قناع

نشر في 04-05-2018
آخر تحديث 04-05-2018 | 00:05
 دانة الراشد كثرت أقنعتنا في مجتمع كثير التكلف، حتى بات بعضنا لا يفرق بين قناعته وهويته الحقيقية، طبقات عديدة من الأقنعة- الناتجة عن كثرة القيود- اغتالت تفردنا واستقلاليتنا، مكياج كثيف ولحىً كثة، وجوه بلاستيكية أقرب إلى الدمى تشابهت علينا حتى بدأت تفقد عفويتها الآدمية، لكن الأشد خطراً هو الأقنعة السلوكية التي تغلغلت حتى وصلت إلى نبرة صوتنا وتعبيراتنا في الكلام، والكذب بشكل يومي، فهل يعقل كل هذا الزيف؟

قد يكون ارتداء الأقنعة– ولو لبرهة من الوقت يومياً- إحدى الطرق الوحيدة للتعايش مع مجتمع كثير الهجوم والانتقاد، مطلقاً أحكامه الفورية القاسية بكل أريحية دون تمهل. ينتظر "الفضائح" وأخبار الآخرين بشراهة كي يلتهمهم أحياءً على نار الذم والنميمة، لكنه حلٌ مؤلم للإنسان الصادق الشفاف الذي لا يريد شيئاً سوى أن يترك وشأنه فحسب، فماذا نفعل إذاً؟

قد يكون تجنب الناس قدر المستطاع أحد الحلول، لكنه خيار يكاد يكون مستحيلاً- بل جنونياً- لمعظمنا، حيث إن الغالبية البشرية اجتماعية بطبعها، ويستمد معظم الناس طاقتهم ممن حولهم، ناهيك عن تلك الديباجة الطويلة التي قد يرشفك أحدهم بها عن دور الفرد في المجتمع!

على أي حال، هنالك حلٌ آخر أراه أقرب إلى الصواب، وهو تنقيح محيطك وحسن اختيارك لجلسائك ممن يثرونك ويحفزون نموك، أولئك الذين تقدر على مقابلتهم بوجهك الحقيقي بكل حرية وأمان، فوقتك محدود– وإن أوهمك الزمن بأبديته- وهو أقصر وأثمن من مجالسة من يشعرونك بالغربة في عقر دارك، كذلك فإن حسن اختيار أماكن ارتيادك أمرٌ مهم، فاذهب إلى تلك البقع الملهمة والمنيرة بدلاً من قضاء وقت الفراغ بفراغ أكبر منه في المراكز التجارية و"المولات" التي تشجع على استمرار "مسرحية الأقنعة" تلك.

ولنا في الكتمان حياة– وإن اعتبره البعض قناعاً آخر- لكن في الكتمان حكمة، فهو يحفظ أمرك من كل شرور في مراحل تكوينه الأولى إلى حين اكتماله وانطلاقه إلى الأفق البعيد.

تحرر من آراء الآخرين فيك، وتحلَّ بالشجاعة لتكون نفسك بلا أقنعة، ولا تدع إرضاء الآخرين همك الوحيد فتستنزف حياتك في ابتساماتٍ زائفة، وتذكر أن ذاتك المتفردة ليست بجواز سفرك أو وظيفتك أو انتمائك العرقي، إنما بشخصيتك التي تكتشفها وتصقلها في كل يوم.

كلما كان المجتمع أكثر انفتاحاً سقطت الأقنعة وظهر الناس على سجيتهم، وبالحرية تصبح لديهم الفسحة الكافية للإبداع والحياة بدلاً من استنزاف الوقت في المواراة وأخبار "القيل والقال".

خلع كل تلك الأقنعة الاجتماعية والظهور عاري الوجه يتطلبان الكثير من الشجاعة، أو ربما السذاجة! أترك حسن التقدير لكم في اختيار "التكتيك" المناسب للخوض في معارككم اليومية، ومصير الأقنعة أن تسقط يوماً!

back to top