فاتن حمامة... المعجزة! (4- 31)

نشر في 20-05-2018
آخر تحديث 20-05-2018 | 00:05
قبل أن تمثل ابنته إزاء لجنة الاختبار التي شكلها المخرج محمد كريم في مكتب محمد عبد الوهاب، أراد أحمد حمامة أن يطمئن إذا ما كانت صغيرته تتمتع بموهبة حقيقية أم لا؟ وهل ستنجح في مهمتها؟ لذلك قرر أن يضعها إزاء لجنة خاصة به، فوجه الدعوة إلى صديق عمره الفنان فؤاد الرشيدي، من دون أن يخبره بهدف الزيارة، وبعد الغداء، وبينما جلسا لتناول القهوة، طلب الأب إلى صغيرته أن تسمع «أنكل فؤاد» أحد الأناشيد التي تحفظها.
انطلقت فاتن حمامة تنشد ما تحفظه من أناشيد. ولم تكتف بمجرد إلقائها، بل راحت تضيف إليها نوعاً من الأداء، فاختلف شكلها عن تلك التي سمعها فؤاد الرشيدي سابقاً.
ما إن انتهت فاتن حمامة من إلقاء الأناشيد حتى تهلّل وجه فؤاد الرشيدي، وفتح يديه يستقبل الصغيرة بالقبلات والأحضان:

= البنت دي يا أحمد أفندي هايكون لها شأن عظيم.

- أظن مافيش داعي للمبالغة يا فؤاد.

اقرأ أيضا

= صدقني يا أحمد البنت عندها إحساس مش موجود عند كتير من ممثلات اليومين دول.

- للدرجة دي؟

= بكرة تقول فؤاد قال... بس ابقَ افتكر كلامي كويس.

في الموعد الذي حدّده خطاب محمد كريم، حمل أحمد أفندي حمامة صغيرته إلى «شركة أفلام محمد عبدالوهاب» وبعد دقائق عدة، أذن لهما «فراش» المكتب بالدخول إلى غرفة الاختبار، حيث جلست اللجنة المكونة من المخرج محمد كريم، والفنان عبدالوارث عسر، ومدير التصوير مصطفى حسين، والصحافي مصطفى أمين، فيما جلس منفرداً في نهاية الغرفة الموسيقار محمد عبد الوهاب.

يا لها من لجنة! وجودها يكفي لإخفاق أي طالب تمثيل في مهمته. حينها أشفق أحمد حمامة على ابنته. حتى هو انتابه الرعب من هؤلاء الكبار، وشعر برهبة غريبة لا يعرف مصدرها، ربما حرصاً على مصير صغيرته. ولكنها كانت على النقيض تماماً من والدها، إذ انتابتها سعادة غامرة، وشعرت بأنها في نزهة رائعة، وأن ثمة نوعية خاصة من المشاهدين غير الذين دأبت على الوقوف أزاءهم، من أفراد أسرتها وأقاربها، يجلسون في انتظار مشاهدة إبداعاتها و«تسليتهم» كما اعتادت أن تفعل.

أول امتحان

تركها أفراد اللجنة واقفة دقائق عدة من دون أن ينطق أي منهم بكلمة، أو يطلب منها أي أمر. راحوا يتفحصون جسدها الضئيل الذي لا يفصح إطلاقاً عن عمرها الحقيقي، إذ يبدو أن صاحبته لم تتجاوز الخمس سنوات، وليست على مشارف عامها الثامن. وقبل أن يطول صمت اللجنة نظر محمد كريم نظرة خاطفة إلى محمد عبد الوهاب، فهزّ الأخير رأسه كأنه أعطاه إشارة البدء. عندها، طلب منها عبد الوارث عسر أن تضحك فضحكت، وأن تحزن فحزنت إلى حد أن لمعت عيناها بالبكاء، وأن تمشي فمشت، وسألها إن كانت تعرف أي أمر عن التمثيل، فجسدت له المشهد الذي سبق أن أدته إزاء أسرتها، وهو لآسيا في فيلم «زوجة بالنيابة». خلال ذلك، بدت الدهشة على وجوه أعضاء اللجنة، وراحوا ينظرون إلى بعضهم، وجاء دور محمد كريم فسألها:

ـ قوليلي يا أمورة... انت اسمك إيه؟

* هو حضرتك مش عارف اسمي؟

ـ لا. وهابقى مبسوط أوي وكلنا هانبقى مبسوطين لو قلت لنا على اسمك.

* اسمي فاتن حمامة.

ـ فاتن حمامة... ولا فاتن أحمد حمامة.

* الله.. انت تعرف بابا؟

ـ آه طبعاً.

