الولادة... مع تخدير فوق الجافية أم من دونه؟

نشر في 03-05-2018
آخر تحديث 03-05-2018 | 00:00
No Image Caption
يُعتبر تخدير فوق الجافية على رأس الحلول الشائعة لتسكين الألم. قد ترغب المرأة في استعمال هذه الطريقة قبل يوم الولادة أو تقرر استعمالها خلال المخاض. وتلجأ أكثر من ثماني نساء من أصل عشر إلى هذا الحل خلال الولادة الطبيعية لكن لا تستعين به 20% من النساء حتى الآن.
لكل امرأة قدرتها الخاصة على تحمّل الألم: بالنسبة إلى امرأتين من كل ثلاث، يطلق المخاض والولادة أوجاعاً حادة وتعتبرها إحدى الدراسات أقوى من أوجاع الكسور! كذلك، يمكن أن يترافق الألم الجسدي مع معاناة نفسية مرتبطة بالخوف من الألم أو الولادة، أو القلق من حصول مشاكل، أو الشعور بفقدان السيطرة على الأمور كافة... لذا تبرز الحاجة إلى الاستعداد مسبقاً لهذه التجربة.

طوال قرون، كانت المرأة تجيد التعامل مع هذا «الألم الجميل» كما يُسمّى. أما اليوم، فتفضّل النساء أن يَلِدْن بلا ألم، لذا يلجأن إلى تخدير فوق الجافية. يتعلق هذا الخيار إذاً بالحفاظ على الراحة الشخصية، لكن لا يقتصر السبب على ذلك!

الأمان عامل أساسي

يقول الدكتور لوميتر، طبيب تخدير وإنعاش، إن خيار تخدير فوق الجافية يحمل جانباً آمناً كونه يسمح بتنفيذ بعض المقاربات عند وقوع حوادث غير متوقعة (عملية قيصرية، أو إخراج الطفل بالآلات، أو فحص الرحم...) من دون اللجوء إلى التخدير العام الذي يُعرّض المرأة في مرحلة المخاض للخطر.

يوصي الأطباء بهذا الحل في بعض الولادات التي تتطلب تدخلاً سريعاً أحياناً. يحصل ذلك إذا كانت وضعية الطفل مقعدية أو عند وجود ندوب في الرحم أو عند الحمل بتوأم. لكن لا يمكن أن يفرض أحد هذه الطريقة على المرأة، إذ يبقى القرار النهائي لها.

إبرة بلا ألم

يقضي تخدير فوق الجافية بحقن مادة مُخدّرة موضعية وأحد مشتقات المورفين المذوّبة في منطقة فوق الجافية التي تشمل الجذور العصبية المرتبطة بمنطقة الرحم والحوض الضيق.

تهدف هذه الطريقة إلى تخفيف الأوجاع التي ترافق انقباضات الرحم تزامناً مع الحفاظ على قدرات الجسم الحركية. إنه عامل ضروري كي تتمكن المرأة من التحرك حين تضطر إلى دفع الطفل إلى الخارج. تُستعمَل كميات صغيرة جداً لاستهداف أرق الجذور العصبية المسؤولة عن نقل إشارات الألم. يلجأ الطبيب في المرحلة الأولى إلى التخدير الموضعي لإخماد بشرة الظهر (تُسبّب هذه الحركة بعض الوخز!) ثم يُدخِل الإبرة بسلاسة في منطقة فوق الجافية، بين فقرتَين في أسفل الظهر. ستشعر المرأة بضغط على مستوى الظهر ثم يتحوّل شعورها إلى ما يشبه الثقل في أسفل الظهر.

بعد إدخال الإبرة، يدسّ الطبيب عبرها أنبوباً رفيعاً سرعان ما يتّصل بمضخة أوتوماتيكية ثم يسحب الإبرة. بعد ذلك، يتأكد طبيب التخدير من موقع الأنبوب. يعطي المنتج المحقون مفعوله خلال 15 دقيقة ويدوم أثره طوال الوقت اللازم بفضل الضخ المستمر الذي يبرمجه طبيب التخدير.

قرار لا مبكر ولا متأخّر

للاستفادة القصوى من تخدير فوق الجافية، من الأفضل أن تتخذ المرأة قرارها قبل أن تزيد قوة الانقباضات وتتقارب مدتها (تبلغ العتبة القصوى 7 سنتم من توسّع الرحم)، وإلا قد تجد صعوبة في تجميد جسمها خلال الحقنة! في الحالة المثلى، من الأفضل الانتظار إلى أن يفتح الرحم بمعدل 3 سنتم قبل إدخال الإبرة لأن هذا المعدل يشير إلى بداية المخاض الحقيقي. لكن لا داعي للقلق إذا أصبحت الانقباضات لا تُحتمَل وبالكاد فتح الرحم أو إذا قررت المرأة اللجوء إلى تخدير فوق الجافية في مرحلة متأخرة جداً لأن طبيب التخدير سيبذل قصارى جهده لتخفيف ألمها.

