هل يتسبب ترامب في انهيار الاقتصاد العالمي؟

نشر في 14-03-2018
آخر تحديث 14-03-2018 | 00:03
No Image Caption
تعد التجارة الحرة إحدى الدعائم المهمة التي يقوم عليها النظام الاقتصادي المعاصر، والذي انطلق منذ عام 1945 (نظام بريتون وودز) بتأسيس عدد من المؤسسات الاقتصادية الدولية، وأبرزها البنك الدولي وصندوق النقد العالمي.

وكانت الولايات المتحدة أول داعم لإطلاق حرية التجارة منذ وقتها، بوصفها في أول الأمر داعمة للمعسكر الرأسمالي في مواجهة نظيره الشيوعي، ثم بعد ذلك لضمان استمرار النظام الاقتصادي الذي أقامته أميركا نفسها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

سياسات حمائية

واستمرت الولايات المتحدة بعد ذلك في معارضة أي سياسات تناقض حرية التجارة، ولذلك كانت الدهشة و"الصدمة" في الأسواق المالية والأوساط الاقتصادية العالمية كبيرة، بعد أن أقر الرئيس الأميركي فرض إجراءات حمائية لمصلحة صناعتي الصلب والألمنيوم الأميركيتين.

والسياسات الحمائية هي عبارة عن مجموعة من الإجراءات التي تقوم بها الحكومات لضمان استقرار صناعاتها المحلية، وغالبا ما تستخدم إذا كانت تلك الصناعات في مرحلة النشأة وتواجه أخرى مستقرة ومتقدمة.

وللسياسات الحمائية أكثر من شكل، أولها ما قام به ترامب من فرض تعرفة جمركية على الواردات من سلع معينة، بما يتيح للصناعات المحلية التمتع بميزة سعرية نسبية في مواجهة المنتج المستورد.

ورغم أن اتفاقية التجارة الحرة (جات) تتيح للحكومات فرض تلك التعريفة في حالة مواجهة ظاهرة "الإغراق" (وتعني بيع دولة لمنتج معين بسعر يقل عن سعر التكلفة بهدف السيطرة على الحصة الأكبر من السوق وإفلاس الصناعات المحلية)، فإن هذا لم يحدث مع الولايات المتحدة.

دعم لوجستي

وتمتد الإجراءات الحمائية لتشمل تقديم الدعم المادي واللوجستي لبعض الصناعات، ويشكل ذلك وسيلة أخرى لمنح الصناعات المحلية ميزة في مواجهة الأجنبية، كما أن هناك وسيلة تعتمد على فرض حصص محددة من الواردات من بعض السلع.

وغالبا ما يتم فرض تلك الحصص إذا كان الإنتاج المحلي غير قادر على تلبية الاحتياجات المحلية بشكل تام، لذا يتم تحديد الحصة من الواردات، بناء على حجم العجز المحلي في الإنتاج، لكن ذلك يخلق ازدواجية في السعر بين منتجين، محلي وآخر مستورد.

وتأتي الوسيلة الحمائية الأخيرة في صورة فرض معايير غير واقعية للسلعة المستوردة، بأن يتم وضع معايير عالية جدا للسلع المستوردة، يعجز أي من المنتجين الأجانب عن تلبيتها، وبالتالي يكون ذلك حظرا غير مباشر لاستيراد تلك السلعة.

وجاء التحذير الأبرز من السياسات الحمائية وتأثيراتها السلبية منذ زمن بعيد على لسان المفكر الفرنسي فريدريك باستيا بأن قال: "إذا لم نسمح للسلع بعبور الحدود فستعبرها الجيوش"، في إشارة إلى أن بعض الدول قد تضطر للحرب لفتح الأسواق المغلقة في وجهها.

أميركا تهدم قواعدها

ورغم أن الإدارة الأميركية الحالية قدمت صورة "حمائية" أكبر منذ وصولها إلى السلطة، من خلال الانسحاب من اتفاقية التجارة عبر الأطلنطي، والمطالبة بإعادة التفاوض حول اتفاقية التجارة في أميركا الشمالية، فإن أحدا لم يتصور أن يصل الأمر بواشنطن إلى هذا الحد.

وأميركا التي طالما دعمت التجارة الحرة تذرعت بالأمن القومي من أجل فرض إجراءاتها الحمائية، بدعوى أنه إذا دخلت واشنطن في صدام عسكري مع دولة تعتمد عليها في استيراد الصلب فإن ذلك من شأنه أن يمنح تلك الدولة سلاحا في مواجهة الولايات المتحدة.

لكن ذلك لم يمنع التحذيرات المتكررة حول تأثير السياسات الحمائية الجديدة على الاقتصاد الأميركي، فالخاسر الأول من تلك الإجراءات هو المستهلك الأميركي، الذي سيجد نفسه مضطرا لشراء منتجات الصلب والألمنيوم بأسعار تفوق تلك التي اعتاد الحصول عليها.

وسيؤدي ذلك قطعا إلى موجة تضخمية (كبيرة أو محدودة هذا ما سيتضح لاحقا)، بل سيؤدي ذلك إلى تأثر الصناعات المحلية سلبا أيضا، فالثابت اقتصاديا أن المنافسة (محلية أو عالمية) هي الدافع الأول من أجل التطور وتقديم أسعار تنافسية والحد من المنافسة يؤثر على تطور الصناعات.

والأمر الأخطر هنا أن في الأمر هدما لقواعد أقامتها واشنطن بنفسها للنظام الاقتصادي العالمي، لذا فإنه سيكون في وسع بقية دول العالم أن تفرض إجراءات حمائية بدورها، لأنه إذا كان مؤسس الاقتصاد العالمي الحديث قد فعل، فما الذي يمنع الدول الأخرى من ذلك؟

وحتى لو تمكنت الولايات المتحدة من منع اشتعال حروب تجارية كبيرة مع الصين (أو غيرها) فإنها ستكون مهددة على المدى المنظور باستهداف صادراتها تحديدا بقيود مختلفة من جانب الدول المتضررة من سياساتها الحمائية، (والتي من المتوقع أن تتزايد على المدى المنظور).

back to top