دموع حمراء

نشر في 17-03-2018
آخر تحديث 17-03-2018 | 00:00
No Image Caption
قبل تلقي كريستال ذلك الخبر، وبعد مقتل ريتشارد المزعوم مع جنود الآنسة راشيل، وعندما تم الاقتصاص من ذلك الشاب مجهول الهوية، خسرت قلعة النور جنوداً كثراً ودمّرت الحرب بيوتهم الجميلة، وأعلنت قلعة الحاكم سيلفر بعد ذلك عن سيطرتها على قلعة النور، فأصبح حاكماً لخمس قلاع في ذلك الوقت.

صرخت عجوز تبكي على أحفادها الذين كانوا ضمن الضحايا، وبكت الأمهات على صغارهنّ فحزن أغلب الرجال وساد البؤس على وجوههم.

بعد ساعات عدّة من حمل الجثث ودفنها، أقيم العزاء للضحايا في الصباح التالي. انتهوا من آخر جثة دفنوها وقد كانت لطفل بعمر العاشرة، قَدم أهالي القلعة يبكون وقد كان من بينهم روي الذي حزن على راشيل فتعجب وهو يبحث عن طوني، بيد أنه لا يعلم عن أمر اسمه الحقيقي أبداً، فتجاهل أمره بعدها.

اقترب مكسيم بغضب بعد أن رأى الموتى الكثر فصرخ: لم يرحل العدو إلا بعد مقتل الأمير ريتشارد، أي أن الحرب كانت قائمة على مقتله؟ لو أنكم أخرجتموه قبل تلك الحرب ألم يكن أفضل؟

تفاجأ أهالي القلعة، في حين اقترب قائد الجنود وهو يقول بغضب: لا تشعل الفتن يا فتى، تلك الحرب أقيمت على موت الآنسة راشيل وجنودها، وقد قتل الأمير صدفة فيها.

ثم نظر إلى أهالي القلعة: دعونا نكمل العزاء في قلعتنا، فهي بحاجة ماسة إلينا الآن.

راقب كارل الجميع من بعيد، وعندما رحلوا عاد إلى مقرهم السري فدخل وهو يقول بهدوء: تأكدت من أسماء قبورنا جميعاً، كان الأمر صعباً حين ترى قبوراً وهمية ذات أسماء لا أجساد فيها.

ثم فتح ذراعيه قائلاً بسخرية: نموت ونحن أحياء نرزق!

ضحك فريقه في حين تأمل ما حوله فتعجب وتساءل: أين القائد ريموند والأمير ريتشارد؟

بجانب المقر السري، في مكان ما على الجبل يطل على السحب والطيور المحلّقة، تنهد ريموند ثم قال: أنا وأنت حكايتان من أصل حدث واحد موجود في مكان واحد أيضاً.

ثم نظر إلى ريتشارد بهدوء: كان والدي مع الجنود الذين أمرهم سيلفر بالثورة المفاجئة، لقد أخبرهم بأن الحال تبدّل ويجب أن نُخرِج الملك مع عائلته بطريقة كما يراها الشعب. كانت خطته هي إخافة عائلتك كما ذكرها والدي، لكن حين اقتحموا القصر تفاجأ والدي بالقتل بغتةً من دون أي سبب يُذكر! قَتَل الجنود كل كائن بشري يرونه أمامهم، وحين لمح عائلتك تهرب في الأعلى، صد عنهم وكأنه لم يرهم، فسمع جنوداً في الأعلى يصرخون حين وجدوكم فلحق بكم لإنقاذكم.

ثم أعاد نظره يتأمل السماء: لم يرضَ والدي بخطة سيلفر المفاجئة، فأراد أن يسيّرها كما لو كانت من قبل، لذا عندما وصلوا إلى مطبخ القصر، ذهب إليهم وأخبرهم بأن سيلفر يخبرهم بالعودة لأنه قتل الملك. أراد الجنود اللحاق بكم حين هربتم لكنه استوقفهم ومنعهم من المضي قدماً.

ثم صمت لوهلة فنظر إلى ريتشارد وقال بهمس: ضحّى والدي لأجلكم، فقتله سيلفر في صباحه التالي. كنت هناك متسللاً فشاهدت موته العبثي جداً! كان يبرر لسيلفر عن قناعته فأخرسه بطلقة في رأسه.

