طفلك... كيف يكتسب لغته وبلاغته؟

نشر في 14-03-2018
آخر تحديث 14-03-2018 | 00:02
No Image Caption
من النظرات المتبادلة الأولى، إلى التمتمات المبهمة الأولى، إلى الكلمات الواضحة الأولى، وصولاً إلى الانفجار الكلامي الكبير الذي يحوّل الطفل إلى ثرثار فعلي يدرك جيداً كيفية التلاعب بالكلام وأصواته من دون تعب، تُبنى اللغة تدريجياً على مرّ الأشهر والسنين.
إليك بعض النصائح، والمعلومات، والخطوات التي تتيح لك مساعدة طفلك في عملية التعلم هذه ومرافقته في هذه المغامرة المذهلة من الصوت الأول إلى الرواية الأولى.
يتمتّع الطفل منذ الولادة بدارات عصبية مجهزة لتتيح له تعلم مطلق لغة. وهكذا يشغل ذكاءه كله ليتعلّم الكلام: لا يمنعه عن ذلك سوى عزلة تامة طوال سنتين. ولكن من المهم أن نعمل نحن على تحفيز الطفل وتشجيعه.

الطفل كائن اجتماعي. بما أنه يعتمد بالكامل على البالغين، يحتاج إلى التواصل معهم كي يضمن بقاءه. تكون لغته الأولى غير كلامية. رغم ذلك، يبصر النور وهو يتمتع بكفاءات لغوية فطرية وميل حيوي إلى استعمالها. يحتاج تعلّم الكلام إلى سنوات. ونظراً إلى المجهود الكبير الذي يتطلبه ذلك، ينجز الطفل هذه المهمة بسرعة نسبياً. يتخطى المرحلة الأساسية من ذلك خلال سنته الأولى التي يتوصل في نهايتها إلى فهم لغته الأم بأكملها تقريباً. وهكذا لا يتبقى أمامه سوى تعلّم النطق.

الكلام لدعم الروابط العاطفية

منذ الولادة حين ينتقل الطفل فجأةً من عالم إلى آخر ويفقد كل ما ألفه سابقاً، يعرف الرضيع صوت أمه. وسط الفوضى كلها، يشكِّل صوت الأم عامل استمرارية مطمئناً. وهكذا يحضنه صوتها بقدر ذراعيها. عندما تتكلّم معه، تضعه في إطار يألفه ويطمئنه. بعد هذه النقطة، تُضطر الأم إلى ملء حياته بمجموعة من الطقوس المتوقعة المتعاقبة التي ينبغي أن تترافق مع الكلام. وعندما تلف الأم الطفل بصوتها، تدعمه خلال عملية التغيير هذه من دون أن يشعر بالخوف من الزوال. لا يملك الطفل المولود حديثاً تنظيماً نفسياً مركزياً، بل يعيش اللحظة. نتيجة لذلك، عليه كلما استيقظ أن يعيد بناء العالم. وهكذا يشكّل صوت البالغ نقطة ارتكاز أساسية ومنارة وسط ظلمة الليل.

عندما يبصر الطفل النور، يكون مجهزاً للتواصل ويتمتع بكفاءات محددة جداً تتيح له اكتساب اللغة الكلامية. وخلال مرحلة الانتظار، يدرس عمليات التواصل. يراقب أوجه البشر، ويصب اهتمامه على وجه يضحك، ويولي اهتماماً كبيراً للأوجه التي تتكلم: ينتظر التفاعل معه. كذلك يملك الطفل دافعاً كبيراً للتحاور مع أمه: عندما تقرّب وجهها إليه، يركّز بصره ويتجاهل العينين، باحثاً عن فمها كما لو أنه يريد «تشرّب» كلماتها. وما هي إلا بضعة أشهر حتى يتوصّل إلى فهمها.

البكاء لغته الأولى

عندما يشعر الطفل بالجوع للمرة الأولى، يجتاحه شعور يجهله، فيولّد هذا الانزعاج توتراً في جسمه. كي يخففه ويستعيد توازنه، يبكي ويضطرب. عندئذٍ، يأتي أحد ويحاول معالجة وضعه المزعج. عندما تتكرر هذه العملية، يتعلّم الطفل البكاء عمداً بغية استقطاب الانتباه والحصول على رد فعل. وهكذا تبدأ مرحلة اللغة.

