الكتلة الشرقية الجديدة في أوروبا

نشر في 21-04-2018
آخر تحديث 21-04-2018 | 00:00
بالنسبة إلى أوروبا الوسطى والشرقية كان دخول الاتحاد الأوروبي الدافع وراء الإصلاح الديمقراطي والتنمية الاقتصادية، ولكن بعد أن دفعت الأزمة المالية وأزمة اللاجئين ذلك التكتل إلى التراجع لم تعد الصلة بين الديمقراطية الليبرالية والرفاهية الاجتماعي جلية كما كانت الحال في السابق، وبعد الأحاديث عن الانحطاط وعجز الغرب عن السيطرة يبدو الشرق الصاعد جذاباً بصورة متزايدة، وقد استفادت الصين من ذلك بشكل تام.

كما أن دول أوروبا الشرقية، وبعد التحرر من قيود القوة السوفياتية، انضمت طواعية إلى التجمع الجديد الذي يقسم أوروبا من جديد إلى شرقية وغربية، وفي هذه المرة تحت النفوذ الصيني، وأصبح تعبير «أوروبا الشرقية 2.0» ترتيباً أفضل كثيراً من التكتل القديم، ولكن ذلك يمثل تهديداً خطيراً للأمن والازدهار في المنطقة من خلال تقويض التحالفات القائمة كما يشير إلى عودة إلى الاتجاهات الأوليغاركية واتباع «النموذج الصيني».

وهذا التجمع– الذي تشكل بصورة رسمية في شهر أبريل من عام 2012– على شكل مبادرة تحت اسم «16+1» يجمع بين جمهورية الصين الشعبية و16 من دول أوروبا الشرقية بعد العهد الشيوعي، وقد حظي بقدر قليل من الاهتمام في الغرب، ولكن المثير للقلق بقدر أكبر ربما هو أن مضاعفاته كانت مفهومة بصورة طفيفة في تلك المنطقة نفسها.

الدبلوماسية الصينية

وفي بكين كان هذا التجمع (16+1) يعتبر حتى وقت قريب «ضربة معلم» حققتها الدبلوماسية الصينية، فهي لم تسهم فقط في تقسيم أوروبا، بل إنها جمعت بعض دول الباحة الخلفية السابقة لروسيا ونادي الاتحاد الأوروبي من دون حدوث الكثير من الاحتجاج من الجانبين.

يذكر أن الاتحاد الأوروبي انهمك في مشاكل أخرى شملت أزمة الهجرة وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتعتبر موافقة روسيا الضمنية إشارة على التعاون التكتيكي المتنامي بين قوتين عظميين تجلت في المقام الأول في آسيا الوسطى من خلال منظمة شنغهاي للتعاون.

وبشكل أولي ربما ساعد الغموض الذي غلف مشروع 16+1 الصين على طرح مفاجأة، حيث إن الوثائق الأولية لهذا المشروع كانت مملوءة بتعابير مشرقة مثل «الفوز» و»الصداقة» و»الانسجام» مع شراكة شاملة بين الصين والاتحاد الأوروبي، ومن المحتمل أن بعض قادة أوروبا الوسطى والشرقية على الأقل لم يفهموا بشكل تام ما الذي سيواجههم.

وفي الآونة الأخيرة أصبحت مبادرة 16+1 بشكل فعلي منصة لأوروبا الشرقية من أجل تنفيذ مبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ المعروفة باسم الحزام والطريق، والتي تركز بشدة على السياسة الخارجية الصينية، وربما أنه بسبب هذا العامل وزيادة التوتر في بروكسل قررت بكين أخيراً أن تحد من اندفاعها: قمم 16+1 في المستقبل ستعقد مرة واحدة كل عامين بدلاً من كل عام كما هي الحال في الوقت الراهن.

ميزة الصين

لا تزال الصين تتمتع بميزة كبيرة في الترتيبات، وخطة 16+1 لا تسمح لأعضائها بالعمل على شكل كتلة اقليمية في التعامل مع الصين، وبدلاً من ذلك فهي تنظم علاقات ثنائية مريحة بالنسبة الى بكين.

وتجعل الشراكة الثنائية من الأسهل بالنسبة الى الصين تجاوز التحالفات القائمة وإعادة الارتباط مع الدول على شكل جزء من نظام مركزي صيني، كما أن تجمع 16+1 ينطلق عبر حدود الاتحاد الأوروبي– وهو يشمل أحد عشر عضواً في الاتحاد الأوروبي وخمسة أعضاء من خارجه– ويوفر لبكين البديل للتعامل مع الاتحاد الأوروبي ككل. وبدلاً من المساومة بصورة جماعية فإن دول 16+1 تهدف الى التنافس من أجل التحول الى «بوابة الصين المفضلة الى أوروبا».

