الجيش المصري يطلق «العملية الشاملة» ضد الإرهاب

استنفار شمال سيناء وإغلاق المتاجر ومحطات الوقود ومقاتلات تدك معاقل الإرهابيين

نشر في 10-02-2018
آخر تحديث 10-02-2018 | 00:06
قطاعات عسكرية تتجه إلى شمال سيناء أمس
قطاعات عسكرية تتجه إلى شمال سيناء أمس
أعلن الجيش المصري أمس "العملية الشاملة للقوات المسلحة سيناء 2018"، التي تستهدف تطهير شبه الجزيرة من الإرهابيين، تزامنا مع استنفار أمني غير مسبوق في البلاد، وتحرك قوات الجيش والشرطة لمهاجمة أماكن تجمعات الإرهابيين في سيناء وعبر الحدود الليبية.
قبل نحو 20 يوما من انتهاء مهلة الرئيس عبدالفتاح السيسي لقوات الجيش والشرطة بتطهير مصر من الإرهاب، دشن الجيش المصري، في مشهد مهيب، عملية عسكرية واسعة النطاق، تركز على مواجهة الإرهاب في سيناء أساسا، وتمتد عبر الصحراء الغربية الملاصقة للحدود مع ليبيا، ولا تستبعد البؤر الإرهابية في الجبال الملاصقة لبعض محافظات الصعيد، في واحدة من أكبر العمليات العسكرية ضد الجماعات التكفيرية.

وأعلن المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية تامر الرفاعي، أمس، تدشين "العملية الشاملة للقوات المسلحة سيناء 2018"، في إطار التكليف الصادر من رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي للقيادة العامة للقوات المسلحة ووزارة الداخلية بالمواجهة الشاملة للإرهاب والعمليات الإجرامية الأخرى، بالتعاون الوثيق مع مؤسسات الدولة كافة، بهدف "إحكام السيطرة على المنافذ الخارجية للدولة المصرية، وتطهير المناطق التي توجد بها العناصر الإرهابية".

ودعت القوات المسلحة، في البيان الذي حمل رقم واحد، والذي ألقاه الرفاعي، الشعب المصري إلى "التعاون الوثيق مع قوات إنفاذ القانون لمجابهة الإرهاب واقتلاع جذوره والإبلاغ الفوري عن أي عناصر تهدد أمن واستقرار الوطن". وبعد البيان السابق بأربع ساعات، أصدر المتحدث العسكري البيان رقم اثنين، والذي أكد فيه أن القوات الجوية قامت باستهداف "بعض البؤر والأوكار ومخازن الأسلحة والذخائر التي تستخدمها العناصر الإرهابية كقاعدة لاستهداف قوات إنفاذ القانون والأهداف المدنية بشمال ووسط سيناء"، بالتوازي مع تشديد القوات البحرية إجراءات التأمين على المسرح البحري، بغرض قطع خطوط الإمداد عن العناصر الإرهابية، وتتولى قوات حرس الحدود تشديد إجراءات التأمين على المنافذ الحدودية، بينما تتولى عناصر الجيش والشرطة تكثيف الانتشار أمام الأهداف والمناطق الحيوية في الداخل المصري.

وتعد عملية الجيش والشرطة الأخيرة من أكبر العمليات المكرسة لمواجهة الإرهاب في الأعوام التي تلت ثورة 25 يناير 2011، كما أن "العملية الشاملة" تأتي قبل شهر من إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة في مارس، والتي ينافس فيها رئيس حزب الغد موسى مصطفى موسى، الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي يسعى لولاية رئاسية ثانية.

وكان السيسي طلب من رئيس أركان القوات المسلحة محمد فريد حجازي، ووزير الداخلية مجدي عبدالغفار، استعادة الأمن خلال ثلاثة أشهر في سيناء، خلال احتفالية ذكرى المولد النبوي 29 نوفمبر الماضي.