تقييم طبي ضروري

يمكن أن يستفيد معظم النساء من تخدير فوق الجافية إذا رغبن في ذلك ما لم تبرز أي موانع استعمال طبية (مشكلة في تخثر الدم، والتهاب حاد مع حمّى، وحساسية تجاه مواد التخدير الموضعي، وعدوى جلدية في موقع الحقنة، وبعض الأمراض العصبية النادرة). لكن قد يصبح استعمال الإبرة معقداً أو حتى مستحيلاً في بعض الحالات المحددة مثل وجود كسر سابق في الظهر أو الإصابة بالجنف أو البدانة... من الأفضل تقييم الوضع قبل يوم الولادة. لذا يوصي الخبراء جميع الأمهات بمقابلة طبيب التخدير في الشهر الثامن. بعد طرح الأسئلة اللازمة وإجراء فحص عيادي كامل، سيطلب الطبيب فحص دم للتأكد من سلامة الوضع. ستكون هذه التدابير الوقائية ضرورية للحد من المضاعفات المحتملة.

مخاطر محدودة

مثل أي عملية طبية، قد يترافق تخدير فوق الجافية مع آثار جانبية عابرة مثل خدر الساقين وهبوط بسيط في مستوى الضغط والحكّة وصعوبة التبول. كذلك، قد لا يكون التخدير قوياً بما يكفي أو قد يكون جانبياً... هذا الوضع ليس خطيراً بل يمكن التحكم به! في أقل من 1% من الحالات، قد تمر الإبرة بالغشاء الصغير الذي يحدّ مساحة فوق الجافية. نتيجةً لذلك، يمكن أن يسيل السائل الدماغي الشوكي ويسبب ألماً في الرأس. في مجال التوليد، لطالما حمل تخدير فوق الجافية سمعة سيئة على اعتبار أنه يبطئ المخاض أو يزيد معدلات الجراحات القيصرية. لكن أثبتت الدراسات العكس مع الجرعات المستعملة اليوم. كذلك، لا تؤثر هذه الإبرة سلباً في الطفل وتبقى المضاعفات الخطيرة نادرة، حتى أنها أقل من مستوى المضاعفات التي يمكن أن تحصل من دون تخدير فوق الجافية على الأرجح. بعد إدخال الإبرة، يمكن أن يتدخل الأطباء سريعاً عند وقوع أي طارئ، فيربحون أحياناً دقائق ثمينة!

الولادة بلا تخدير

هل تريدين أن تلدي طفلك من دون تخدير فوق الجافية؟ حاولي أن تتحرري من أفكارك المسبقة عن مسار الولادة: نادراً ما تكون مشاهد الأفلام شبيهة بالواقع! من دون تخدير فوق الجافية، يتبع الجسم إيقاعه الخاص لأنه يعرف ما يجب فعله لإنجاب الطفل. لذا يجب أن تثقي بجسمك وتشعري بالأمان في المقام الأول لتجاوز تجربة الولادة بكل سلاسة.

استعدّي مسبقاً

خلال الحمل، حسّني وضعك قدر الإمكان من خلال الالتزام بنظام غذائي متوازن وممارسة نشاط جسدي مناسب. توضح أوريلي سورميلي، مدرّبة متخصصة بفترة ما قبل الولادة وما بعدها: «إذا كان وضعك الصحي جيداً منذ البداية، ستتحسن ظروف الولادة الطبيعية». سيكون الاستعداد النفسي مهماً في هذا المجال أيضاً. لذا من الضروري أن تزيدي ثقتك بنفسك وتُحوّلي مخاوفك إلى مصدر قوة: ستساعدك الأفكار الإيجابية مثلاً على بذل هذا المجهود الجسدي الحاد.

أجلي الذهاب إلى المستشفى

هل تشعرين بأولى الانقباضات؟ حاولي أن تؤجّلي الذهاب إلى قسم الولادة في المستشفى قدر الإمكان. اطلبي من القابلة أن تأتي إلى منزلك مثلاً لتقييم وضعك لأنك لن تشعري في المستشفى بالراحة كما في منزلك عندما يحين موعد الولادة وقد يتباطأ المخاض لهذا السبب. كذلك، يؤثر الضغط النفسي في هرمونات الولادة وقد يزيد الأوجاع سوءاً.

من الضروري أن تزيدي ثقتك بنفسك وتُحوّلي مخاوفك إلى مصدر قوة

تخدير فوق الجافية يترافق مع آثار جانبية عابرة
back to top