ثقافة الفساد السياسي

نشر في 19-03-2018
آخر تحديث 19-03-2018 | 00:08
 د. بدر الديحاني الفساد السياسي المؤسسي (فساد المنظومة السياسية) هو، كما ذكرنا من قبل، أشرس أنواع الفساد وأكثرها سوءاً ودماراً للمجتمع، فهو يُمركز السلطة والثروة في أيدي القِلة، ويُدمّر أركان الدولة ومؤسساتها وأجهزتها، كما أنه لا يمكن الحديث عن أي إصلاح اقتصادي أو تعليمي أو مالي في حال استشراء الفساد السياسي المؤسسي الذي يُكرّس قيم نمط الاقتصاد الريعي، ويخلق بيئة ثقافية فاسدة، وقيما وعادات وتقاليد اجتماعية انتهازية ولا أخلاقية، وسلوكيات مُتخلّفة تشجع جميعها على ممارسة الفساد بأشكاله وأنواعه كافة، وكأنه هو السلوك الطبيعي والمقبول اجتماعياً.

وفي بيئة فاسدة كهذه تتبدل المفاهيم والدلالات اللغوية، فالسارق أو النصاب أو الذي يستغل وظيفته العامة من أجل مصالحه وأغراضه الشخصية "ذيب دبّر أموره ونفع ربعه"، والانتهازي أو المنافق "خوش ولد"، والفداوي "شقردي يعجبك"، أما الشريف النزيه "مسكين لا يعرف مصلحته ولا ينفع نفسه"! في بيئة الفساد السياسي يفقد معظم الناس ثقتهم بمؤسسات الدولة وقوانينها فتحصل فوضى في المجتمع وتصبح ثقافة "من لهُ حيلةٌ فليحتل" هي السائدة، وهو ما تسعى إلى تحقيقه مافيا الفساد "وفداويتهم" الموزعون في أجهزة الدولة ومؤسساتها، لأن الناس يضطرون، عند استشراء الفساد وغياب العدالة الاجتماعية، إلى طلب مساعدتهم في الحصول على حقوقهم المشروعة، فيزعمون، عندئذ، في وسائل إعلامهم ومن خلال أبواقهم المأجورة أن "الكُلّ فاسد"، أو أن "المواطن هو من يتحمل مسؤولية الفساد"، وذلك في محاولة بائسة لشيوع المسؤولية كي لا يتم تحميلهم المسؤولية ومحاسبتهم، مع أن المسؤولية بقدر السُلطة مثلما هو معروف. ولذلك فإنه ينبغي على القوى المدنية والديمقراطية التي تكافح الفساد السياسي المؤسسي ألا تضيع وقتها وجهدها في التوقف كثيراً أمام النتائج أو الأعراض والمظاهر، فهي كثيرة ومتنوعة ومتجددة باستمرار أي "عدّ وخربط"، كما يقول المثل الشعبي، بل ينبغي عليها أن تشير مباشرة إلى جذور الفساد السياسي المؤسسي وأسبابه الحقيقية والقوى السياسية المسؤولة عنه والمُشجّعة عليه، وطبيعة بيئته وقيمه الفاسدة، ثم عليها أن تبين للناس أن القضاء عليه لا يتحقق بالمسكنات المؤقتة، بل بمشروع الحكم الصالح والرشيد مع الأخذ في الاعتبار أن مافيا الفساد السياسي ستقاوم بشراسة أي تغيير، ولن تستسلم بسهولة، خصوصاً أنها تملك قوة سياسية ومالية وإعلامية أفسدت البيئة العامة لسنوات طويلة، وهو الأمر الذي يتطلب من القوى المدنية والديمقراطية العمل الدؤوب على كسب ثقة الناس في جدية ومصداقية ما تطرحه من برامج وطنية عابرة للقبائل والطوائف والعوائل، وذلك كي يلتفوا حولها ويدافعوا عنها باعتبارها مشروعهم الذي سينقذ الوطن من مافيا الفساد السياسي.
back to top