الغارات الجوية على سورية ليست استراتيجية

نشر في 24-04-2018
آخر تحديث 24-04-2018 | 00:12
من المرجح أن تظل سورية دولة منهارة لسنوات قادمة، مع حكومة غير شرعية تسيطر على معظم أراضي الدولة لا كلها، ولكن الحد من العنف وتحسين وضع بعض السوريين على الأقل قد يكونان ممكنين إذا لم تقم الولايات المتحدة بسحب قواتها.
 بروجيكت سنديكيت "ضربة تم تنفيذها بشكل رائع، لا يمكن أن تكون هناك نتيجة أفضل، المهمة تمت بنجاح". هذا ما كتبه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تغريدة بعد ساعات فقط من الهجوم الذي شنته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، عن طريق إطلاق أكثر من مئة صاروخ باتجاه ثلاثة مواقع في سورية، والتي يعتقد أنها منشآت لتصنيع المواد الكيميائية.

وكان هدف المهمة "التي تم تنفيذها" هو إثبات أن استخدام الأسلحة الكيميائية سيكون مكلفا للغاية بالنسبة إلى المسؤولين عن ذلك، ومن الناحية المثالية، من شأن ضربات عقابية كهذه أن تمنع الحكومة السورية، أو أي دولة أخرى، من استخدام الأسلحة الكيميائية مرة أخرى في انتهاك "لاتفاقية الأسلحة الكيميائية".

ومع ذلك ليس من الواضح إن كان ترامب قد حقق هذا التأثير الرادع، وقد أخفق الهجوم الطفيف في العام الماضي إلى حد ما في تغيير السلوك السوري، ومن غير المحتمل أن يؤدي الهجوم الأخير إلى تحقيق هذه الغاية فما حقّقته حكومة بشار الأسد بالأسلحة الكيماوية- السيطرة على المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في دوما والغوطة الشرقية- يفوق الثمن الذي دفعته، وليس هناك شك في أن الحكومة السورية لا تزال تمتلك أسلحة كيميائية ويمكنها إنتاجها سراً إذا لزم الأمر.

إن الإجراءات العسكرية لإجبار البلد على الامتثال للمعايير الدولية التي تحظر استخدام الأسلحة الكيميائية مشروعة ومرحب بها، وكذلك قرار تنسيق الاستجابة مع الحلفاء والتهديد بشن ضربات جديدة إذا تم استخدام الأسلحة الكيميائية مرة أخرى، فمن المهم الإشارة إلى أن معارضة استخدام أي سلاح من أسلحة الدمار الشامل عميقة وواسعة.

وفي الوقت نفسه يبدو أن الولايات المتحدة بذلت جهودا ملحوظة لتجنب صراع مع القوات الروسية والإيرانية، وقد قلل ذلك من خطر التصعيد، لكنه استبعد أيضا العديد من الأهداف المحتملة، مما حد من السعر الذي دفعته الحكومة السورية مقابل أعمالها، لهذا السبب ولعدة أسباب أخرى، لا ينبغي المبالغة في نتائج هذه الهجمات الصاروخية.

يمكن للحكومة السورية أن تفسر السياسة الأميركية بشكل معقول على النحو التالي: "سنقف مكتوفي الأيدي ولن نقوم بشن أي هجوم رغم قيامكم بإرهاب أو قتل شعبكم طالما أنكم لا تستخدمون الأسلحة الكيماوية". في الواقع كانت هذه هي الحال في السنوات السبع الأخيرة، عندما قُتل ما يقرب من نصف مليون سوري، وأجبر أكثر من عشرة ملايين على مغادرة منازلهم، وإن سياسة ترامب الخارجية ليست سيئة بقدر ما هي غير أخلاقية.

ومن المؤكد أن الضربات الصاروخية لم تكن مصممة لتقويض إمكانات نظام الأسد على المدى الطويل، وبسبب دعم روسيا وإيران إلى حد كبير، يسيطر الأسد بقوة على السلطة، ومن المرجح أن يظل كذلك في المستقبل المنظور، وهذا واقع مرير بالنسبة إلى الكثيرين لكنها الحقيقة.