عندما ينادي، يتعلّم الأهل تدريجياً فك شفرة بكائه الذي يعني، وفق نبرته، ووتيرته، وحدته، أنه جائع أو نعسان، أنه متوتر، أو أنه يتألم. وهكذا يشعر الولد بأنه محاط فيطمئن. لكن ترجمة البكاء لا تُعتبر علماً دقيقاً. لذلك يشعر الأهل أحياناً بالحيرة نتيجة عجزهم عن فهم سبب انزعاج الطفل... لو أنه يستطيع الكلام!

الصغير يفهم إشاراتنا

أما الطفل من جهته، فيفهم على ما يبدو ما نقوله له. يلاحظ الإشارات غير الكلامية التي تصدر عن البالغ، إلا أنه لا يدرك معناها: نبرة الصوت، أو نغمته، أو رقته أو علوه، أو تيرته، أو هدوءه أو اضطرابه. وينجح من خلال وضعية جسم الأم، وحركاتها، ونظراتها، ورائحتها، والحرارة المنبعثة من جسمها، وطريقة لمسها له، في تحديد حالتها النفسة. كذلك يدرك ما إذا كان معنى كلماتها يتلاءم مع الشحنة العاطفية المنبعثة منها. وهكذا يفهم الرسالة التي تبعث بها إليه. فلا يمكنك أن تكذبي على طفلك.

الحدس اللغوي

منذ الولادة، يكون دماغ الطفل مجهزاً بوصلات غامضة ومعقدة مخصصة للغة. وبتنشيط هذه الدارات العصبية، ينجح بسرعة في فهم مطلق لغة، إلا أنه يملك ميلاً بسيطاً إلى لغته الأم التي كانت كلماتها تهدهده في الرحم. أظهرت مجموعة من الدراسات أُجريت حديثاً على أطفال في شهرهم الثالث أن الطفل يولي اهتماماً خاصاً للأصوات التي يعتقد أنها تحمل معنى. يستند في تقييمه هذا إلى الإطار البصري. على سبيل المثال، عندما يرى شخصين بالغين يتبادلان الكلام ويتحاوران، تنشط في دماغه المناطق المخصصة للغة ويركّز. أو عندما يرى صوراً تتعاقب، يركز على الظواهر التي يسمعها في الوقت عينه مع هذه الصور. ولكن إذا سمع عند رؤيته صورةً ما صوت سعال أو زقزقة عصفور، يختلف رد فعله: «يعي» أن هذه الأصوات لا تحمل أي معنى. يكون هذا الحدس والانجذاب إلى اللغة الكلامية مطبوعين فيه.

يكتشف قوة الكلمات

كشفت هذه التجارب لدى مَن لم يبلغوا شهرهم السادس أنظمة تفكير عملانية: تُظهر ردود فعل الأطفال في هذه التجارب، عند مشاهدتهم صوراً متعاقبة، أنهم قادرون في هذه السن على تصنيف ما يرونه وفق فئات: إذاً، تفكير الأطفال أكثر تنظيماً مما نظن. بدءاً من الشهر السادس، يكتشف الطفل أن النفس تفرض «استمرار الشيء»: يتعلّم أن كل ما يختفي عن بصره لا يزول من الوجود، بل يعاود الظهور عاجلاً أو آجلاً. ويمكننا التأكد من ذلك بسهولة. عندما يختفي شخص وراء ستار، نلاحظ أن الطفل يبحث عنه بعينيه، منتظراً ظهوره مجدداً. وبفضل مفهوم الاستمرارية هذا، يستطيع تخيل والدته الغائبة، مشكّلاً صورة عنها تتيح له تحمّل انتظار عودتها. وعندما ينجح في إضفاء على ما يحيط به أولوية الاستمرارية هذه، يتمكّن من إعطاء كل شيء اسماً يمثله في غيابه. وهكذا يفهم أن اللغة لا تتيح له توصيف ما يراه فحسب، بل أيضاً استحضار ما لا يراه. وهكذا يسجّل كلماته الأولى بين شهريه السادس والثامن.

مسيرة شبه علمية

كي يتعلّم الولد كلمة جديدة، عليه أولاً تحديدها بعزلها عن سائر كلمات الجملة، متبعاً إستراتيجيات مختلفة: يولي الطفل اهتماماً للنبرة، ونغمة الكلام، والتنفس الذي يفصل مجموعتَي كلمات. ثم ينجح في كل مجموعة كلمات في تحديد وتمييز الأسماء وكلمات الربط الصغيرة الأخرى التي يسمعها بشكل متكرر. وهكذا يتوصّل في النهاية إلى تمييز المقاطع الصوتية التي تؤلف كلمة يجهلها. يستعمل بعد ذلك الإطار العام في محاولة منه لفهم معناها.

