على ماي تبديل مسارها الآن

نشر في 26-04-2018
آخر تحديث 26-04-2018 | 00:06
 الغارديان مَن يستطيع أن يؤكد بكل صدق أن الاتحاد الجمركي كان من أهم الأولويات التي يفكر فيها في موقع التصويت يوم الاستفتاء؟ عكس كل صوت عدداً من الحوافز، ولا شك أن تفاصيل الرسوم الجمركية الخارجية المشتركة في الاتحاد الأوروبي شكلت جزءاً من هذا الخليط، إلا أنها مثّلت العناصر الكيماوية الغامضة في مركب انتخابي معقد، أما الوصف الوحيد لهذه المادة التي حصلنا عليها فأشار إلى أنها مؤلفة من 52 جزءاً مؤيداً للانفصال و48 داعماً للبقاء، ووجهات النظر عن معنى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، التي تتخطى هذا الوصف، تُعبّر عن تفضيلات لا وقائع.

تريد تيريزا ماي أن تعني هذه المادة زوال الاتحاد الجمركي، مع أن هذا لا يعكس على الأرجح تفضيلها الشخصي، فاستعارت هذه الفكرة من النواب المحافظين الذين يؤمنون بأن الاستقلال التام يشكّل، عند عقد الصفقات التجارية في المستقبل، هدفاً أسمى تتراجع أمامه كل الاعتبارات الاقتصادية الأخرى، مثل عدم إحداث أي خلل في التجارة القائمة. ثارت ثائرة هذه المجموعة بسبب تقارير عن ميول رئيسة الوزراء إلى التسوية، ولكن وفق النمط المعتاد، سارعت الحكومة البريطانية إلى احتواء استيائهم بتطمينهم بأن الخطوط الحمراء القديمة لم تتبدل.

عادت ماي إلى مرحلة التخطيط، مع أنها لا تملك متسعاً من الوقت، وفي الوقت عينه يسعى النواب إلى وضع تصور أولي لخيار التراجع، واليوم الخميس سيصوّت مجلس العموم على قرار غير ملزم يدعم اتحاداً جمركياً، وسنشهد بعد ذلك تصويتاً أكثر تأثيراً بشأن تعديل مجلس اللوردات في الشهر المقبل.

يشكّل هذا كله جزءاً من صراع أطول بين ماي والبرلمان للسيطرة على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وستُخاض معركة أكثر أهمية الأسبوع المقبل بسبب تعديل آخر لقانون الانسحاب طُرح في مجلس اللوردات ويتمتع بدعم الأحزاب، مع أن وسيطه هو كير ستارمر، الوزير القليل البروز المعني بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. يعالج هذا الاقتراح سيناريو تعرض رزمة الخروج الأخيرة التي تقدمها ماي للرفض من البرلمان، وفي ظل الظروف الراهنة سيقود رفض مماثل إلى خروج من دون أي صفقة، لكن معظم النواب يعتبرون هذا الطرح مريعاً أكثر من أن يفكروا فيه حتى، لذلك تريده الحكومة أن يكون البديل الوحيد لما تقدّمه.

سيقدّم التعديل شبكة سلامة، مرغماً الوزراء على اتباع توجيهات النواب بشأن ما عليهم القيام به بعد ذلك في حال أخفقت صفقة ماي، صحيح أننا نجهل كيفية تطبيق ذلك عملياً، ولكن من الناحية النظرية تخفف هذه الخطوة القليل من الخطر المرافق للمواجهة الحاسمة في فصل الخريف.

في محاولة لتعزيز الرهانات ألمحت الحكومة إلى أنها قد ترفع من شأن عمليات التصويت على الاتحاد الجمركي وتعتبرها مرتبطة بالثقة المعطاة للحكومة، مع أننا لا نرى جلياً كيفية تلاؤم هذه الخطوة مع التفاصيل الضيقة لقانون البرلمانات المحددة المدة.

صحيح أن التهديد الضمني بوضع استمرار الحكومة في الميزان تراجع، إلا أن التوتر الكامن لن يزول، ويشبه الجدول الزمني البرلماني لعبة شطرنج متشابكة إلى أبعد الحدود، فقد بلغت اللعبة إحدى تلك المراحل المعقدة جداً التي تعمل فيها قطع عدة على تهديد وحماية بعضها معا: البيادق ضد الفرسان ضد الوزراء ضد المزيد من البيادق ضد القلاع، ولا أحد في البرلمان البريطاني يستطيع أن يخمّن عدداً كافياً من الخطوات في هذه اللعبة ليحدد الاتجاه الذي ستميل إليه الدفة في النهاية بعدما تقلص الهجمات والهجمات المضادة عدد الحجارة على لوح اللعبة.

لكن ماي ارتكبت هفوتها الكبرى سابقاً حين أصبحت رئيسة وزراء خلال مرحلة "الخروج يعني الخروج"، فقررت رئيسة الوزراء عدم المشاركة في التعقيدات المخفية لمشروع بدا سهلاً في الظاهر بسبب سؤال الاستفتاء المزدوج، ولم تقتنع ماي أن ثمة طرقاً للخروج من الاتحاد الأوروبي غير المسار الأشد والأكثر صعوبة، ربما فكرت في البقاء في السوق المشتركة، ومنطقة الاقتصاد الأوروبي، أو رابطة التجارة الحرة الأوروبية. تشكّل هذه عمليات خروج حقيقية من الاتحاد الأوروبي، إلا أنها تتلاءم أكثر مع معدل 52% إلى 48%، وبدلاً من ذلك بدت ماي مقتنعة بأن الديمقراطية تحتم صيغة تكون أقرب إلى معدل 100%، لكن هذا المركب هو الأقل استقراراً على الإطلاق.

فماي اليوم تواجه خياراً بين خروج وهمي صُمم لاسترضاء أقلية من المستحيل إرضاؤها وخروج فعلي يتطلب التسويات من كل الأطراف، لم يكن هذا قراراً ممتعاً، إلا أنه لم يكن صعباً أيضاً، ورغم ذلك لم تحسِن الاختيار، ولا شك أن تغييرها مسارها اليوم ليس بالأمر السهل، بيد أن الأوان لم يفت بعد.

*«الغارديان»

back to top