كيف سيؤثر ذلك على سياسة الولايات المتحدة، وسياسة الحكومات الفرنسية والبريطانية والحكومات العربية المناهضة للأسد؟ لا يزال ترامب مصمما على إيقاف الوجود العسكري الأميركي في سورية (الذي يبلغ الآن نحو 2000 جندي). لقد أوضح ذلك عندما أعلن الضربات الصاروخية حيث قال "إن أميركا لا تسعى إلى وجود دائم في سورية تحت أي ظرف من الظروف"، و"مع قيام الدول الأخرى بزيادة مساهماتها، فإننا نتطلع إلى اليوم الذي يمكننا فيه إعادة محاربينا إلى الوطن".

فإذا كان الهدف هو تجنب خلق وضع يمكن فيه لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أو غيره من الجماعات الإرهابية إعادة تشكيل نفسها، فإن ذلك اليوم يظل بعيداً، ويقال إن الولايات المتحدة تحاول إقناع مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن بإنشاء قوة سنية تحافظ على النظام في المناطق المحررة من "داعش". وليس من الواضح ما إذا كان سيكون هناك مثل هذه القوة، بل من غير المؤكد أنها يمكن أن تتصرف بمفردها، نظرا إلى قدرات هذه البلدان المتواضعة والتزاماتها الواسعة، فهناك حاجة لوجود ومشاركة عسكرية أميركية كبيرة.

سيكون هناك حاجة إلى وجود المزيد من القوات الأميركية للحفاظ على التنسيق مع القوات الكردية السورية، التي خاضت المعركة ضد "داعش" لكن استمرار دعم الأكراد دون التسبب بمشاكل إضافية مع تركيا، التي أدخلت قواتها إلى المنطقة لإضعاف السيطرة الكردية، قد يكون مستحيلاً، وتتطلب هذه الحقيقة تقليل اعتماد الجيش الأميركي على الوصول إلى القواعد التركية.

لم يقل ترامب شيئاً عن أزمة السوريين النازحين داخلياً، ولم تقبل أميركا، التي استضافت أكثر من 10.000 لاجئ سوري قبل عامين، سوى عدد قليل من اللاجئين العام الماضي، وما زالت مسألة من الذي يجب أن يدفع، وإلى أي مدى، لدعم اللاجئين السوريين والدول المجاورة التي قامت باستضافتهم بلا حل.

يتعلق السؤال الأخير بالدبلوماسية، فلا توجد توقعات واقعية لتنظيم عملية الانتقال السياسي في دمشق، لكن من الممكن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار المحلي وإنشاء مناطق يمكن أن يعيش فيها المدنيون السوريون (لكن ليس القوات الحكومية) بشكل آمن، ومع ذلك فإن مثل هذه الترتيبات من المحتمل أن تتطلب مشاركة ودعم من روسيا للحفاظ على حكومتي سورية وإيران في المفاوضات، لقد تصرفت روسيا بشكل غير مسؤول في الآونة الأخيرة، لكن لا تزال هناك أمامها فرصة اختيار تقديم مساعدة محدودة، على الأقل من أجل خفض تكاليف سياستها السورية.

لكن هذا ليس هو الحل؛ من المرجح أن تظل سورية دولة منهارة لسنوات قادمة، مع حكومة غير شرعية تسيطر على معظم أراضي الدولة لا كلها، ولكن الحد من العنف وتحسين وضع بعض السوريين على الأقل قد يكونان ممكنين إذا لم تقم الولايات المتحدة بسحب قواتها، وإذا ساهمت الحكومات السنية بالدعم المالي والعسكري، وإذا تم إقناع روسيا بتأدية دور أكثر إيجابية نوعا ما.

* رئيس مجلس العلاقات الخارجية ومؤلف كتاب "العالم في فوضى".

«بروجيكت سنديكيت، 2018»

بالاتفاق مع «الجريدة»

من الممكن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار المحلي وإنشاء مناطق يمكن أن يعيش فيها المدنيون السوريون بشكل آمن
back to top