* طيب ما هو أنا بنت بابا... واسمي زي اسمه.

ـ هايل هايل. قوليلي بقى تعرفي تغني.

* آه طبعاً.

ـ طب ممكن تسمعيني نشيد من اللي انت حافظاه؟

لم تمهله فاتن ليستكمل كلامه. بل اعتلت فوراً مكتباً مجاوراً لها، وراحت تلقي عليه ما تحفظه من أناشيد، في حضور محمد عبد الوهاب، وألقت عشرة أناشيد بدلاً من واحد، حتى تجمع إزاء باب الغرفة عدد من العاملين والفنيين بالمكتب.

لم تخف فاتن من الموقف، ولم تخش المكان ولا الأشخاص، فصفق لها الجميع، فيما ظل محمد عبد الوهاب جالساً مكانه صامتاً، وعلى وجهه ما يشبه نصف ابتسامة. لكن محمد كريم ركض إليها واحتضنها من فوق المكتب وأنزلها إلى الأرض، وأخذها لتصافح اللجنة، فاستوقفها الصحافي مصطفى أمين وهي تصافحه:

ـ برافو... برافو... انت فعلاً هايلة. قوليلي انت تعرفي «شيرلي تيمبل»

* لا.

ـ دي طفلة أميركية بتمثل بس في أميركا لما كانت أصغر منك كمان.

* لا مش باعرفها.

ـ طب إيه رأيك تحبي تبقي زيها؟

* لا طبعاً.

ـ لا طبعاً ليه؟ دي هايلة وناجحة جداً... وطفلة زيك.

* بس أنا مش باعرف أبقى زيها إزاي وأنا مش باعرفها. أنا عايزة أبقى زي غريتا غاربو.

ـ غريتا غاربو مرة واحدة!

* أصل أنا بحبها أوي.

ـ وعلى كده شوفت لها أفلاماً.

* طبعاً... شوفت Anna Karenina، Grand Hotel.

ـ هايل... هايل... دي انت هايلة جداً. طب بتشوفي أفلاماً عربية.

* آه طبعاً... شوفت فيلم «زوجة بالنيابة» للمثلة آسيا... وكمان شوفت فيلم الأستاذ محمد عبد الوهاب «دموع الحب».

ـ كده... ده أنت عظيمة ومثقفة أوي يا فاتن. ويا ترى تعرفي الأستاذ محمد عبد الوهاب؟

* طبعا أعرفه... هو اللي قاعد هناك ده.

ما إن نطقت بالجملة الأخيرة، حتى ضحك محمد عبد الوهاب ضحكة عالية، وقفز من فوق كرسيه وجرى ليحتضن الصغيرة:

= برافو عليك انت هايلة. دي لقطة يا كريم. هاتبقى معجزة السينما المصرية. وعجبك يا فاتن فيلم «دموع الحب»؟

* انت عجبتني أوي... وكمان لما بتضحك.

= هاهاها... دي عارفة بتقول إيه كويس. طب يا ست فاتن تحبي تشتغلي معايا في الفيلم الجديد؟

*D'accord .

= وبتتكلمي فرنساوي كمان... لا ده أنت هايلة أوي أوي.

قبل أن ينتهي اللقاء، كانت فاتن أثلجت قلب والدها، ورفعت رأسه عالياً، إذ نالت إعجاب اللجنة بشكل أذهل الجميع، وكانت الموافقة بالإجماع على أن تشارك في فيلم عبد الوهاب ومحمد كريم الجديد، وقبل أن ينصرفا من المكتب اتفق كريم مع والدها أنه سيرسل إليه تلغرافاً يخبره بموعد بدء تجهيز فاتن لوقوفها إزاء الكاميرا، والتعاقد معها، بعد أن ينتهي من التحضيرات لبدء تصوير الفيلم.

ملل الانتظار

راحت الصغيرة فاتن تعد الأيام في انتظار وصول تلغراف محمد كريم لتحقّق أمنيتها، حتى ملّت، فقد طال انتظارها نحو شهرين، ما زاد من قلق والدها وأيقن أن المقابلة لم تؤت ثمارها رغم ما لمسه وشاهده من إعجاب اللجنة بها، وانبهار محمد كريم ودهشة محمد عبد الوهاب. وقبل أن ينفذ الفكرة التي راودته بناء على إلحاح والدتها، ويذهب بنفسه إلى مكتب عبد الوهاب ليسأل عما جرى، قالت وزارة المعارف كلمتها لتفصل في الموضوع، إذ نُقل مجدداً إلى مسقط رأسه «المنصورة»، فلم يكن أمامه سوى نسيان مستقبل الصغيرة، الذي لا يزال في علم الغيب، والتركيز في مستقبله الشخصي.

