الربيع الثاني

نشر في 08-03-2018
آخر تحديث 08-03-2018 | 00:17
 حسن العيسى قبل يومين نشرت "فايننشال تايمز" مقالاً مطولاً لأندرو انجلند وهبة صالح، تساءلت فيه الصحيفة عن كيفية أن يبذر الشرق الأوسط بذور الربيع العربي الثاني، فالظروف التي خلقت ربيع يناير 2011 مازالت موجودة حتى الآن وأكثر قوة، فالأنظمة المتسلطة مازالت تحكم قبضتها على دولها، بل وزادت من قمعها وبطشها، ويظهر المؤشر أن الطبقة الوسطى تتجه إلى المزيد من الإفقار والإعسار، والعقد الاجتماعي الضمني بين السلطة والجمهور، الذي يعني أن توفر السلطة الدعم لبعض السلع الأساسية، وتوفر وظائف في الحكومة مقابل قبول وسكوت الناس عن مظالم النظم الحاكمة، بدأ بالانحلال والتفكك، فلم تعد هذه النظم قادرة على توفير ذلك الدعم المادي، والريع النفطي الذي كان يمول ليس دول النفط فقط، ويمنح شرعية مادية لنظمها (استرضاء وشراء الولاءات السياسية)، بل يتمدد إلى الدول العربية الأقل الفقيرة، عبر المساعدات والقروض الميسرة، بدأ يتقلص بعد نزول سعر النفط.

وتلاحظ الصحيفة أن العالم العربي يعاني من أعلى نسبة بطالة شباب في العالم، وأيضاً هذا العالم التعيس فيه أكبر فاتورة مكلفة للأجور للقطاع العام، بمعنى أن هذا القطاع مثقل بالرواتب والأجور، ولا يوجد قطاع خاص قوي يمكنه أن يخفف الحمل الثقيل عن العام، بتوفير الوظائف للشباب. في تونس، وهي الدولة العربية الوحيدة التي انتهت "تقريباً" بنظام ديمقراطي كنتيجة من نتائج ربيع 2011، يعبر الشاب صفير عن الوضع في هذه الدولة ويقول: "لا مكان للشباب كي يعيشوا فيه بكرامة، كل ما نريده الآن أن نكون بوضع العبيد بأن يتوفر لنا المأكل والملبس والمأوى ولا أكثر من ذلك..."، بالعبارة السابقة عبر هذا الشاب عن حالة ملايين الشباب في عالم التعاسة العربي.

كيف ستنتهي الأمور في بلداننا العربية؟ معظم النظم الحاكمة تفكر الآن في الإصلاح الاقتصادي والخصخصة وتخفيف العبء عن ميزانية الدولة برفع الدعم عن السلع والخدمات مثلاً، لكن لا توجد دولة تفكر في الإصلاح السياسي وترك هامش ولو محدوداً للشعب المهموم كي يعبر فيه عن نفسه ويشارك في الحكم، وكانت تلك ملاحظة وزير الخارجية الأردني نائب رئيس الوزراء السابق د. مروان المعشر.

بالتأكيد دول النظام العربي غير مقتنعة بمعادلة إصلاح سياسي "قبل" أو يترافق مع إصلاح اقتصادي، هي تريد رفع الدعم الاجتماعي وفرض الضرائب، ومعها تشتد القبضة الحديدية على الحكم، فالعقد الاجتماعي السابق الذي يعني دعماً اجتماعياً مادياً للناس مقابل صمتهم وسكوتهم عن الحكم يحل مكان الأخير "الدعم الاجتماعي" القمع وإرهاب الدولة، فهل هناك أفضل من هذه الوصفة لربيع عربي جديد، أو تمردات شعبية تنتهي بمجازر مرعبة؟! لا يبدو أن الغد سيكون جميلاً، وفي أي الأحوال، لن تنتهي الحكاية بالربيع القادم بالطريقة التونسية، الأقرب هو ليبيا وسورية واليمن.

back to top