كواليس العملية

وكشف مصدر رفيع المستوى لـ"الجريدة" كواليس عملية سيناء 2018، إذ أكد أن العملية تتم بمشاركة كل الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة، وتم التصديق عليها رسميا منذ الأسبوع الماضي من السيسي، بهدف القضاء على التنظيمات الإرهابية.

وأشار المصدر إلى أنه سبق إطلاق الحملة عملية جمع معلومات أمنية استغرقت نحو 45 يوما، رصدت أماكن وجود الإرهابيين، ونوعية تسليحهم وجنسياتهم وعددهم.

وأكد أن العملية تشمل تشديد الإجراءات الأمنية على الحدود مع ليبيا، ووضع قوات على الحدود بشكل كامل، وتم وضع قوات انتشار سريع وقوات من حرس الحدود لتأمين الحدود بين البلدين، لمنع توغل أي عناصر إرهابية تستغل انشغال القوات بتطهير سيناء، مضيفا: "العمليات تشمل أيضا تمشيط المدقات الجبلية في الوادي الجديد والواحات".

أوضاع ميدانية

على الأرض، نقل مراسل "الجريدة" في سيناء أجواء العمليات العسكرية، وأكد أن حالة من الهدوء والترقب سادت بين أبناء مدن شمالي سيناء، مع تحليق المقاتلات في الأجواء، وسماع دوي قصف لبؤر الإرهابيين.

وأشار إلى إغلاق جميع مداخل شمال سيناء المشتركة مع محافظات جنوب سيناء وإقليم القناة، وتم إغلاق الطرق بين العريش ورفح والشيخ زويد، وإغلاق محطات الوقود في العريش، ومنح طلاب جامعة سيناء إجازة مدة أسبوع، ورجحت مصادر إرجاء الدراسة بمدارس شمال سيناء لأجل غير مسمى، بالتوازي مع تعليمات للأهالي بعدم الاقتراب من كمائن الجيش والشرطة.

وقال شهود عيان إن المقاتلات الحربية وجهت ضربات جوية شملت مناطق الظهير الصحراوي لمراكز العريش والشيخ زويد ورفح، مع بداية العمليات، وتحركت الأرتال الأمنية في اتجاهات مختلفة تحت غطاء جوي شمل مراقبة وإغلاقا للطريق الدولي الساحلي بين القنطرة والعريش.

واضاف الشهود انه تم تشديد إجراءات التفتيش عند جميع الكمائن على الطرق الرئيسية ومحيط المدن، مما قلص من تحركات الأهالي الذين التزموا منازلهم، بينما أعلنت مستشفيات شمال سيناء الاستنفار تحسبا لأي طارئ.

وفي رفح استمر العمل في المعبر البري لليوم الثالث على التوالي حتى ساعة مبكرة من صباح أمس، لكن سرعان ما تم إغلاقه بعد دخول وفد من حركة حماس، برئاسة إسماعيل هنية، الأراضي المصرية، والذي يبدأ زيارة رسمية لمصر لبحث عدد من الملفات المشتركة، وأهمها مصير المصالحة الفلسطينية، وتأمين الحدود بين مصر وقطاع غزة.

في الاثناء، أعلنت وزارة الداخلية تعزيز الإجراءات الأمنية، بمحيط المنشآت المهمة والحيوية والمشاريع القومية والاستثمارية، ومرافق الدولة الحيوية ومحطات الكهرباء والمياه ودور العبادة والأماكن السياحية، في إطار حالة الاستنفار القصوى بمختلف الاتجاهات الاستراتيجية بالدولة، في إطار التنسيق الكامل مع قوات الجيش.

وانتشرت الشرطة في القاهرة والمدن الرئيسية بالمحافظات، وقال مصدر أمني إنه تم إطلاق حملات أمنية لتمشيط الجزر النيلية والمناطق الجبلية والقرى والنجوع النائية للقضاء على البؤر التي تهدد أمن وسلم المواطنين.

وكشفت الداخلية، في بيان رسمي، عن مقتل 3 إرهابيين من حركة حسم الإرهابية بالقاهرة، وضبط 14 آخرين بمحافظات القليوبية والفيوم وأسيوط والدقهلية والبحيرة والمنوفية والشرقية.