ثم ابتسم ببرود: دُفِن مع عائلتك في قبر واحد بعضهم فوق بعض، وأحرقت بقية الجثث في قبور أخرى مجاورة، مُت بغيظي واحترق قلبي على ما فعله، فاتفقت مع الآنسة راشيل على التقرب منه، اقتربت منه إلا أن دهشتي كانت تزداد في كل خطوة أخطوها إليه! لا يأتمن أحداً، وغرفة نومه الخاصة لا يدخلها أحد، حاولت مرة أن أدخل بطريقة ما لكن محاولتي باءت بالفشل، لقد كان هناك جنود عند الباب لا يتزحزحون عن المكان. سيلفر صاحب عبقرية لم يسبق لي رؤيتها مع حاكم أبداً، كانت خططه وتدابيره تنفذ بطريقة محبوكة جداً حتى أنها تنجح دون أية عوائق. هناك غرفة سرية يحمل سيلفر مفتاحها في عنقه دائماً ويتفقده كل خمس ساعات تقريباً، لم أفهم ما سر تلك الغرفة!

صمت ريتشارد يفكر قليلاً ثم قال بهدوء: هناك غرفة بجانب مكتب والدي ذات بوابة كبيرة مقابضها مذهّبة.

ريموند: نعم هذه هي! أتعرف ما بداخلها؟

نفى ريتشارد ثم فكر وقال: ذلك المفتاح كان يحمله سيلفر حتى في حياة والدي، والدي كان يعتمد عليه كثيراً.

- هل راودك الفضول يوماً بالدخول إليها؟

- لا! بل لم أفكر بذلك قط، أتذكر أن الفضول كان ينتاب أخي رون، لكن تم توبيخه من قبل والدي عندما سأل عنها.

سكت ريموند قليلاً وهو ينظر إلى ريتشارد ثم استدار ينظر إلى كارل الذي اقترب منهم: سنقرأ وصية راشيل التي كتبتها قبل موتها، طلبت مني ألّا افتحها إلّا وجميعنا مجتمعون، حان وقتها.

عندما جلس الجميع في المقر السري على شكل حلقة لسماع وصية راشيل التي سيلقيها كارل عليهم. فتح كارل الورقة المطوية والمختومة بالشمع وهو يقول: {كتبتها الآنسة راشيل بعد أن علمت بوجود الأمير ريتشارد على قيد الحياة، أخبرتني بأنها ظلت لشهر وخمسة أيام تفكر في محور الوصية سواء إن كانت ستجده أم سيأتي أجلها قبل رؤيته}.

ثم قرأ: إلى أبنائي فريق الأسود السود، وإلى ابن أعز صديق شهدته في حياتي، كتبت لكم هذه الوصية بعد أن فكرت ملياً بما سيحدث لكم، بعد أن أرحل عن هذه الدنيا وتظلون وحدكم.

بدايةً، لا أود بيع أي ممتلكات من أملاكي إلّا إذا اضطر القائد كارل إلى ذلك، فقط القائد كارل. ثانياً، تعود كل أملاكي باسم ريتشارد بن ديفيد كاثريك مع صرف مكافأة شهرية لكل عضو من فريق الأسود السود وكل من عمل كما هو مكتوب أدناه.

ظل القائد يقرأ الأسماء المكتوبة بالوصية، وبعد أن انتهى منها، انتقل للأمر الآخر: {ثالثاً، يساعد فريق الأسود السود الأمير ريتشارد في إعادة كل ممتلكاته من الخائن سيلفر حتى وإن ترتب على ذلك التضحية بأرواحهم، ومن سيتراجع وينسحب من الفريق فالموت حليفه. ثلاثة أشياء يجب ألّا تنقص في حياتكم، وهي المؤونة والأسلحة والخيول، لتبتاعوا الكثير حتى وإن شكلتم قبيلة منها، لديكم ثروتي. من سيدخل في فريقكم يجب تحذيره ألا يخرج منها، سوى شخص واحد أريد أن تدخلوه إجباراً وتبلغوه بأن له الخُمس من ثروتي إن وافق سريعاً في الدخول}.

تفاجأ كارل حين قرأ الاسم فنظر إلى أفراد فريقه الذين تعجبوا من سكوته المفاجئ، ثم نظر إلى ريتشارد وقال بهدوء: مكسيم ابن النجار روي.

تفاجأ ريتشارد فظل ينظر إليه بصمت في حين تساءل ريموند: لماذا هو الوحيد الذي له الخمس من الثروة؟

تأملهم كارل لوهلة ثم أكمل قراءة الوصية: لما يحمله من ذكاء وحيَل وتمثيل يستطيع أن يخدع الناس بها، خصوصاً في أمور الفتنة والنميمة والكذب وما يطرأ من أمور قد تتراجعون أنتم فيها، أما نصيبه في الثروة فهو لأنه عاشق للمال، لذا يكون الخمس كفيلاً بموافقته سريعاً.