وقد عرض الرئيس التشيكي ميلوس زيمان علانية بلاده على شكل «حاملة طائرات للصين في أوروبا» وتحدث رجال سياسة في صربيا عن قيامهم بدور الطالب الأفضل في قاعة درس الصين بطريقة تمكن من تحويل «16+1» الى «15+1+1».

وشجع هذا الترتيب بعض الدول على النأي بنفسها عن تحالفاتها القائمة حالياً، وفي مقابلة سبقت زيارة الرئيس الصيني الى براغ في سنة 2016 أعلن زيمان أن جمهورية التشيك– وهي عضو في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي- كانت تخضع بشدة الى بروكسل وواشنطن، وطرح شراكة جديدة مع الصين على شكل اشارة تظهر أن بلاده أصبحت مستقلة من جديد.

واتخذ الرئيس الصربي السابق توميسلاف نيكوليتش موقفاً مماثلاً في العام الماضي عندما أعلن أن صربيا– التي تطمح بصورة رسمية الى الانضمام الى الاتحاد الأوروبي في أقرب وقت ممكن– قد أصبحت دولة حرة، ولذلك فهي لا تخشى من إقامة شراكة مع الصين.

النموذج الصيني

كانت فكرة «16+1» تهدف الى استفادة دول أوروبا الشرقية من الامكانات الاقتصادية الصينية، وخصوصا عبر اجتذاب استثمارات الى تلك البلدان، ولكن مستوى الاستثمارات الصينية في تلك المنطقة يظل متدنياً مقارنة مع استثمارات اللاعبين الآخرين ومع استثمارات بكين في أوروبا الغربية.

ويصعب قياس التأثير السياسي الحقيقي لهذا التجمع لأنه طرح قلة فقط من الوثائق العلنية في هذا الشأن، وفي جمهورية التشيك، على سبيل المثال، تحولت جهود العلاقات العامة الى أسلوب الأبواب المغلقة مع استبعاد الصحافيين من معظم الأحداث الثنائية والتكتم على زيارات كبار المسؤولين، ولكن تأثير الصين كان واضحاً في جانب واحد وهو إضفاء الطابع السياسي على الاقتصاد.

وتهدف دبلوماسية الصين الى «عولمة 2.0»، وهي بشكل أساسي تصدير «النموذج الصيني» لرأسمالية الدولة التي تجمع بين آلية الأسواق المختارة والسيطرة الاجمالية لحزب الدولة.

ويتعارض «النموذج الصيني» مع النظام المتبع في دول الاتحاد الأوروبي، وفيما يعتمد النظام الأوروبي على تنظيم مصمم من أجل ضمان منافسة عادلة ومفتوحة فإن نموذج الصين يرفض بشدة التنظيم لمفاوضات مؤقتة، إذ يفضل أن تكون على مستويات سياسية ثنائية وخلف أبواب مغلقة.

وقد أصبحت السخرية من القوانين الاتحاد الأوروبي سمة وطنية في عهد فيكتور أوربان، ولكن رئيس وزراء هنغاريا ليس مستعداً لتغيير القوانين، وجمهورية التشيك طلبت من الصين أن تحصل على عقود من دون مناقصات عامة من أجل بناء مصنع جديد للطاقة النووية في ديوكوفاني.

ممارسات الاتحاد الأوروبي

ومن المفارقة أن ذلك لا يتساوق مع ممارسات الاتحاد الأوروبي إزاء مبادرات الصين بين أوساط النخبة في دول أوروبا الوسطى، وتأتي أموال التكتل مع متطلبات شفافية ومساءلة قوية فيما تفتقر أموال الصين «من دون قيود»، وهذا يعني أن الأموال الآتية من بكين يمكن أن تستخدم في شبكات الرعاية.

ومنذ حقبة تسعينيات القرن الماضي عندما منحت الخصخصة ميزة القلة التي تتمتع بعلاقات سياسية تمكنت النخبة الاقتصادية في المنطقة من السيطرة على قطاعات رئيسة مهمة عن طريق صفقات تمت في غرف خلفية وعبر علاقات سياسية وليس نتيجة كفاءة عملية، وهذه الطبقة الجديدة من الأوليغاركية تجد أن من الأسهل في أغلب الأحيان عقد صفقات أعمال مع نظرائها في الصين (وروسيا) بدلاً من اتباع الأنظمة المشددة في الاتحاد الأوروبي.

وتستعد بعض دول أوروبا لمواجهة صدام رئيسي: بين متطلبات المناقصات المفتوحة والعقود التي تمنح عبر صفقات سياسية وبين المنافسة الاقتصادية وتواطؤ المصالح الاقتصادية والسياسية، وأخيراً بين الرأسمالية الديمقراطية ورأسمالية الدولة التي تهيمن عليها شبكات أوليغاركية.

* مارتن هالا

back to top