ما قــل ودل: تعاون السلطتين في مجلس الأمة... أمثلة رائعة من الفصول التشريعية الأولى

نشر في 11-02-2018
آخر تحديث 11-02-2018 | 00:15
 المستشار شفيق إمام مجتمع الأسرة الواحدة

استهلت المذكرة التفسيرية للدستور بيانها في التصوير العام لنظام الحكم، بالنبع الذي استمد منه الدستور أحكامه، وهو أن الكويت مجتمع الأسرة الواحدة بما قررته من أنه: "فلقد امتاز الناس في هذا البلد عبر القرون، بروح الأسرة تربط بينهم كافة، حكاماً ومحكومين. ولم ينل من هذه الحقيقة ذات الأصالة العربية، ما خلفته القرون المتعاقبة في معظم الدول الأخرى من أوضاع مبتدعة ومراسم شكلية باعدت بين حاكم ومحكوم".

وقد كانت الممارسات البرلمانية في الفصل التشريعي الأول من الحياة البرلمانية شاهدا على ذلك، وتجسيدا لنبض الدستور وروحه، فلم يكن قد جف المداد الذي كتبت به نصوص الدستور في هذا الفصل، وكان الخبير الدستوري الراحل الدكتور عثمان خليل الذي صاغ نصوص الدستور طرفا أصيلا في هذه الممارسات وفي النقاش الذي يدور حولها في حوار راق بين الأعضاء وبين الوزراء، وفي تناغم وتقارب، ليس فيه تنابذ بالألفاظ أو تجريح، تجسيدا لمعنى الأسرة الواحدة والتقاليد الأصيلة في هذا المجتمع، نذكر من هذه الممارسات الأمثلة الآتية:

1- الاستجواب

وقد كان السجال في الاستجوابات في الفصول التشريعية الأربعة الأولى في الحياة البرلمانية تراشقا بالعواطف والود والمحبة، والبين من هذه الاستجوابات جميعا أن مناقشتها كانت تتم بروح الإخاء والتعاون بين مقدمي الاستجوابات وبين الوزراء المستجوبين، وقد تجسدت هذه الروح عندما سقط الاقتراح بسحب الثقة من السيد خالد العدساني وزير التجارة والصناعة في الاستجواب المقدم ضده من بعض النواب في الفصل التشريعي الثالث، فوقف الوزير ليقول: "كنت أتمنى حين قدمت استقالتي قبل أربعة شهور أن أنال قبول هذه الاستقالة، ولكن طلب مني أن أبقى وبقيت والآن بعد أن حزت هذه الثقة الطيبة من الإخوان، من المجلس الكريم جميعا، أتمنى أن أحصل على قبول استقالتي في هذه اللحظة".

وكان رد السيد عبدالله النيباري أحد مقدمي الاستجواب "أنا أولا أشكر الوزير على موقفه النبيل تجاهنا وارتفاعه فوق العاطفة، وأنا أؤكد له أنه لدينا كأب وكأخ كبير مازال ولن يمحى، وإذا كنا نصارع سياسة خالد العدساني، فخالد العدساني كرجل هو دائما فوق رؤوسنا... بالرغم مما أثاره الاستجواب من بعض الشطحات (مضبطة جلسة 16/ 4/ 1974 ص 80 و81).

2- لجان التحقيق البرلماني

ما حدث بمناسبة اقتراح النائب المحترم السابق أحمد الخطيب تشكيل لجنة تحقيق حول المظاهرات التي جرت يوم 27/ 2/ 1963 من أبناء اليمن وكيفية مواجهتها، حيث صوت خمسة وزراء بالموافقة مع الأعضاء وصوت بعدم الموافقة ثلاثة وزراء وامتنع ثلاثة وزراء عن التصويت، وكان الشيخ عبدالله الجابر من بين الموافقين على تشكيل اللجنة، وكان الشيح جابر العلي من بين المعارضين وامتنع كل من الشيخ جابر الأحمد والشيخ سالم العلي عن التصويت (د. (1) ص (35) م (5) 5/ 3/ 63).

3- طلبات التأجيل

عند مناقشة تقرير لجنة الشؤون التشريعية والقانونية في شأن اقتراح بقانون بإنصاف العمال الكويتيين حيث طلب الشيخ مبارك العبدالله وزير الداخلية التأجيل لإعطاء فرصة أوسع للجنة المختصة في دراسته، فقال أحد الأعضاء إن الحكومة طلبت التأجيل لأن لديها أشياء تدرسها، فعقب وزير الداخلة بأنه طلب التأجيل بصفته عضوا في المجلس أما الحكومة فلم تطلب التأجيل، واستغرب العضو متسائلا: وزير الداخلية هل لا يمثل الحكومة؟ فأجاب: لا كل وزير يمثل نفسه. (دور الانعقاد الأول ص(42) مضبطة (17) جلسة 21/ 5/ 63).