يتعلّم الكلمة، ويستخدم الطفل قدرته على التصنيف لينتقل من الخاص إلى العام ويدرك أن ما ندعوه «كلباً» لا يعني كلبه فحسب بل الكلاب كلها: يستطيع الطفل تعميم مفرداته. لكن ثمة أطفال يبالغون في التعميم لاحقاً، معتمدين المنطق ذاته، فيدعون كل النساء «ماما».

يفهم ولكن قلما يتكلّم

بغية تعلّم الكلام، يتبع الطفل استراتيجيات كثيرة تقود إلى استنتاجات مذهلة، وذلك كله بفضل نظام تفكير منظّم بدقة: يبحث، ويختبر، ويستنتج، ويقارن، ويتحقق، ويسجّل... وهكذا يفهم الكثير. لكنه ما زال لا يتكلّم.

يبدأ الأطفال كلهم، حتى مَن يعانون الصمم، بالمناغاة في الشهر السادس. يكون الطفل مبرمجاً مسبقاً لأمر مماثل. كذلك يهوى في هذه السن محاورة أمه واضعاً عينيه في عينيها. ولكن نحو الشهر التاسع، يكف الطفل الأصم عن المناغاة، في حين يتفوّه الطفل السليم بأصوات إضافية تكون قريبة من المقاطع الصوتية في لغته الأم.

لكل طفل وتيرته

تسمح المناغاة للثرثار الصغير بتمرين جهازه الصوتي. ولكن كي ينجح في لفظ الكلمات بالشكل الصحيح، عليه تنسيق حركات فمه مع لغته وضبط قوة نفسه. ولا شك في أن هذا عمل صعب، ما يعلِّل الفاصل الزمني الكبير بين فهم اللغة الباكر وبين إنتاجها في مرحلة لاحقة. ينطق معظم الأطفال بأولى الكلمات نحو عمر السنة ثم يتقدّمون تدريجياً مكتفين بعدد قليل من الكلمات المعروفة إلى أن يبلغوا مرحلة «الانفجار اللغوي الشهيرة» بين شهريهم الثامن عشر والرابع والعشرين، حين يتلفظون بعشر كلمات جديدة كل يوم. لكن البعض لا يبدأ بالكلام جيداً حتى بلوغه سن الثالثة. فلكل ولد استراتيجيته ووتيرته الخاصة. ولا داعي للقلق ما دام الطفل يفهم ويتواصل. فالهوة الكبيرة التي نلاحظها بين الأطفال سرعان ما تزول مع دخول الولد المدرسة.

مراحل مفصلية

• 0 إلى 3 أشهر: يركّز الطفل نظره على وجه

يتكلّم، ويدرك لغته الأم، ويعبّر عن نفسه بالبكاء.

• 6 أشهر: يتفاعل مع اسمه ويبدأ بالمناغاة

(با-با-با).

• 9 إلى 12 شهراً: يفهم كلمات مألوفة. يرحّب،

ويرفض، ويشير بإصبعه، وينوّع مناغاته (با-

دا-با).

• 12 شهراً: يفهم العبارات الصغيرة، ويدرك كلمات القواعد كأدوات التعريف والأفعال المساعِدة.

• 12 إلى 18 شهراً: ينطق بكلماته الأولى.

• 18 إلى 24 شهراً: يفهم أوامر بسيطة. يجمع

بين حركة وكلمة أو بين كلمتين كي يعبّر عن

جملة.

• سنتان إلى 3 سنوات: يفهم اللغة المحكية،

ويستخدم «الأنا» ليتكلّم عن نفسه، ويؤلف جملاً من

كلمتين أو ثلاث كلمات.

• 3 سنوات: يتقن أسس الإعراب، فيربط الفعل مع

الفاعل والمفعول به. يستعمل أدوات لغوية ويستخدم

«الأنا».

• 4 سنوات: يفهم الجمل الطويلة والمعقدة أو

رواية بسيطة. يحدِّد مفرداته، ويطيل جمله،

ويلفظ الأصوات كافة.

• 5 سنوات: يفهم رواية طويلة ويستطيع سرد واحدة

بنفسه. يكون اكتسب كل قواعد اللغة ويتحدّث من

دون تشويه الكلمات.

معظم الأطفال ينطقون أولى الكلمات في عمر السنة تقريباً
back to top