إفراط طفلك في مشاهدة التلفزيون ينعكس سلباً عليه في مراهقته

نشر في 12-03-2018
آخر تحديث 12-03-2018 | 00:02
No Image Caption
تناولت دراسة أُجريت أخيراً التأثيرات السلبية لإفراط الولد الصغير في مشاهدة التلفزيون. واللافت إمكان قياس هذا التأثير في الأولاد من خلال عاداتهم الغذائية، ووزنهم، وسلوكهم في سن المراهقة.
تكمن المفارقة في هذا العالم العصري السريع الوتيرة الذي نعيش فيه أن البشر يزدادون ميلاً إلى الجلوس فترات طويلة من الوقت وهم يحدّقون إلى شاشات. ويعتبر كثيرون أن هذا التبدّل في العادات ينعكس سلباً على أولادنا.

صحيح أن كثيراً من الأهل يحاولون الحد من مقدار الوقت الذي يمضيه أولادهم إزاء الشاشة، إلا أن ازدياد عدد الشاشات في كل أسرة يجعل هذه المهمة أكثر صعوبة.

على سبيل المثال، يملك واحد من كل ثلاثة أولاد في الولايات المتحدة تلفزيوناً في غرفة نومه، ويشاهد نحو نصف الأولاد كافة التلفزيون أو جهاز DVD ساعتين تقريباً كل يوم.

نتائج سلبية

تزداد الأدلة التي تشير إلى أن وقت مشاهدة الشاشة يؤثر سلباً في الأولاد أثناء نموهم. لما كان هذا النشاط خاملاً جسدياً وفكرياً، فقد يؤدي إلى خلل في عملية التواصل في دماغ الولد الصغير الذي ينمو بسرعة. علاوة على ذلك، قد يُكسبه عادات سلبية في مراحل حياته اللاحقة، كاختيار النشاطات الأسهل والأقل تطلباً، بدل المتع الجسدية أو الفكرية التي تشكّل تحدياً.

كشفت دراسات عدة أن تزايد وقت مشاهدة الشاشة في حالة الأطفال والأولاد في دور الحضانة يعزِّز خطر امتلاكهم مؤشر كتلة جسم أعلى ومحيط خصر أكبر عند دخولهم الصف الأول. كذلك أظهرت دراسات أخرى أن محيط الخصر واللياقة البدنية يتأثران سلباً مع دخول الأولاد الصف الرابع.

استناداً إلى هذه الاكتشافات، عمدت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال في أكتوبر 2016 إلى خفض الفترة الموصى بها لمشاهدة التلفزيون في توجيهاتها للأولاد بين سن السنتين والخمس سنوات إلى ساعة يومياً كحد أقصى.

صحيح أن معظم الخبراء يسلِّمون جدلاً بأن الإفراط في مشاهدة التلفزيون يحمل عواقب صحية سلبية، إلا أن كثيرين يجهلون أن تأثير مشاهدة التلفزيون باكراً في سلوك الولد يستمر في سن المراهقة. لذلك قرر فريق من الباحثين الكنديين أخيراً دراسة هذه النقطة. ركّز هؤلاء الباحثون خصوصاً على نتائج مشاهدة الشاشات في نمط الحياة، كالأداء في المدرسة والخيارات الغذائية.

قادت هؤلاء الباحثين البروفسورة ليندا باغاني، وطالبة الدراسات العليا إيزابيل سيموناتو من كلية التربية النفسية في جامعة مونتريال في كندا. واعتمد الفريق في دراسته على بيانات من دراسة كيبك الطولية لنمو الأطفال.

تأثيرات

شارك في الدراسة ما مجموعه 2000 صبي وفتاة تقريباً ولدوا في كيبك بين عامَي 1997 و1998. وتتبعهم الباحثون منذ بلوغهم شهرهم الخامس.

قدّم الأهل تقارير عن عادات أولادهم المرتبطة بالتلفزيون فيما كانوا يكبرون. ومع بلوغهم الثالثة عشرة من العمر، صاروا هم أنفسهم يعدون تقارير عن عاداتهم الغذائية وسلوكهم في المدرسة. توضح البروفسورة باغاني الأسباب التي تجعل هذه الدراسة مفيدة خصوصاً، قائلةً: «لا نعرف الكثير عن ارتباط الإفراط في مشاهدة الشاشات في مراحل الطفولة الباكرة بخياراتنا في الحياة في المراهقة».

تضيف: «تُعتبر مجموعة الأولاد هذه مثالية لأنهم ولدوا قبل الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وقبل نشر توجيهات طبية بشأن مشاهدة الشاشات ودعوة الأهل إلى التقيد بها».

تتابع: «اعتاد هؤلاء الأهل تربية أولادهم مع التلفزيون لأنهم اعتبروه غير مضر. نتيجة لذلك، تكون دراستنا طبيعية بالكامل لأنها لم تتعرّض لتأثير توجيهات خارجية، ما يُعدّ ميزة بالغة الأهمية».

