استجوابات التضامنيات!

نشر في 24-04-2018
آخر تحديث 24-04-2018 | 00:13
 د. حسن عبدالله جوهر الدكتور خلدون النقيب، رحمه الله، لم يكن عالم اجتماع أو أستاذاً للتاريخ فحسب، بل كان رساماً سياسياً ومبدعاً في تشخيصه للحالة السياسية في الكويت، ولعل بعض تحليلاته القديمة تشخص لنا بعض المشاهد التي نراها ونعيشها في المشهد السياسي، ويرجع الدكتور النقيب سبب الفشل في الكثير من القضايا الوطنية إلى عدم نضج مفهوم المواطنة، لدى الكثير من الناس بمن فيهم الرموز السياسية الفاعلة، سواءً في بعدها القانوني أو السياسي، الأمر الذي أتاح للسلطة أن تتعاطى مع المجتمع الكويتي على أساس مبدأ التضامنيات، أي كحزمة من الجماعات المختلفة المتمثلة بالبدو والحضر والشيعة، بحيث تقترب أو تبتعد علاقتها مع هذه المكونات على ضوء معطيات كل مرحلة.

هذا التحليل يتناسب بشكل كبير مع ما نشهده من سلسلة استجوابات تقدم بها مجموعة من النواب لمساءلة وزير النفط ووزيرة الشؤون وسمو رئيس مجلس الوزراء، ومشكلة هذه الاستجوابات جميعها أنها تنطلق من دوافع قبلية واجتماعية وطائفية متناحرة فيما بينها من جهة، وموجهة لحكومة يفترض أنها متضامنة من جهة أخرى.

الكوميديا السوداء في هذه الاستجوابات تكمن في أن مجموع الأصوات النيابية لكل استجواب على حدة قد تتجاوز الـ40 صوتاً مما يعني القضاء على الحكومة سياسياً بسهولة، ولكن الواقع أن محصلة طرح الثقة على كل وزير يتراوح بين 12 و17 صوتاً، الأمر الذي يعني أن الحكومة قد تفلت من الاستجوابات الثلاثة بكل سهولة.

وتفسير ذلك أن كل الاستجوابات لم تصل إلى حد النضج السياسي في مفهوم الحكومة والمعارضة، فالاستجواب الأول هو استجواب الحضر ضد البدو، والاستجواب الثاني هو استجواب البدو ضد الحضر والاستجواب الثالث هو استجواب الشيعة ضد السنة، بمعنى أن الحكومة كسلطة تنفيذية غير معنية أبداً بالمحاسبة والمساءلة من قبل السلطة التشريعية كما ينص الدستور، وهدف كل استجواب هو الانزعاج من شخص ما في الحكومة لا من أدائها وتقييمها ومحاسبتها على السياسة العامة في الدولة.

هذا الخلل السياسي في منظومة العمل البرلماني هو العائق أمام نضج الديمقراطية التي مارسناها على مدى نصف قرن دونما نتائج حقيقية وملموسة، وما قاله الوزير السابق عبدالرحمن العوضي في لقاء حديث بأنه كان يشتري ولاء بعض أعضاء مجلس الأمة قبل 40 سنة وبالاتفاق مع رئيس الوزراء بمبلغ 200 إلى 300 دينار، لا يزال هو الطبيعة المتبعة في التعامل مع بعض النواب على امتداد مجالس الأمة حتى وقتنا الحاضر، وإن اختلفت تسعيرة شراء الولاء بكل صور المحسوبية ودهان السير.

الاستجوابات وخصوصا استجواب رئيس الوزراء إن تمت مناقشته قبل صدور حكم محكمة التمييز في دخول أو اقتحام المجلس سيكشف الكثير من الأوراق والمواقف، وإذا اتصفت مجموعة من النواب بمزيج من السنّة الحضر وأبناء القبائل والشيعة بالذكاء السياسي وشاركوا في تقديم ورقة عدم التعاون فسنكون أمام مشهد فريد تكشف فيه كل الأسرار وتسقط كل الأقنعة، وعندها يمكن أن نقول للمرحوم خلدون النقيب إن نظريتك السياسية قد انتهى عمرها الافتراضي!

back to top