انتبهوا... نحت في المدينة المنورة!

نشر في 22-04-2018
آخر تحديث 22-04-2018 | 00:15
 مظفّر عبدالله أول العمود:

رفض الممثلة الأميركية الشهيرة ناتالي بورتمان حضور حفل تكريم المتميزين في إسرائيل من قِبل مؤسسة "غينيس" بسبب موقفها من الحوادث المأساوية التي يعيشها الفلسطينيون يؤكد تأثير الفن كموقف في السياسة.

***

"ملتقى المدينة المنورة للنحت"، هذه جملة ساحرة صادمة غابت قسرا لعقود من الزمن بسبب تفسيرات مشوهة للفن- كفعل إنساني فِطري- من مفسري المسائل الدينية.

في "جادَّة قُباء" بالمدينة المنورة، حيث يقام هذا المهرجان الفريد بإشراف هيئة تطوير المدينة وبرعاية كريمة من أمير المنطقة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز.

١٦ نحاتا من السعودية والبحرين والعراق والكويت وعمان والأردن والجزائر والمغرب ودول أخرى يساهمون في ترقية الذائقة العامة من خلال عملهم في مكان مكشوف للمارَّة يتفاعلون بفنهم بشكل مباشر مع عامة الناس. هذه البادرة من هيئة تطوير المدينة التي بدأت في ٨ أبريل الجاري وتستمر حتى ٢٦ منه لها مدلولان: الأول الجرأة الحميدة على مسح كل ما يَعْلُق مِنا نحن بالدين الإسلامي والمسلمين من تشويه يضُر بصورتهما أمام العالم، فاختيار مدينة مقدسة لدى المسلمين لتكون حاضنة لهذه الفعالية الفنية الراقية يُعد تطوراً لافتاً، ويَكبُر بكثير افتتاح دور سينما في مناطق سعودية رغم أهميته الاجتماعية والترفيهية. المدلون الثاني أن عمليات التغيير والانفتاح في المملكة تسير بخطى مدروسة لا تُجامل على ما يبدو أحداً حول مفاهيم مغلوطة سادت وخصوصا النظرة للفن، والنحت كنموذج هنا، والذي طالما ارتبط بالتحريم لجنوحه نحو التمثيل الجسدي للكائنات. اتصلت بزميلي النحات فهد الهاجري الذي يمثل الكويت هناك، ودار بيني وبينه حديث هاتفي، كنت أريد أن أستمع من صاحب تجربة ومعايشة هناك، فهد كان فرحاً جدا بمشاركته إخوانه العرب في ممارسة فن النحت في المدينة المنورة، قال لي إنه لم يسمع أو يرَ أي امتعاض من الناس للأعمال التي يقومون بها كونها مرتبطة بفن يُنظر إليه بشيء من الريبة والتحريم، بل على العكس، رأى التشجيع والتأييد منهم، وأخبرني عن مهنية المهرجان والترتيبات اللوجستية التي تم توفيرها للمشاركين، من إقامة في الفنادق، وتذاكر سفر، ومعدات ومواد رخام للنحت، ومكان واسع للعمل ومباشر مع المارة، ودعاية وإعلان وتغطيات إعلامية واسعة.

صحيح أن معظم الأعمال كانت تبتعد عن التجسيد للكائنات وتركز على جماليات أخرى كالأمكنة وبعض أعمال التجريد، لكن يبقى أن توظيف هذا الفن في مكان مثل المدينة المقدسة يُعد دفعاً للأمام.

تذكرت هنا المعالجة الإعلامية السمِجة التي أطلت بها علينا صحيفة يومية «رصينة» ! حينما عالجت موضوع تطوير القصر الأحمر بإضافة شواهد لتمثيل الحرب التي شهدها القصر قبل عقود من الزمن، فهيجت الناس بدخولها الإعلامي الفج الذي يدفع المواطنين والأطفال الذين تم لقاؤهم في قناة الصحيفة على اليوتيوب بأن التجسيد حرام، ومرعب للأطفال!! فيا للتعاسة.

أذكر هنا، وعلى السياق ذاته، ما يحدث في المدينة المنورة، بأن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب قد اعتمد العام الماضي ملتقى الكويت الدولي الأول للنحت، والذي قُرر له الاستمرار كل عامين، ونتج عنه أعمال غاية في الرُقي لنحاتين عرب وأجانب، وهي معروضة للزوار حاليا في متحف الفن الحديث.

تحية للقائمين على ملتقى المدينة المنورة للنحت، وللمشاركين فيه، فهم يساهمون بجهد عظيم يلفت نظر العالم بأن شيئا يجمع ملايين البشر وهو الفن، وأين؟ في أول عاصمة سياسية في الإسلام، وثاني أقدس الأمكنة عند المسلمين بعد مكة المكرمة.

شكرا لهيئة تطوير المدينة.

back to top