خاص

عبدالحسين عبدالرضا الحالم المشاكس في «درب الزلق» (1-5)

الجريدة• تستذكر شخصيات جسدها الراحل مع اقتراب ذكرى وفاته الأولى

نشر في 17-05-2018
آخر تحديث 17-05-2018 | 00:05


لم يعتد المشاهد أو المستمع في الكويت، أو الخليج، على غياب الفنان عبدالحسين عبدالرضا خلال الدورة الرمضانية، لأن الفنان الراحل كان شديد الحرص على الإطلالة الرمضانية، سواء تلفزيونياً أو إذاعياً، نظرا لارتباط أعمال الفنان بهذا الشهر الكريم منذ عقود. وإن كان شهد غيابه في فترات سابقة فلأسباب صحية أو عدم توافر عمل جيد يطل من خلاله على مريديه.

ومع حلول شهر رمضان سنقترب من الذكرى الأولى لوفاة النجم الكبير بوعدنان الذي فقده محبوه في أغسطس الماضي، وهنا تستذكر «الجريدة» عملاق الكوميديا الخليجية، عبر خمس حلقات تسلط الضوء فيها على مجموعة من الشخصيات التي جسّدها، خلال مشواره الممتد نحو 60 عاماً من الإبداع والتألق والنجومية.

وفي الحلقة الأولى نستعرض شخصية حسين بن عاقول، الشاب الحالم والطموح الذي اشتهر بالمشاكسة والغرابة، فانتفض على فقره، متكئاً على قوة الإرادة وحب المغامرة والفطنة، لكنه لم يدر بخلده أن الاندفاع بشكل مبالغ فيه سيضعه على جادة «درب الزلق»، كما غاب عن ذهنه التحلي بالحذر أثناء المشي في حقل الألغام لئلا يخسر كل شيء.

وفي السطور التالية، نستعرض الوقوف الأول للفنان عبدالحسين عبدالرضا على خشبة المسرح، وما صاحبه من ظروف دفعت به من الصفوف الخلفية إلى أن يكون في المقدمة، وفيما يلي التفاصيل:

قدم الفنان عبدالحسين عبدالرضا شخصيات كثيرة لا تبرح ذاكرة المشاهد، نظراً لجمالها وتأثيرها العميق في النفس، لاسيما أنه اشتهر بمعايشة الشخصية والغوص في أعماقها للوصول إلى مكنوناتها، إضافة إلى البحث عن أسماء لافتة للشخصيات التي يؤديها. وربما الاتقان والإجادة والانضباط كانت حصيلة تجارب مر بها وعاشها لحظة بلحظة، فقد انكب منذ صغره لمشاهدة الأعمال السينمائية، ثم تقليدها مع رفاقه في الحي، ولم يكن هذا العمل إلا تدريباً وصقلاً سيحتاج إليهما في المراحل المقبلة من حياته.

صفات البطل

واتسم الراحل بصفات القائد أو البطل، فكان يحلم بأن يصبح قبطاناً، لأن والده كان بحاراً، وكثيراً ما يصطحبه معه إلى البحر أو في رحلة الغوص، فكان شاهداً على قوة تحمل البحارة وصبرهم، لاسيما أن السفن آنذاك كانت شراعية وتحتاج إلى مجهود كبير وانتباه واستعداد لأداء الواجب في أي وقت، ويقول عبدالحسين عن هذه المرحلة: "كنت أحلم أن أكون قبطاناً، لأن معظم أفراد عائلتي كانوا يعملون في البحر، وأبي كان بحّاراً، وقد استفدت منه الكثير، لأنه غرس في نفسي حب التحدي والجلد والمثابرة، فهو رجل يتعامل مع الحياة بجدية وحزم بسبب قسوة واقع الحياة وصعوبته في تلك الفترة، وقد أعانته هذه الصفات على مجابهة الحياة، وكذلك كانت والدته التي تتصف بالتفاني والعمل وتحمل المسؤولية.

كان الفنان الراحل عبدالحسين عبدالرضا يستذكر دور الفنان زكي طليمات، مؤكدا أن له الفضل الكبير على الحركة المسرحية في الكويت، خلال حقبة الستينيات من القرن الماضي، إذ سعى إلى تكوين فرقة مسرحية ضمن الأسس الصحيحة، وقام بانتقاء مجموعة من الشباب آنذاك وفقا لمعايير دقيقة ولخبرته الكبيرة ونظرته الثاقبة، وقد صدق حدسه الفني لأن معظم هؤلاء الذين تتلمذوا على يده استمروا في العمل بالمسرح.

