عزيز محمد: ماذا فعلت؟

نشر في 11-02-2018
آخر تحديث 11-02-2018 | 00:00
 ناصر الظفيري كيف يقرأ مريض السرطان رواية بطلها مريض سرطان، وكأنه ينظر إلى نفسه في مرآة؟

لم يخطر ببالي في يوم ما أن تتطابق سيرة حياتي منذ سنة تقريبا مع سيرة شخصية في رواية ما. لم أفكر من قبل أن أكون القارئ والشخصية في رواية، ولا أن تتطابق الحالة الحرجة التي عاشها المدعو "ك" مع الفترة الحرجة التي أعيشها الآن. كل هذه التفاصيل الدقيقة تجعلني أفكر بشطري الرواية: الجانب الفني والجانب الشخصي.

منذ الصفحة الأولى واختيار الروائي تقسيم الرواية إلى أسابيع يتناول فيها تفاصيل حياته، التي بدأت حرجة منذ اللحظة الأولى وهو يعاني الرعاف، الذي تحوَّل إلى سرطان الدم (اللوكيميا). يستخدم الراوي الزمن المضارع، ويذكرنا برواية الغريب لكامو، لسير الرواية بزمن متسلسل، دون أن يربك زمن السرد، أو يحتاج لتعقيداته وتدويره. فمنذ الأسبوع الأول حتى الأسبوع الأخير تسير الرواية وهي تصوِّر لنا حالة البطل، وعلاقته الشخصية بكل مَن حوله؛ تفاعله مع أسرته والمحيطين بها، تفاعله مع زملاء العمل، تفاعله مع الطاقم المسؤول عن علاجه، وأخيرا علاقته بحياته، ومراراتها التي أخرجته من قلب الحياة إلى حافتها، وارتباطه بالكتب التي شكَّلت ما يشبه الخلاص له.

أجاد عزيز محمد استخدام تكنيك التناص، بمفهومه الغربي، لا العربي، واستخدم النص الأساسي لكافكا، الذي كان متأثرا، تماما كعزيز محمد، برواية دوستويفسكي وبطله راسكولينكوف في الجريمة والعقاب. وكما في رواية المحاكمة، والتي لم تكتمل، لم تكتمل رواية عزيز محمد. لم يضع لنا إطارا لما آلت إليه حالة المدعو "ك". وإن كانت عبارة كافكا الحامضة في نهاية الرواية "كمثل كلب" مؤلمة بما يكفي، جاءت الصفحات الأخيرة في رواية عزيز محمد هي الحلقة الأضعف في السرد.

المتعة الكبرى كانت بهذه التفاصيل الدقيقة التي يعيشها البطل، وينقلها الراوي بسلاسة لغوية جاذبة، بعيدا عن التكلف المصاحب للسرد الروائي عادة. وربما المثلبة التي لم ينتبه لها الراوي هي استخدام كلمات بذيئة خارج سياقها الثقافي، ونقلها من الأدب الأجنبي، دون إدراك الفارق الثقافي والاجتماعي. هذه الكلمات التي يرددها الغربي يستخدمها الأستاذ الجامعي ضمن دلالات تختلف عن استخدامها في الشارع، فهي لا تعني شتيمة أو قبحا في محاضرة أدبية كما تعنيه في مشاجرة، فيما هي ليست كذلك بثقافتنا. لم ترد هذه الألفاظ في شجار أو ردة فعل، بل جاءت ضمن السرد كنتوءات مخلة بجماليته.

الشطر الثاني من الرواية شأن شخصي له علاقة بتعاطفي الكامل مع النص. بعد منتصف الرواية، وإصابة الراوي بمرض سرطان اللوكيميا يمر الراوي بذات التفاصيل النفسية والطبية التي عشتها منذ سنة، وما زلت أعيشها. أن تعيش هذه العمليات الجراحية، والفحوص المتتالية، وجرعات الكيماوي المزعجة، وتفاعل الآخر معك أحيانا بتعاطف مصطنع، ومحاولات أخرى تفسيرية للحالة التي تعيشها بين زملاء يتحولون إلى أطباء ورجال دين ووعاظ وأطباء يتكلمون بشكل علمي. كانت كل تفصيلة عاشها الراوي تمت لي بصلة، وأتفاعل معها بحميمية تخرجني أحيانا من فنيات النص إلى واقعيته المفرطة. وربما لا يجد القارئ الذي يعيش خارج التجربة سوى رواية خيالية، وقد يأخذها للواقع، الذي لا أعرفه عن الروائي، ولن أفترضه بالتأكيد، سيجد القارئ الذي عاش تفاصيلها سيرة ذاتية نقلها بحذافيرها لعزيز محمد، كي يكتبها بهذا الجمال. عزيز محمد ربما سأكتفي بمشروعك هذا، وأتوقف عن كتابة سيرتي المرضية. فماذا فعلت؟

ملاحظة لا تبدو مهمة: عدد صفحات الحالة الحرجة للمدعو "ك" هي نفس عدد صفحات المحاكمة لكافكا في ترجمة "ديفيد ويلي" للإنكليزية (271 صفحة). بالتأكيد مصادفة.

back to top