عمل ستواصل نقطتَا الضعف هاتان عرقلة قدرته على أن يكون لاعباً استراتيجياً في الشؤون العالمية بمعزل عن الولايات المتحدة.

ترتبط نقطة الضعف الأولى بعيوب في تصميم اليورو، فلا تتمتع العقوبات الثانوية الأميركية بهذا التأثير الكبير بسبب جاذبية السوق الأميركية فحسب، بل أيضاً بسبب القوة التي تنبع من كون الدولار عملة احتياط عالمية. فبالنسبة إلى أي شركة متعددة الجنسيات لها وزنها تتعامل مع إيران، يُعتبر العمل من دون القدرة على ولوج النظام المالي الأميركي أو من دون التعامل مع كيانات (مثل المصارف أو مزودي سلاسل الإمداد) تتمتع بالقدرة على ولوج النظام المالي الأميركي مستحيلاً في شتى الأحوال. نتيجة لذلك من الصعوبة بمكان تفادي تأثير العقوبات الأميركية.

على الأمد الطويل، ويؤدي استعداد إدارة ترامب لاستخدام مكانة الدولار كعملة احتياط عالمية بغية الضغط على شركائها التجاريين إلى نتائج عكسية، ومن الأسباب التي دفعت العالم إلى منح الولايات المتحدة طوعاً القوة التي تترافق مع إصدار عملة عالمية واقع أن واشنطن استخدمت تاريخياً هذه القوة بطريقة إيجابية ومسؤولة، إلا أن ترامب يرسي سابقةً ستزيد البحث عن بديل للدولار إلحاحاً، مما يُضعف في نهاية المطاف قدرة واشنطن على تحقيق أهدافها من دون اللجوء إلى القوة. ولكن على الأمد القصير تُعتبر أوروبا في موضع ضعف في المواجهة الحالية حول الصفقة الإيرانية.

تتمحور نقطة الضعف البنيوية الثانية، التي تحدّ من تأثير أوروبا في مسألة الصفقة الإيرانية وعلى الصعيد العام، حول ضعف قدرتها المنسّقة على نشر قوات عسكرية في الخارج، فمع أن الجيوش الأوروبية تملك اليوم مجتمعةً ملايين الجنود في الخدمة الفعلية، تعجز وحدها عن تنفيذ عملية خارج حدودها، باستثناء فرنسا والمملكة المتحدة. رغم ذلك، لم نسمع مرة أخرى دعوات ملحة إلى تطوير الاتحاد الأوروبي قدرة عسكرية مشتركة قد تشكّل بديلاً مكمّلاً لحلف شمال الأطلسي.

كتبتُ قبل أيام أننا نبالغ في تقدير أهمية أن يكون المدافعون عن الصفقة الإيرانية محقين، ويشكل وضع الاتحاد الأوروبي الراهن مثالاً آخر لذلك، ومن الضروري بالتأكيد ألا يتحول موقعو الصفقة الأوروبيون إلى رهينة نزوات ترامب أو أي رئيس أميركي آخر، ولكن من المؤسف أنهم سيظلون كذلك إلى أن تعالج أوروبا أسباب ضعفها الداخلية.

* «ورلد بوليتيكس ريفيو»

back to top