كما هو متوقع، تركت مشاهدة التلفزيون المتزايدة تأثيرات واضحة في عادات الأولاد مع دخولهم مرحلة المراهقة. نشر الفريق نتائجه في مطلع هذا الشهر في مجلة الطب الوقائي.

أنبأت كل ساعة إضافية من مشاهدة التلفزيون بتراجع أكبر في العادات الغذائية في سن الثالثة عشرة. فقد استهلك الأولاد مقداراً أكبر من اللحوم واللحوم الباردة، والبطاطا المقلية، والخبز الأبيض، والمشروبات الغازية، والعصائر بنكهة الفاكهة، والمشروبات الرياضية، ومشروبات الطاقة، والوجبات الخفيفة الحلوة والمالحة، والحلوى.

كان الأولاد الصغار الذين شاهدوا مقداراً أكبر من التلفزيون أكثر ميلاً إلى تفويت وجبة الفطور خلال أيام المدرسة مع بلوغهم الثالثة عشرة من عمرهم.

بالإضافة إلى ذلك، كان هؤلاء الأولاد أقل ميلاً إلى بذل مجهود خلال سنتهم الأولى في المدرسة الثانوية، ما انعكس سلباً على أدائهم وطموحهم. في سن الثانية، أنبأت كل ساعة إضافية يمضيها الولد إزاء التلفزيون يومياً بزيادة بنسبة 10% في مؤشر كتلة جسمه في سن الثالثة عشرة.

ساعة واحدة يومياً... لا أكثر

تعتقد سيموناتو أن طبيعة مشاهدة التلفزيون الخاملة تتحمّل جزءاً من مسؤولية هذه الاكتشافات. توضح: «افترضنا أن إفراط الأولاد الصغار في مشاهدة التلفزيون يشجّعهم على اتباع نمط حياة خامل. وإذا تعلموا تفضيل النشاطات الممتعة التي لا تتطلّب الجهد في سن مبكرة، فلن يولوا على الأرجح النشاطات غير المسلية، مثل المدرسة، اهتماماً كبيراً عندما يصبحون أكبر سناً».

كذلك تؤكد البروفسورة باغاني: «يشكّل هذا الأمر بالنسبة إلى مجتمعنا عبئاً أكبر على نظام الرعاية الصحية يرتبط بالسمنة وغياب اللياقة القلبية الوعائية».

تكمن قوة الدراسة في عمق بياناتها. لما كان الفريق تمكّن من الاطلاع على مجموعة واسعة من المعلومات حول حياة العائلة التي يعيشها الأولاد، فإنه نجح في ضبط عدد من العوامل الأخرى التي ربما تؤدي دوراً، كالأطر الاجتماعية- الاقتصادية، والنفسية.

استطاع الباحثون أيضاً إزالة تأثير عادات مشاهدة الشاشات في سن الثالثة عشرة، ما أتاح لهم تكوين صورة أوضح عن تأثيرات مشاهدة التلفزيون عندما كانوا أولاداً صغاراً.

تقدّم البروفسورة باغاني بعض المعلومات عن الطريقة التي يستخدم بها الأهل الشاشات كأداة مع أن أشكال التفاعل الأخرى تُعتبر أكثر فائدة. توضح: «في مرحلة ما قبل المدرسة، يستعمل الأهل وقت مشاهدة الشاشات كوسيلة مكافأة أو إلهاء. نتيجة لذلك، يولّدون جواً من «الخمول» الهادئ في لحظات تعلّم مهمة يجب أن يطوّر فيها الولد ضبط النفس».

تضيف: «عندما نستخدم الإلهاء كمكافأة لمساعدة الولد على حسن التصرف في أوضاع يجب أن يتعلّم فيها ضبط النفس، نضعه على مسار يدفعه إلى البحث عن مصدر إلهاء عندما يواجه أعمالاً تتطلب جهداً معرفياً».

تتابع البروفسورة باغاني: «صحيح أن مكافأتي الالتهاء والجهد الفكري المتدني قد تكونان ممتعتين، إلا أنهما ستؤثران لاحقاً في التزام الشاب في المدرسة ومثابرته في دراسته».

يؤيد الباحثون التوصيات التي وضعتها الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال. فالحد من وقت مشاهدة الشاشات بساعة يومياً كحد أقصى في حالة الأولاد بين سن السنتين والخمس سنوات يشكّل أفضل نصيحة.

يعتقد معدو الدراسة أن هذا الأمر “يضمن اتباع الأولاد مسارات نمو صحية في مرحلة المراهقة”.

الصغار الذين شاهدوا مقداراً أكبر من التلفزيون أكثر ميلاً إلى تفويت وجبة الفطور
back to top