تأمل كارل الوصية فقال بهدوء: امم، كُتب أيضاً {في منزلي الرئيسي، جميع المخططات التي يجب أن تدرسوها متواجدة هناك. أرسلت من هذه الوصية نسخاً تحمل نفس الشروط للملوك عدا أمر المخطوطات حتى يعلموا أنهم قانونياً لن يحملوا من المال قرشاً واحداً حتى يموت ريتشارد. راشيل التي أحبتكم}.

ابتسم كارل حينها فطوى الورقة وهو يقول: لم أعد أتعجب الآن من سبب مقتل ريتشارد سريعاً، لم أتوقع يوماً بأن الطمع يمكن أن يصل إلى هذه الدرجة.

نطق أحد الأعضاء: ما زال الأمير ريتشارد على قيد الحياة!

كارل: حتى وإن كان، هو ميت أمام الناس الآن، من المؤكد أن الخبر ذاع في كل قلاع الأرض.

ثم نهض واضعاً يديه في جيب بنطاله: لم تعد الوصية ذات فائدة الآن! فصاحب المال قد قُتل في عقولهم، نحتاج إلى المخططات فقط حتى نعلم كيفية القضاء عليهم.

أومأ له ريموند فنهض وهو يمد ذراعيه: من المؤكد أن القلاع التي تحت سيطرته ستتعاون لحمايته، فهو سيقيم العدل وسينهضها اقتصادياً بماله حتى يكوّن إمبراطورية قوية، يجب أن نجد المخططات في أقصى سرعة، حتى نعوق بقية مخططاته.

ثم وضع يديه في جيبي بنطاله: لديّ حدس قوي بأنه يقدم مخططاته لأجل امتلاك قلعة الشعاع التي تعتبر الأقوى حتى الآن وهكذا يصبح إمبراطوراً لأكبر إمبراطورية في أراضينا.

نهض ريتشارد بعدئذٍ وقال بجدية: نحتاج إلى مكسيم كما ذكرته راشيل، فهو الوحيد الذي سيعرقل طريقهم نحو قلعة الشعاع، وهنا يمكننا التقدم بثلاث خطوات حينما نجد المخططات.

تفاجأ الجميع منه فقال كارل بهدوء: يمكننا أن نستعين بغيره إن كنت لا تزال...

نفى ريتشارد: لم تكتب وصية راشيل عبثاً، من المؤكد بأن هناك حكاية بين أحرفها.

تفاجأ كارل فعاد وقرأ الوصية من جديد بدقة أكثر في حين أكمل ريتشارد حديثه: لا بأس حتى وإن كنت أكرهه فأنا أحتاجه كما ذكرت راشيل، كارل! اجلبه لنا الآن بطريقة غير مباشرة، يجب أن يوافق على صفقتنا وإن أصر على الرفض سنقتله، فلا يجب على إنسان مهما كان أن يعرف بوجودنا، خذ معك اثنين حتى يساعداك.

ثم استدار يتأمل المأوى. دهش كارل من تصرفات ريتشارد فهمس لريموند: أأنت متأكد أن حرارته انخفضت فعلاً؟ أرى إنساناً آخر لا يمت لريتشارد بصلة.

أومأ له ريموند متعجباً: أخشى أن تكون أفعاله ما زالت تحت تأثير الصدمة.

انتهى ريتشارد من البحث ففكر لوهلة ثم نهض واتجه للخارج: {سأقضي حاجتي ثم أعود}.

أومأ له كارل فقال بهدوء: {لا تبتعد جلالتك}.

- لست أميراً حتى أعود إلى كرسي الحكم، أتمنى ألا تنطقها مرة أخرى.

ريتشارد: شعور وكأني ميت بدأ يتدفق بدمائي، كانت أول أيامي التي تحولت فيها لشخص آخر بارد الطبع لا يخشى المخاوف كثيراً. أما عن لقب الأمير وجلالتك وغيرها فما زالت تؤلمني وأشعر بها أكثر مما يُقال عني ريتشارد فقط، في كل مرة أسمعها تعيدني ذاكرتي لأكثر المواقف التي أحبها في ذكرياتي، فتصبح الحلوة المرة التي تؤلمني وتفتح جراحي، لذا حتى يحين أجل ذلك الوقت أكون عندئذٍ ارتحت قليلاً واستعدت قواي التي ضاعت مني.

لم تكن موافقة مكسيم صعبة المنال، فقد وافق سريعاً حين أخبروه بأمر الإرث فخدع والديه برحلة للتجارة ثم اتجه معهم إلى المأوى السري، وبعد اكتشافه بأن ريتشارد الأمير هو طوني ذلك العبد المملوك تفاجأ مكسيم فقد تبدل الحال من عبد مملوك إلى أمير، ومن سيد إلى جندي تحت إمرة الأمير!

back to top