مهابة الأسماء

نشر في 15-05-2018
آخر تحديث 15-05-2018 | 00:00
 ناصر الظفيري في الأسبوع الماضي تناولت رواية الروائي إبراهيم نصرالله "حرب الكلب الثانية"، محاولا عرضها نقديا، ليس لأنها الرواية الفائزة بجائزة البوكر لهذا العام، وليس لأني من قراء إبراهيم نصرالله، ولكن لغضب مجموعة من القراء من ظلم روايات تستحق أن تفوز بالجائزة.

وكنت دائما مؤمنا بأن النتائج في المسابقات هي مسألة ذائقة فنية، وربما لو منحنا الأعمال لثلاث لجان مختلفة لخرجنا بثلاث روايات مختلفة. ليس لنا أن نسمي جميع هذه الروايات التي شاركت في هذا الاستحقاق، ولا نعرف منها سوى روايات القائمة الطويلة التي تم إعلانها، ولهذا يمكننا الحكم فقط على تلك الروايات.

ليس ما سأناقشه هنا هو التمييز بين الروايات، فتلك أيضا ذائقتي، وحكمي الخاص على النص قد يختلف معه عدد من القراء أكبر من الذين يتفقون. ولكن في كل عمل يفوز بجائزة هناك حدود دنيا ليكون مقبولا لدى أغلبية القراء، وحين يفتقد هذه الحدود يبدأ القارئ بنظرة الشك في اختياره نصا متميزا عما عداه.

مشكلة القارئ العربي الأساسية مع النص هي عدم قدرته الذاتية على التخلص من مهابة الاسم المعلق في أعلى النص. فحين تنقد نصا لكاتب تم تكريسه عبر تاريخ طويل من الكتابة أو عبر جائزة ما فهذا لا يعني الحكم على كل تجربة الكاتب، ولكننا نعني النص باستقلالية تامة عن تلك التجربة. بمعنى آخر أن نتعامل مع النص بعيدا عن سطوة الاسم. فكاتب مثل ديستويفسكي كتب روائع أدبية كما كتب نصوصا لمجرد أنه في ضائقة مالية بعد أن كان يخسر في القمار. واضطرت الشاعرة دايان دي بريما إلى كتابة سيرة ذاتية جنسية، قد تكون مفتعلة، من أجل مائتي دولار. وكتب نزار قباني أسوأ قصيدة عن أطفال الحجارة وسيتكرر هذا المشهد دائما.

الذي لم أستطع فهمه هو بعض الرسائل الخاصة التي تصلني تثني على المقال دون أن تفصح علنا على صفحاتها عن رأيها الصريح بالعمل. هذه المهابة التي تحملها الأسماء الأدبية المكرسة تضع حاجزا بينها وبين الرأي النقدي للقارئ والناقد. فالأول يعتمد على ذائقة قرائية ليست بالضرورة تحليلية، وقد لا يكون مقنعا بالنسبة له بأن ما يراه في النص من عيوب ليست سوى عيوب في الفهم لا في النص، وفي أغلب أحكامه يعتمد على الثاني كناقد يمتلك رؤية تحليلية مبنية على خلفية ثقافية ومدرسية بإمكانها تشريح النص وعرض ما غفل عنه القارئ. لكن المشكلة تكمن في اختفاء هذا الناقد وتردده في نقد النص لأسباب عدة.

الناقد هنا يتحول إلى جزء من منظومة الجائزة أو جماعة أصدقاء الكاتب، ونقد العمل الذي بين يديه هو انتقاد للجائزة وللكاتب وليس للنص الذي يؤمن مع القارئ بأنه لا يستحق، وكل ما يستطيع فعله هو التبريكات الساذجة والتهاني الفارغة. ربما أعذر الكتاب والروائيين الذين شاركوا في المسابقة، فهم أيضا تحت ضغط آخر، فنقدهم للعمل الفائز سيفسر بسبب خسارتهم في حصد الجائزة، ولكن لا عذر للناقد الذي يصمت عن العمل. نحن لا نطالبه هنا بأن يتفق مع القارئ المختلف مع النص ولكن أن يختلف ونفهم أين يختلف.

back to top