نفذ أحمد حمامة قرار النقل وصحبته أسرته إلى المنصورة. هناك، ألحق الصغيرة فاتن بمدرسة «المنصورة الابتدائية للبنات»، غير أنها لم تنس حلمها بالعمل مع محمد عبد الوهاب كما طلب منها، بل وضعته جانباً وظلت تنتظره وهي على يقين بأنه سيتحقّق، فيما بدأ الأب ينسى الأمر وتعامل معه على اعتبار أنه «فرصة لم تكتمل» وربما ستحصل الصغيرة في المستقبل على فرص أخرى بعد أن تكمل تعليمها.

بدأت فاتن تنخرط في دروسها، بل وراحت تشارك في الأنشطة المدرسية كافة، من الإذاعة، إلى فريق الكورال الذي يؤدي الأناشيد إزاء زوار المدرسة، وصولاً إلى الأنشطة الرياضية. غير أنها لم تنس هوايتها المفضلة، وهي الذهاب إلى السينما مع والدها، أو أي من أفراد الأسرة، يوم الخميس من كل أسبوع. حتى شاءت الأقدار أن يتجدّد الأمل في نفس الصغيرة، ووالدها أيضاً.

أعلنت سينما «عدن» بالمنصورة عرض فيلم «يحيا الحب» للفنان محمد عبد الوهاب، مع إشارة إلى أن الافتتاح سيكون بحضور المخرج والأبطال. ما إن علم أحمد حمامة بذلك، حتى استعد للأمر، وجهّزت الوالدة طفلتها لحضور العرض، فربما تذكرها عبد الوهاب ومحمد كريم، وتجدد الأمل في عملها معهما.

ما إن انتهى عرض الفيلم وأضيئت الأنوار، حتى ظهر في «البالكون» محمد كريم يتوسّط أبطال الفيلم، ليلى مراد، وعبد الوارث عسر، ومحمد عبد القدوس، فيما غاب محمد عبد الوهاب، وبدأت الجماهير تصفق لهم، وهم يلوحون بالتحية. رفع أحمد حمامة ابنته عالياً كي تراهم، فلمحها محمد كريم من بين عشرات الأشخاص الذين يتزاحمون عليهم ليصافحوهم، فأشار بيده إلى والدها:

= ازيك.. انتوا فين؟

- أحنا هنا في المنصورة... اصلي اتنقلت هنا.

= أنا بعتلك تلغراف على عنوان مصر... والتلغراف رد تاني ماحدش استلمه.

- أكيد لأننا هنا من أربع شهور.

= عدي عليا انت وفاتن في المكتب في مصر. ضروري عايزكم.

- أمتى؟

= يوم السبت اللي جاي.. هانتظرك عشرة صباحاً.. ضروري.

لمعت عينا فاتن، وتجدد أمل والدها في أن تتاح الفرصة مجدداً لصغيرته، ويوم الجمعة اتجها إلى القاهرة، حيث أمضيا ليلتهما في شقة القاهرة، وفي صباح يوم السبت توجها إلى مكتب محمد عبد الوهاب، حيث كان محمد كريم في انتظارهما، ووقّعا التعاقد مع فاتن على المشاركة في فيلم «يوم سعيد» مقابل أجر قدره عشرة جنيهات.

قبل أن يغادر محمد كريم مدينة المنصورة، وبعد عثوره مجدداً على اكتشافه الجديد، فاتن حمامة، وقعت عيناه في دار سينما عدن على إحدى فتيات المنصورة، تقدّمت منه لتصافحه هو وبقية أبطال الفيلم، ثم اقتربت منه وهمست له:

- أنا بحب السينما أوي يا أستاذ... وبحب كل أفلامك انت والأستاذ محمد عبد الوهاب.

= مرسي خالص.

- الإعلان كان بيقول إن الأستاذ عبد الوهاب جاي معاكم المنصورة.

= فعلاً... بس للأسف هو مشغول عنده حفله في مصر.

- خسارة. كان نفسي أشوفه وأسلم عليه.

= أنا هابلغه سلامك. انت اسمك إيه؟

- سميحة سميح.

= اسمك فني أوي يا سميحة. تحبي تشتغلي في السينما؟

- دي أمنيتي... يا ريت تحققها لي يا أستاذ.

= بس كده. بكل ممنونية. خدي ده الكارت بتاعي. منتظرك في مكتبي في أقرب فرصة.

- من بكرا هاكون عندك يا أستاذ. هو في أحسن من كده فرصة!

