كلمة السر! (1- 2)

نشر في 05-04-2018
آخر تحديث 05-04-2018 | 00:00
 مسفر الدوسري تستوقفني عبارات تتكرر في معظم سيناريوهات العلاقات العاطفية التي تقف على حافة نهاياتها أو شارفت، عبارات تدور في فلك اتهام الآخر بأنه لم يعد كما كان مُحباً، ودلائل هذا الاتهام دائماً واقعية، ولا يمكن نكرانها؛ "كنت معك في يومك خطوة بخطوة، الآن لا أكاد أعلم عن يومك سوى القليل"، "كنت تكاد تموت لهفة لتراني، أصبحت الآن تعتذر عن موعدنا"، "كنت تتفقد هاتفك كل لحظة لعلك تجد اتصالا مني، والآن لا ترد إلا بعد الحاحي بالاتصال"، وقائع ليست من نسج خيال الطرف المتضرر، بل هي تحدث بالفعل، أو صور أخرى مشابهة لها، لكنها تحمل لافتة واحدة تقول: "لم تعد تحبني كما كنت"، هذه العلة هي السبب الرئيسي في موت معظم العلاقات العاطفية، كما ذُكر في شهادات وفاتها، يولد الحب بقلوبنا في مهاد من الشغف، شغف يقابله شغف لا يقل عنه في قلوبنا، نفرح بالمولود في أيامه الأولى، نهتم بكل أشيائه الصغيرة، أول حروف ينطقها، أول خطوة يخطوها، إحساسنا بارتطام قلوبنا مع كل سقطة له قبل أن يتعلّم المشي، الفزع من أي سلوك منه غير معتاد، الرعب عند تعرضه لأي عارض صحي، وإن كان بسيطا، غفراننا له شغبه وأخطاءه وخطاياه، وأخذنا لها على محمل من شقاء الطفولة، كل ذلك بدافع من شغف يوقد النار تحت فخار حنايانا، ليُنضج قلوبنا غذاء لذلك الطفل، إلا أن هذا الشغف المتبادل بيننا وبين الحب تخفت جذوته مع الزمن إلى أن يصبح رماداً، فتتعفن قلوبنا في آنية الفخار، وتصبح غذاء فاسدا للحب.

هذه هي الدورة الحياتية المعتادة للعلاقات العاطفية، العامل المشترك في موت معظمها افتقاد الشغف، وكأنما هو روح الحب والمحرك لكل تصرفاتنا العاطفية، وهو الذي يجعلنا نسند مرافقنا على زوايا الشبابيك المفتوحة على الدروب المحتملة لمرور عطر ما، وهو الذي يعيد جدولة أولويات أيامنا، ويعيد ترتيب أمانينا، وهو الجهة الوحيدة المعتمدة لقبول أحلامنا أو رفضها قبل أن ننام، وهو خزان الأوكسجين الذي لا يفارق الحب عند وقوعه في بحر قلب، يموت الحب غرقاً في ذلك القلب عند نفاد الخزان، وكأنما الشغف هو شعلة الحياة في أي قصة حب، فإن كانت تلك حقيقة – وأنا أشك في ذلك- فهذا يعني أن كل حب محتوم بالموت، فالشغف نار مآلها الرماد، وإن لم تجد ما تأكله أكلت ذاتها، لا يمكن أن تكون القلب النابض للحب، فاللهفة فانية والحب خالد، قصص حب مازلنا نستطعم الماء من كاسات عشاقها، حتى بعد فنائهم بسنين طويلة، وأخرى مازالت تحرض الغيوم خلف مآقينا في بعض أحداثها، وتهز مراجيح البهجة في أحداثها الأخرى.

لا يمكن أن تكون اللهفة سر بقاء الحب حياً رغم ارتباطها الشيطاني بنهاية قصص حب كثيرة. لا يمكن أن يكون "عود الكبريت" المشتعل سر نور النهار، ولا يمكن أن تكون "وردة" سر حياة النسيم، لكن إذا لم يكن الشغف هو الرمز السري لديمومة الحب، فما هي كلمة السر إذن؟!

back to top