وأشارت إلى أنها في إطار "إجهاض مخططات جماعة الإخوان الإرهابية التي تستهدف المساس بأمن الوطن والنيل من مقدراته، فقد رصد قطاع الأمن الوطني صدور تكليفات من قيادات الجماعة الإرهابية الهاربة بالخارج لعناصرها المنتمين لما تسمى بحركة حسم... لتنفيذ سلسلة من العمليات العدائية المتزامنة خلال الانتخابات الرئاسية لإحداث حالة من عدم الاستقرار".

وتابعت: "تم رصد تحركات العناصر الإرهابية بإحدى الشقق السكنية الكائنة بعمارات الإسكان الاجتماعي تحت الإنشاء بالقاهرة، حيث تمت مداهمة الوكر، وتبادل إطلاق النار معهم، ما أسفر عن مصرع ثلاثة عناصر أمكن تحديد هوية أحدهم، وتبين أنه إخواني".

متابعة رئاسية

وأعلن الرئيس السيسي متابعته عمليات الجيش والشرطة، وكتب عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك": "أتابع بفخر بطولات أبنائي من القوات المسلحة والشرطة لتطهير أرض مصر الغالية من العناصر الإرهابية أعداء الحياة، ودائما تحيا مصر".

وذكر مصدر رفيع المستوى أن الرئيس السيسي يتابع بنفسه خط سير العمليات، وأنه اجتمع مع وزير الدفاع صدقي صبحي، قبل إطلاق العملية، من أجل تأكيد ضرورة تطهير مصر من الإرهاب.

وحول تقييم العملية العسكرية، قال الخبير الاستراتيجي جمال أبوذكري، لـ "الجريدة"، إن العملية تأتي استجابة لتوجيهات الرئيس السيسي بتطهير سيناء من الإرهابيين، مؤكدا أن أهمية العملية تكمن في أنها أحبطت العمليات التي كان من المتوقع أن تقوم بها العناصر الإرهابية خلال فترة الانتخابات الرئاسية.

«الشاملة» تعقب «النسر» و«حق الشهيد»

منذ الانفلات الأمني، الذي أعقب ثورة 25 يناير 2011، شن الجيش المصري سلسلة من العمليات العسكرية البارزة، لتطهير سيناء من البؤر الإرهابية التي تمركزت في شمالي سيناء ووسطها، كان آخرها العملية المعنونة بـ"المجابهة الشاملة"، التي تعد خليفة لعمليتي "النسر" في 2011، وحق الشهيد 2015.

وانطلقت العملية "نسر" في 12 أغسطس 2011، عقب عدة تفجيرات استهدفت أنبوب تصدير الغاز إلى إسرائيل والأردن، وإعلان تنظيم أطلق على نفسه اسم "جيش تحرير الإسلام" اعتزامه تحويل سيناء إلى إمارة إسلامية، ونشر الجيش المصري نحو 1000 جندي في سيناء لإحكام السيطرة عليها.

ودشن الجيش المصري عملية "نسر 2" في 5 أغسطس 2012، ردا على مقتل 16 جنديا، إثر هجوم مسلح بالقرب من معبر أبوسالم، شمال سيناء، وقال الجيش المصري إن العملية جرت على مرحلتين، الأولى تم تنفيذها من 7 إلى 30 أغسطس، أما الثانية فبدأت من 31 أغسطس 2012.

ثم أطلقت القوات المسلحة المصرية حملة ضخمة في سيناء، تحت شعار "حق الشهيد"، في 8 سبتمبر 2015، بعد سلسلة من الهجمات الإرهابية، في مناطق رفح والشيخ زويد والعريش، شمال سيناء، وانتهت المرحلة الرئيسية منها في 22 سبتمبر، وأسفرت عن مقتل 535 إرهابيا، بينهم عناصر تنظيمية شديدة الخطورة، وضبط 634 من المطلوبين أمنيا، إلى جانب تدمير 613 وكرا للجماعات المسلحة.