حصل أحمد حمامة على إجازة مؤقتة من عمله بالمنصورة، كذلك استأذن من مدرسة فاتن، واستقرا في شقة القاهرة، إذ كان لا بد من أن يذهبا يومياً إلى مكتب عبد الوهاب ليدربها المخرج محمد كريم على التمثيل من أجل الوقوف إزاء الكاميرا، ويدربها الفنان عبد الوارث عسر على نطق مخارج الألفاظ، لاسيما أنها كانت تعاني لثغة في حرف «الراء»، وزاد منها أتقانها اللغة الفرنسية. هكذا، كان عليها أن تمضي يوماً كاملاً في عمل جاد وشاق، يبدأ منذ الصباح الباكر. كانت تستيقظ وحدها قبل والدها، ليجدها تجلس في سريرها الصغير، وما إن تراه حتى تبادره:

* بابا إحنا مش رايحين عند «المُعلم» كريم النهاردة؟

= رايحين طبعاً إن شاء الله.

* طب يلا بقى.

= طب يا ست فاتن. بس مش نفطر الأول وآخد القهوة بتاعتي.

* حضرتك كده هاتأخرنا.

= حالاً يا فندم.

هكذا صوّر لها خيالها الصغير أن مخرجها الأول، محمد كريم، صورة «المعلم». فقد كان المعلم أقرب الشخصيات إلى نفسها بعد أبيها، خصوصاً أنه يعاملها كأنه والدها تماماً، فهو رغم ما اشتهر به من عصبية في عمله، فإنه كان دائم الابتسامة في وجهها، بل كان يحتفظ على مكتبه بعلبة شوكولاتة مخصصةً لفاتن، كلما أجادت تأخذ قطعة، ولها الحق وحدها في أن تمنح منه من تشاء، بمن فيهم الاكتشاف الجديد سميحة سميح التي اختارها محمد كريم، ووافق محمد عبد الوهاب على أن تشاركه بطولة فيلمه الرابع، وراحت تتلقى تدريبات أيضاً على التمثيل والإلقاء، مثلها في ذلك مثل فاتن.

إعداد خاص

نالت سميحة دور البطلة التي ستشارك عبد الوهاب البطولة، في أول ظهور لها على شاشة السينما، ويشاركهما كل من علوية جميل، وفؤاد شفيق، وعبد الوارث عسر، وأحمد علام، وإلهام حسين، وفردوس محمد، والطفلة فاتن في دور «أنيسة».

كان دور أنيسة في سيناريو الفيلم مجرد مشهد ستؤديه إزاء محمد عبد الوهاب، لكن ما إن رأى المطرب أداءها خلال التدريبات، حتى قرر أن يزيد مساحة الشخصية، واقتضى التغيير إدخال تعديل كبير في السيناريو بأكمله، لدرجة أن محمد كريم عكف هو وعبد الوارث عسر وعباس علام، على كتابة السيناريو مجدداً، ليضعوا للطفلة حواراً يلائم سنها وتنطقه كما ينطق الأطفال.

كانت الطفلة فاتن الزائرة اليومية الوحيدة لمكتب عبد الوهاب، وكان محمد كريم الشخص الوحيد الذي تلتقيه يومياً لتدريبها. غير أنها لاحظت في أحد الأيام وجهاً آخر صاحبته ممتلئة الجسد تتكلم بطلاقة لغة لا تفهمها الصغيرة، ووجدت أن محمد كريم يوافق على ما تقوله بامتنان. ثم وقفت الزائرة تتأمل الممثلة الصغيرة طويلًا، بعدها أمسكت ورقة وقلماً وراحت ترسم خطوطًا سريعة، وعندما انتهت من الرسم عرضته على كريم فأدخل عليه بعض التعديلات.

لم تكن هذه السيدة سوى «مدام ماري» مصممة الأزياء، التي ستنجز الأزياء التي ستظهر بها «أنيسة» في الفيلم، ما أسعد الصغيرة جداً، خصوصاً عندما عرفت أنها تصمم لها ملابس جديدة. لكن سعادتها سرعان ما تبخرت وتحوّلت إلى ثورة، عندما انتهت مصممة الأزياء من مهمتها، وأحضرت ما صممته ونفذته، وجاء دور فاتن لترتديه.