المسرح المدرسي

وضمن هذا الصدد، يقول عبدالرضا إن صديق الطفولة عبدالوهاب سلطان الذي عمل معه في المسرح المدرسي اقترح عليه فكرة التقديم لفرقة المسرح العربي الناشئة، لاسيما أنه ليس لديهم أي ارتباط بعمل في الفترة المسائية، وفعلا ذهبا معا وجرى قبولهما في الفرقة، وكان الهدف من ذلك تمضية وقت الفراغ في التمثيل، لكن تحول ذلك الى حب يجري في العروق وشغف كبير لا تعوقه أي عراقيل.

وفي هذا السياق، أوضح الراحل أن فريق أول مسرحية (صقر قريش) التي قدمها زكي طليمات كان مكوناً من ٢٠ ممثلا من أعضاء الفرقة، لكن طليمات قرر أن يختار لكل ممثل بديلا لمضاعفة عدد الممثلين وصقل مواهبهم، وللوقوف على مستوى أعضاء الفريق واكتشاف قدراتهم، إضافة إلى افساح الفرصة لأكبر عدد من الممثلين الشبان الراغبين في الانخراط في العمل المسرحي.

وكان عبدالحسين بديلا للفنان عدنان حسين، لكن قبل العرض بيومين حدث ظرف طارئ لعدنان حسين ولم يتمكن من الحضور، فطلب طليمات استدعاء الممثل البديل، وهنا أدرك عبدالحسين عبدالرضا أن الفرصة التي كان ينتظرها جاءته على طبق من ذهب، فارتقى خشبة المسرح لأداء الدور الذي كان قد أمضى نحو ٦ أشهر من التدرب عليه، ومن شدة اندماجه في الشخصية وإحساسه الفني المنقطع النظير تعثر على خشبة المسرح وتمزقت دشداشته، ومن يومها أصبح الممثل الرئيس في العمل، وزميله عدنان هو البديل له.

حسين بن عاقول

في الحلقة الأولى التي نستذكر فيها الشخصيات التي جسّدها الفنان الراحل عبدالحسين عبدالرضا نلقي الضوء على شخصية حسين بن عاقول التي لعبها في مسلسل "درب الزلق"، وعرض العمل في فترة السبعينيات من القرن الماضي وحظي بشهرة واسعة، وحقق نجاحاً منقطع النظير على مدى خمسة عقود، فكلما عُرض أقبل الجمهور على متابعته حتى أصبحت بعض المواقف والمفردات تلهج بها الألسن، إلى أن باتت مضربا للأمثال.

وتدور حكاية مسلسل "درب الزلق" حول شقيقين تهبط عليهما ثروة طائلة، بعد تجرعهما مرارة العوز والفقر، إذ كانا يعملان في مهن متواضعة ويتقاضيان أجراً قليلاً لا يسد الرمق، ويلعب الفنان الراحل عبدالحسين عبدالرضا دور حسين بن عاقول، في حين يجسد سعد الفرج دور شقيقه الأكبر ويعيشان مع والدتهما في بيت متواضع تركه لهم والدهم المتوفي عبدالرزاق بن عاقول.

أشهر المسلسلات الخليجية

يعتبر مسلسل "درب الزلق" من أشهر المسلسلات الخليجية والعربية وأبرزها، وعرض عبر معظم شاشات التلفزيونات العربية، وهو من إنتاج سنة 1977، وشارك في بطولته عدد من النجوم: الفنان عبدالحسين عبدالرضا، وسعد الفرج، وخالد النفيسي، وعبدالعزيز النمش، وعلي المفيدي، وسمير القلاف، ومن إخراج حمدي فريد، ومن تأليف عبد الأمير التركي.

يلعب بوعدنان في هذا العمل شخصية حسين بن عاقول، وهو شاب عزيز النفس مشاكس يحلم بالثراء، ويطمح إلى تغيير حياته إلى الأفضل، ويأمل أن ينضم إلى فئة التجار في البلد، أما الفنان سعد الفرج، فيلعب شخصية سعد بن عاقول الشقيق الأكبر، وثمة اختلاف كبير بين الشخصيتين فسعد ضعيف الشخصية ويتصف بالطيبة ويعيش حكاية حب مع ابنة جارهم صالحة، ويجسد الفنان عبدالعزيز النمش دور أم سعد فضة، ويؤدي دور الخال قحطة الفنان علي المفيدي، وهو رجل مكافح ولديه محل لصناعة الأحذية وبيعها، أما الفنان خالد النفيسي فيلعب دور بو صالح خالد المثلاج واسمه يدل على مهنته فهو يبيع الثلج ويتصف بالعصبية والحدة، ويؤدي الفنان سمير القلاف دور ابنه صالح، أما الفنانة فوزية المشعل فتجسد شخصية صالحة.