واستكملت المرحلة الثانية من عملية "حق الشهيد" في يناير 2016، لمواجهة تنظيم "بيت المقدس" في سيناء، الذي بايع تنظيم داعش تحت اسم "ولاية سيناء"، واستمرت 4 أيام، وأسفرت عن مقتل 98 عنصرا إرهابيا،

وأعلنت المرحلة الثالثة من "حق الشهيد" في 25 أكتوبر 2016، واستمرت ثلاثة أيام، وأسفرت عن قتل 48 إرهابيا، كما انطلقت المرحلة الرابعة من "حق الشهيد" في يوليو 2017، واستمرت 8 أيام، تمكنت قوات الجيش خلالها من قتل 40 تكفيريا مسلحا.

وورثت "العملية الشاملة" التي انطلقت أمس، هذا الميراث من العمليات الضخمة الناجحة، ويتوقع أن تكون "الشاملة" الأضخم، لأنها لا تقتصر على سيناء فقط كسابقاتها، بل تمتد إلى وسط الدلتا والصحراء الغربية وبعض محافظات الصعيد.

حضور عسكري لافت قرب «ظهر»

في ظل التوتر الذي تشهده منطقة شرق البحر المتوسط، الغنية بالغاز الطبيعي، بدا لافتا الحضور العسكري المصري حول حقل "ظهر" المصري في المنطقة الاقتصادية المصرية بالبحر المتوسط، في الفيديو الذي بثته القوات المسلحة أمس، لتدشين "العملية الشاملة سيناء 2018"، لتطهير مصر من البؤر الإرهابية. وظهرت قطع بحرية مصرية حول حقل "ظهر" العملاق، الذي بدأت القاهرة الأسبوع قبل الماضي استخراج الغاز الطبيعي منه، ما توقف أمامه الإعلامي المصري عمرو أديب، وغرد قائلا: "توقفت عند لقطات القوات البحرية المصرية وهي تطوف حول منصة حقل ظهر للغاز، إجابة على سؤال حول ملاحظاتي على بيانات القوات المسلحة، الرسالة واضحة". وتلميح أديب حول "الرسالة الواضحة" يعيدنا إلى التلاسن الخشن بين تركيا ومصر الأسبوع الماضي، على خلفية تباين المصالح في المناطق الاقتصادية بمنطقة شرق البحر المتوسط الغنية بالغاز الطبيعي، إذ أعلن وزير الخارجية التركي عدم اعتراف أنقرة باتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص الموقعة عام 2013، للاستفادة من المصادر الطبيعية في المنطقة الاقتصادية الخالصة للبلدين في شرق البحر المتوسط. وردت مصر بقوة تكشف عن استياء وغضب غير مكتوم، إذ أعلنت الخارجية المصرية أن الاتفاقية "لا يمكن لأي طرف أن ينازع في قانونيتها"، محذرة من أي محاولة للمساس أو الانتقاص من حقوق مصر السيادية في منطقة شرق المتوسط، وأنه سيتم التصدي لأي محاولة في هذا الإطار.

ويعزز مسار تحرك مصر في المتوسط، عبر الاتصال الهاتفي بين الرئيس عبدالفتاح السيسي ونظيره القبرصي نيكوس أنستاسيادس، التعاون الثنائي بين البلدين.

وكشف مصدر حكومي مسؤول، لـ"الجريدة"، أن الاتصال أكد التنسيق المتبادل في مواجهة التصريحات التركية، وأن الطرفين شددا على استمرار التعاون بين القاهرة ونيقوسيا، من أجل استخراج الغاز من منطقتيهما الاقتصادية في المتوسط.

تعد عملية الجيش والشرطة الأخيرة من أكبر العمليات المكرسة لمواجهة الإرهاب في الأعوام التي تلت ثورة 25 يناير 2011

الشرطة تقتل ثلاثة عناصر إرهابية من «حسم» في القاهرة
back to top