ما إن رأت فاتن ملابس شخصية «أنيسة» التي سترتديها ضمن أحداث الفيلم، حتى ثارت ثورة عارمة، وأعلنت غضبها من محمد كريم، ورفضت رفضاً باتاً أن ترتدي مثل هذه الملابس، وعبثاً حاول كل من محمد كريم ووالدها أحمد حمامة إقناعها بالعدول عن رأيها. وبكت بكاء مريراً، وكان السبب أقوى ما يثير «حواء»، حتى لو كانت في الثامنة من عمرها، إذ أتت مصممة الأزياء بـ«جلاليب» من النوع الريفي بألوان زاهية، فرفضت فاتن وهي تبكي مرددة:

* مش ممكن ألبسها. دي زي جلاليب نفوسة.

= مين نفوسة دي؟

* داده نفوسة اللي عندنا في البيت.

= بس كده!

رغم أنه لم يقدِّم سوى عدد قليل من الأفلام، فإن المخرج محمد كريم حرص في كل عمل جديد له على أن يستعين بوجوه مصرية خالصة تؤكد هوية السينما المصرية. من ثم، ابتكر شخصية الطفلة «أنيسة» التي تمثل العنصر البريء في الفيلم لتنشر أجواء من المرح والابتسامة فيه، فضلاً عن قيامها بدور «حمامة السلام» بين محمد عبد الوهاب وبين حبيبته سميحة سميح، عندما تحاول المرأة الثرية إلهام حسين أن تستدرجه. كذلك ثمة مشاهد عدة تجمع بين مدرس الموسيقى (عبد الوهاب) وبين «أنيسة» الطفلة البريئة، ابنة الأسرة البسيطة، وهي تحمل له الطعام، الذي أعدته له والدتها، الفنانة فردوس محمد. وقد أتاح السيناريو مشاهد عدة تحاور فيها فاتن المطرب بعبارات أكبر من عمرها الحقيقي، حول حياته الخاصة، وسبب وحدته، كذلك تضمن حكايات بسيطة ترويها لعبد الوهاب لتسري بها عن نفسه وتنتزع ضحكاته.

استدعى هذا الأمر أن ترتدي «أنيسة» ملابس تعبِّر عن بيئتها ومستواها الاجتماعي، الذي يتسم بالشعبية والبساطة. غير أن الطفلة لم تتفهم هذه الدوافع، لذا كان لزاماً على المخرج محمد كريم ووالدها، أن يلجآ إلى حيلة ذكية، جعلتها ترضخ للأمر.

حاولا أن يفهماها ضرورة وأهمية ارتداء هذه الملابس من أجل شخصية «أنيسة» وستكون مكافأتها مقابل ذلك، مجموعة لم تخطر لها على بال، من أحدث الفساتين على الموضة. كان العرض بالنسبة إليها عادلاً، فقبلت فوراً.

رغم بكاء فاتن وتمرّدها، ورغم صغر عمرها، فإنها تحملت ضغوطاً كبيرة، أكبر كثيراً من عمرها، ذلك كله بسبب عشقها المبكر والمدهش للسينما. وضع لها المخرج محمد كريم برنامجاً دقيقاً أحدث تغييراً كبيراً في نظام حياتها اليومي، يبدأ من الساعة الأولى من الصباح، وينتهي بدخولها «السرير» ليلاً. ومن ضمن ما اشترطه في هذا البرنامج أن تستقبل الصباح الباكر في إحدى الحدائق بالغناء من أجل تدريب أحبالها الصوتية، بملء صدرها بالهواء، وأن تأكل وجبات محدودة الأصناف في مواعيد دقيقة. أما أهم خطوة والأثقل على نفسها، فهي أن تزور الطبيب كل ليلة للاطمئنان على صحتها وإعطائها «حقنة مقويات» بسبب ضعفها الواضح.

جاءت بعد هذه الرحلة المؤلمة اللحظة التي انتظرتها فاتن طويلاً، وتحمّلت بسببها الكثير، فقد حانت لحظة دخولها الأستوديو لبدء التصوير، لتجد نفسها وجهاً لوجه، إزاء تلك «العين السحرية» المسماة بـ«الكاميرا». وقبل أن تنطلق فاتن لتمثل، فوجئت بالمخرج محمد كريم يستوقفها!

البقية في الحلقة المقبلة

أحمد حمامة يضع طفلته في امتحان خاص قبل المثول إزاء لجنة «يوم سعيد»

فاتن تبهر لجنة الاختبار وعبدالوهاب يهتف: هتبقي معجزة السينما المصرية

فاتن لم تمهل محمد كريم ليستكمل كلامه بل اعتلت فوراً مكتباً مجاوراً لها وراحت تلقي عليه ما تحفظه من أناشيد

فيلم «يحيا الحب» يحيي الأمل في نفس فاتن ووالدها

الصغيرة تنهار وتبكي بمجرد رؤيتها ملابس شخصية «أنيسة»
back to top