عقب تثمين أو شراء الحكومة لبيت ابن عاقول، تبدأ مغامرات حسين ودخوله في حقل التجارة والشطارة، فيكون المشروع الأول استيراد أحذية، لكن هذه الصفقة تكون وبالاً على حسين وسعد لأنهما تعرضا إلى نصب في عملية استيراد الأحذية، فيسعى حسين إلى تعويض خسارته من خلال استيراد لحم للكلاب، لكن مصير الصفقة الأولى يتكرر، لكن هذه المرة ستفسد البضاعة ولن يتم توزيعها نظراً لقلة عدد مربي الكلاب في الكويت آنذاك، فيتفتق ذهن حسين على فكرة فيتم فيها بيع علب اللحم على أنها صالحة للاستخدام البشري عقب نزع صور الكلاب عن العلب ووضع صور أخرى بديلة. يبيع حسين وشريكه غلام عددا كبيرا من علب اللحم، لكن حبل الكذب والزيف والغش قصير.

مسيرة متنوعة في التمثيل والغناء والتقليد والتأليف

توفي الفنان عبدالحسين عبدالرضا في الحادي عشر من أغسطس عام 2017 عن عمر يناهز 79 عاماً، في العاصمة البريطانية لندن، حيث كان في رحلة علاج وفحص روتينية.

تميزت مسيرة الراحل بالتنوع والجرأة والتجديد فاشتهر بمبادراته الفنية وشغفه بخوض المغامرات التي لا يجرؤ أحد على خوضها، وخلال مسيرته الفنية حصل على ألقاب كثيرة، وكان ذلك عن جدارة واستحقاق. ومن هذه الألقاب أيقونة الكوميديا في الخليج أو ملك المسرح أو عملاق الفكاهة، بوصفه واحداً من عمالقة الفن العربي ومن رواد الحركة الفنية في الخليج.

عشقه للفن بدأ منذ نعومة أظفاره، من خلال مشاهدته للأفلام السينمائية، فكوّن هذا الشغف والعشق أحاسيس متنوعة كان يسعى إلى ترجمتها بطرق مختلفة، فمارس الرسم والعزف والموسيقى والتقليد.

حب السينما

حبه للسينما كان يزداد يوماً بعد يوم، وعقب مشاهدته الأفلام كان يقوم الراحل بتقليد الفنانين وخصوصاً الفنان سراج منير الذي كان بطلاً لفيلم "عنتر وعبلة"، وكان معجباً بالأفلام التي عرضت في تلك الفترة ومنها فيلم "غرام وانتقام" و"انتصار الشباب"، إضافة إلى ذلك كان مغرماً بمشاهدة الأفلام الهندية.

بدأت موهبة الراحل تتبلور مع مرور الأيام، وبرز في المسرح المدرسي وفرقة الكشافة عام 1954 وقدّم مع زملائه حفلات سمر غنائية وفكاهية وتمثيليات قصيرة، وعقب ذلك وقف الراحل للمرة الأولى على خشبة المسرح من خلال المسرح المدرسي، وقدّم دوراً مهماً في إحدى المسرحيات التي لم تكن تتجاوز نصف ساعة في إحدى المناسبات، وكانت المسرحية بعنوان "عدالة عمر بن الخطاب" وأدى الراحل شخصية عمر بن الخطاب، وخلال هذه المرحلة جذب عبدالحسين الأنظار إليه وأصبح زملاؤه وأساتذته يتوسمون فيه موهبة كبيرة ومستقبلا واعدا، نظرا لتميزه وتألقه في التمثيل، فكان يجيد الأداء أو التقليد، إضافة إلى قدرته على العزف والغناء والتأليف والحفظ. كل هذه الأمور كانت تؤكد موهبة الشاب عبدالحسين عبدالرضا آنذاك.

المسلسل عُرض في السبعينيات من القرن الماضي وحقق نجاحاً منقطع النظير

عقب تثمين البيت بدأت مغامرات حسين في مجال التجارة والشطارة

في مسرحية صقر قريش كان عبدالحسين ممثلاً بديلاً حتى جاء موعد العرض وأصبح أساسياً

والده عمل في البحر واكتسب منه صفات القيادة والتحدي والمثابرة
back to top