عين مصر على ما يحدث في إثيوبيا

نشر في 24-02-2018
آخر تحديث 24-02-2018 | 00:02
 عبداللطيف المناوي فجأة قررت بعض وسائل الإعلام المصرية المحلية، التي لا تهتم كثيراً بالشأن الدولي، أن تنشر أخباراً عن خطر العطش الذي ستتعرض له كيب تاون المدينة الساحلية في جنوب إفريقيا، وكيف أن المدينة تستعد لاستقبال "ساعة الصفر" المتوقعة بين شهري أبريل ويونيو المقبلين عندما تنفد المياه تماما عن المدينة في أسوأ أزمة عرفتها البلاد. لم يقف الأمر عند النشر الصحافي، بعض المؤسسات الناشطة إعلاميا اتجهت لنشر رسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحذر فيها المصريين من الوصول لهذا اليوم، "ليس بسبب سد النهضة ولكن بسبب سلوكهم الخاطئ الذي يتسبب في إهدار مليارات الأمتار من المياه".

توازى هذا الانتباه إلى مسألة هدر المياه مع تزايد حدة أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا، وترسخ قناعة بأن الأزمة مقبلة وأن التصعيد آتٍ لا محالة مع إثيوبيا، وأن السد سينشأ مهما اعترضت مصر، والفرصة الوحيدة هي تحسين شروط حجز المياه وراء السد لملئه في فترة أطول من المقرر لها بحيث يتم تحجيم الأثر السلبي على مصر بقدر الإمكان.

تترقب مصر الأوضاع في إثيوبيا بعد استقالة رئيس الوزراء هايلي مريام ديسالين، وفرض حالة الطوارئ، في ظل سيطرة حالة التوتر على الأجواء، وتأمل القاهرة أن تؤثر الأوضاع السياسية في أديس أبابا إيجابيا على سير المفاوضات بين الجانبين فيما يخص سد النهضة، لكن ذلك لم يوقف القاهرة عن الاستمرار في حملتها الدعائية لترشيد استخدام المياه وتقليل حجم المهدر منها.

ديسالين الذي تولى منصبه عام 2012، بعد وفاة ميليس زيناوي، الذي انقلب على الديكتاتور مينغيستو هايلي ميريام في 1991، تم إعلان حالة الطوارئ عقب استقالته، وهي المرة الثانية التي تفرضها فيها السلطات في إثيوبيا حالة الطوارئ منذ 2016، عندما شهدت أكبر مظاهرات مناهضة للحكومة منذ 25 عاما، وتعاملت معها الحكومة بالقمع، وأسفرت المواجهات عن مقتل 940 شخصاً، على الأقل بحسب اللجنة الإثيوبية الحكومية لحقوق الإنسان. وتراقب مصر الأوضاع في إثيوبيا، ومدى تأثيرها على سير المفاوضات المتعثرة حول سد النهضة، الذي تراه القاهرة خطراً على حصتها التاريخية من مياه نهر النيل.

سبق أن التقيت ديسالين منذ نحو ثلاثة أعوام، ولَم تكن المقارنة في صالحه إذا ما قارناه برئيس الوزراء الذي سبقه ميليس زيناوي والذي كنت قد التقيته هو الآخر قبل ثماني سنوات، كان ديسالين رئيس وزراء انتقاليا، وينتمي للإقليم الجنوبي ويمثل أقلية عددية وبلا نفوذ يذكر، أما النفوذ الحقيقي فتمثله جبهة التجراي الحاكمة التي أسسها رئيس الوزراء الراحل ميليس زيناوي، تلك الجبهة تمتلك مفاتيح السلطة والقوة الحقيقية في البلاد، وتبدو استقالة رئيس الوزراء الإثيوبي في الحقيقة ناجمة عن وصوله لمفترق طرق مع النافذين في هذه الجبهة، وهم تيار أكثر تشدداً من الناحية القومية لإقليم التجراي ومحاولة الحفاظ على سلطتهم في البلاد.

السؤال الذي يتردد في القاهرة: هل سيكون هناك انعكاس مباشر أو غير مباشر للاستقالة على ملف مفاوضات سد النهضة؟ التوقعات بأن هذه الفترة ستشهد تركيزا على الداخل وتثبيت السلطة الجديدة التي تخلف ديسالين، ومن المتوقع أن يؤدي هذا إلى مرونة أكثر في المفاوضات مع مصر، خصوصاً أن المطالب المصرية ليست كبيرة، على الأقل من وجهة النظر المصرية، فقد أقرت مصر بحقيقة بناء السد وتتعامل معه على أنه أمر واقع لا مفر منه، وكل ما تحاول الوصول إليه هو التحكم في مدة تخزين المياه بحيث لا تؤثر على تدفق المياه إليها، وأيضا إعادة النظر في سعة السد، حيث بدأ مشروع السد بـ14 مليار متر مكعب من المياه ووصل الأمر إلى 74 مليار متر مكعب في تصميمه الأخير.

إلا أن هناك وجهة نظر أخرى لا تعتقد أن هناك تغيرا جوهريا سوف يحدث في الموقف الإثيوبي حيث إن الشعب الإثيوبي وأجهزة الدولة، ولاسيما الجيش الإثيوبي، تعتبر أن السد من أعظم مشروعاتها القومية، وتعتبر أن مصر دولة "غير صديقة" تستهدف القضاء على مشروعها القومي، ويدلل أصحاب هذا الرأي على ذلك بأن الحكومة الإثيوبية منذ عهد زيناوي، تروج للمشروع على أنه سوف ينقذ إثيوبيا من الفقر وينقلها إلى مصاف الدول المتقدمة.

مصر ليس لديها سوى متابعة الأوضاع وترقب ما ستسفر عنه من مستجدات، وأن تستمر في التواصل مع الحكومة الجديدة.

back to top