4- الجواب على الخطاب الأميري

عند مناقشة مشروع الجواب على الخطاب الأميري الذي أعدته اللجنة المشكلة لهذا الغرض أبدى الوزير عبدالعزيز حسين بأن التخطيط لم يحز النصيب الكافي في الرد على الخطاب الأميري، واقترح أن يستبدل بعبارة تشجيع التخطيط عبارة أكثر قوة كأن يقال إن المجلس يؤمن بالتخطيط كأساس سليم للتطور الاقتصادي والاجتماعي.

مما أثار نقطة نظام أبداها النائب يوسف السيد هاشم مستفسرا من الخبير الدستوري حول جواز أن تقترح الحكومة تعديلا على جواب المجلس على الخطاب الأميري.

وعقب الوزير بأن كل شيء لصالح الشعب، وأنه هنا في المجلس له صفة أخرى، وهي أنه عضو في المجلس وللمجلس أن يأخذ برأيه باعتباره زميلا للأعضاء المحترمين أو يرميه في الخارج.

وعقب النائب يوسف السيد هاشم بقوله إنه يؤمن بالتعاون بين السلطتين ويطالب بتنمية هذا التعاون والكلمة التي قالها الوزير كلمة طيبة ونحن نوافق عليها من حيث المبدأ، ولكن هذا خطاب من المجلس إلى الحكومة يجب أن يحمل رغبات الأعضاء لا رغبات الحكومة، فأجاب الخبير الدستوري "أنا أرى أن سعادة وزير الدولة وهو يعمل هنا كعضو فضلا عن كونه وزيرا، وأن الوزير بكلمته هذه لم يترك له مجالا للإضافة كخبير دستوري".

وأيد النائب عبدالرزاق الخالد وجهة نظر الوزير واستشهد بسابقة رفض وزير الشؤون الاجتماعية والعمل الموافقة على الاعتمادات الإضافية منفردا دون سائر الوزراء.

كما أيدها كذلك النائب محمد قبازرد، معتبرا الوزير كغيره من الأعضاء يبدي رأيه، وإذا كان له اقتراح في المجلس فله حق تقديمه كعضو في المجلس لا كعضو في الحكومة.

وعقب الرئيس بأن الدستور يجيز ذلك فأصبح هذا حقا من حقوق الوزير، ويجب أن يتمتع به ويملك المجلس الجرأة بأن يرفض هذا الاقتراح.

وخلال النقاش قرر الخبير الدستوري بأنها مسألة دستورية وأن الدستور فصل فيها، عندما قرر اعتبار الوزراء بحكم مناصبهم أعضاء في مجلس الأمة، ولذلك عندما يدخل الوزير هذا المكان له أن يتحدث كعضو وأن يستعمل جميع اختصاصات الأعضاء، وأننا درجنا على هذا منذ بدء العمل بالدستور، فجميع الرغبات التي قدمت في المجلس إلى الحكومة شارك الوزراء في مناقشتها وفي صيغتها، وكذلك سمح للوزراء أن يختلف تصويت أحدهم عن الآخر، وألا يتقيدوا بما قرره مجلس الوزراء قبل مجيئهم إلى هذا المكان، (دور الانعقاد العادي الثاني ص (52-42) من المضبطة).

5 - اللجان المشتركة:

من المعلوم أن عضوية اللجان مقصورة على أعضاء مجلس الأمة من غير الوزراء، حرصا على ألا تحول عضوية الوزراء في لجان مجلس الأمة عن القيام بمسؤولياتهم في اللجان المناظرة في مجلس الوزراء، فضلا عن القيام بمسؤولياتهم في الإشراف على وزاراتهم والجهات التابعة لهم.

إلا أن التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، قد فرض عليهما تشكيل لجنة مشتركة من أعضاء من مجلس الأمة ومن الوزراء لحسم الرأي فى تفسير المادة 131 من الدستور من ناحية الحظر المفروض فيها على الوزراء في مزاولة أي عمل صناعي أو تجاري أو مالي، كما لا يجوز للوزير أن يسهم في التزامات تعقدها الحكومة أو المؤسسات العامة، حين احتدم الخلاف في الرأي حول انطباق هذا الحظر على تعاقد الدولة مع شركات ذات شخصية معنوية مستقلة إذا كان من أصحاب الأسهم أو الحصص فيها وزير من الوزراء، وقد انتهت اللجنة إلى "أنه ليس ثمة ما يمنع من ذلك"

كما صدر القانون رقم 1 لسنة 1963 بشأن الإصلاح الإداري ناصا في مادته الأولى على تشكيل لجنة يشارك فيها وزير العدل وأعضاء من مجلس الأمة والنائب العام، وهي لجنة لا تقتصر على السلطتين التشريعية والتنفيذية فقط، بل على السلطة القضائية أيضا ممثلة بالنائب العام.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top