ثورات مستحيلة

نشر في 28-04-2018
آخر تحديث 28-04-2018 | 00:06
 حمد الدرباس ابتهج الناس كثيراً عند سماع أي خبر عن سقوط طاغية في ذروة الربيع العربي، وكانوا يتوقفون عند ذلك عاجزين عن التحرك للاستمرار في مشروع التغيير، ببساطة لأن مشروع التغيير كان خاوياً ولم يكن يحمل سوى عنوانه العريض عن التحول الديمقراطي، ولم تكلف الشعوب نفسها في السعي إلى فهم معنى الديمقراطية والأسس التي تقوم عليها، اعتقدوا أن الديمقراطية ببساطة تعني حكم الأغلبية، في حين أن للديمقراطية معاني أكبر وأوسع.

فالديمقراطية أول ما تسعى إليه هو ضمان حقوق الأقليات، ومنها حق الفرد بالمشاركة الفاعلة في عملية اتخاذ القرار من خلال عملية التداول المستمر للسلطة، لم يحدث هذا في أي تجربة ديمقراطية على مستوى المنطقة، وكان هذا السبب الرئيس وراء انهيارات مرحلة ما بعد سقوط الدكتاتورية.

اعتقد أكثرنا أن الديمقراطية ستقبل بتحكم أغلبية دينية أو طائفية أو إثنية دون مشاركة غيرها، أو بتعبير آخر، الحكم على الأقليات بالخسارة مدى الحياة، أو في أحسن الأحوال التلطف عليها بهامش من المشاركة، دون أن ندرك أن هذه الأقليات لن تجد أمامها سوى التمرد في سبيل تحقيق مكاسب أكبر وأكثر عدالة، فتختل بذلك مبادئ السلم الأهلي وتتعقد الأوضاع.

كان من الممكن أن تكون نتائج البحث عن التغيير أفضل لو كانت الشعوب قد سعت إلى فرض صيغة تفرض تقنين إدارة المجتمع، بحيث تؤول المسؤولية قدر الإمكان للكفاءات من ذوي النزاهة، ولكن تجاهل هذه المسألة قد أدى إلى الواقع البائس، حيث احتكار السلطة باسم حكم الأغلبية التي لا تتزعزع مهما بلغ منها من ضرر.

وإلى حين فهم الشعوب مشكلتها الحقيقية فإن الحديث عن النجاح الثوري سيكون ضربا من الخيال وصرحا من الأوهام، فالديمقراطية التي تؤدي إلى السلم الأهلي تشترط التحرر من كل أشكال التعصب، ولا يمكن أن يتحقق هذا الشرط إلا من خلال نظام قانوني علماني ليبرالي بعيد كل البعد عن العصبيات الجذرية بكل أنواعها وأشكالها المختلفة.

back to top