لكي نفهم الجذور التاريخية لإعلان القدس عاصمة لإسرائيل (2-2)

نشر في 08-02-2018
آخر تحديث 08-02-2018 | 00:09
إشارة نائب الرئيس الأميركي مايك بنس إلى إسرائيل أنها أرض الميعاد وأن لليهود تاريخا عمره 2000 عام في فلسطين، وإشارته إلى خروج الإسرائيليين من أرض الاضطهاد إلى أرض الحرية هو استشهاد غير صحيح تاريخياً.
 د. سناء الحمود العجلان لكي نعرف لماذا في الزمن الماضي والحاضر استُبيحت أرض فلسطين فإن علينا أن نرجع إلى الأساطير التوراتية، ففي سفر التكوين يكشف كنعان، وهو جد الكنعانيين الفلسطيني، مصادفة على عورة أبيه نوح، فيلعنه النبي نوح، ويخرج من الاصطفاء بعد أن أعلن نوح أنه "ملعون كنعان عبدا يكون لعبيد، إخوته سام جد الساميين، ويافث جد الأوروبيين". (سفر التكوين 9:5).

وبهذه التهمة تم التحضير للاستيلاء على أرض كنعان، وهو الاسم التوراتي لفلسطين، وقبل هذه الحادثة كان يشار للعرب المستعربة في التوارة باسم الإسماعيليين، وأيضا تم التمهيد للاستيلاء على أرضها في زمن القائد العسكري الإسرائيلي يوشع Joshua وإسماعيل هو ابن إبراهيم الأكبر، ووصف في التوراة أيضا بأنه عنيد حمار وحشي كرجل يده ضد الجميع ويد الجميع ضده، وسوف يعيش في حالة عداء مع كل إخوته. (تكوين 12: 16). وواضح في هذا النص محاولة إقصاء إسماعيل وأمه هاجر من الحضانة الإسرائيلية التي منحها النبي إبراهيم لابنه إسحاق وأسباط يعقوب الاثني عشر. وبالعودة للتوراة أيضا نجد أن الرب "وعد إسماعيل جد العرب بأن تكون له أمة عظيمة" (سفر التكوين 18: 21)، وقد سمى العهد القديم الإسماعيليين بالمديانيين، وهم من المغضوب عليهم، ومن المؤكد أن كراهية الهاجريين في التوراة ليست مستمدة من أخلاقهم أو تصرفاتهم، ولكن من اختلاف الأمهات، فالهاجريون الإسماعيليون من ذرية هاجر جارية النبي إبراهيم، والسبب الآخر لكرههم هو أن الهاجريين ذرية إسماعيل كانت لهم أرض عظيمة ترعى فيها مواشيهم والأسباط اليهودية وبالأخص سبط روبن Reuben كان بحاجة إلى هذه الأرض، وتسميتهم الهاجريين ربما لوضع حاجز بيولوجي بينهم وبين بنوتهم للنبي إبراهيم. فالهاجريون أصبحوا شعبا يحارب الإسرائيليين في عهد أول ملوك بني إسرائيل الملك شاؤول.

بعد ذلك اشتدت معركة روبن مع الإسماعيليين، ويقال إن الإله تدخل لصالح الإسرائيليين، كما جاء في التوارة، فاستجاب الله لدعوات الإسرائيليين فغنموا خمسين ألف جمل وألفا ومئتي خروف وألفي حمار، كذلك أخد الإسرائيليون أسرى حرب عددهم مئة ألف أسير، وبعضهم تم ذبحه لأن المعركة معركة الله ضد الهاجريين". (سفر الأخبار 22-5:19) ومن عدد القتلى والأسرى والغنائم ندرك الثقل الاجتماعي والاقتصادي لشعب إسماعيل، فالمعركة هي معركة الاستحواذ على الأرض لأن مهنة الجانبين كانت الرعي وحاجتهم إلى الكلأ والماء أدت إلى اصطدامهم، وبالرغم من أنهم كانوا جميعا من ذرية النبي إبراهيم لكنهم من أمهات مختلفة.

إن إشارة نائب الرئيس الأميركي إلى إسرائيل أنها أرض الميعاد وأن لليهود فيها تاريخا عمره 2000 عام في فلسطين، ثم إشارته إلى خروج الإسرائيليين من أرض الاضطهاد إلى أرض الحرية هو استشهاد غير صحيح تاريخياً، ففلسطين أرض الكنعانيين land of cannans كما تسميها التوراة في أكثر من موقع، وكانت هذه الأرض تعج بالممالك الكنعانية منذ 4000 عام ودخلها النبي إبراهيم، وكان غريبا عنها، دخولا دبلوماسيا هادئا، وكان يردد "آراميا غريبا كان أبي". (سفر التكوين 12-1). ولم يكن يملك أرضا لدفن زوجته سارة، فاشترى أرضا بسبع نعجات، وهي الأرض المعروفة الآن بأرض السبع، وعاش فيها بلا قتال أو صراع عام 2136 قبل الميلاد، ولكن الصراع بدأ عام 1450 قبل الميلاد عندما خرج الإسرائيليون من مصر متوجهين إلى شرق الدلتا المعروفة بأرض كنعان بقيادة النبي موسى، ويقال إنهم تاهوا في صحراء سيناء 40 عاماً سميت سنوات التيه، وأعتقد أنهم كمنوا هناك يتحينون الفرص لاختراق أرض الفلسطينيين، ومات النبي موسى ولم يتمكنوا من عبور نهر الأردن، ثم بعد وفاة النبي موسى تزعم القبائل الإسرائيلية القائد العسكري يوشع Joshaua.

إن التوارة تذكر مرارا وتكرارا أن اليهود كانوا غرباء في منطقة الشرق الأوسط، وكانوا يعملون في الأعمال الشاقة في مصر كبناء المدن، ودخولهم إلى بلاد كنعان لم يكن تسربا هادئا كدخول إبراهيم وقبيلته، فهم تربصوا في سيناء وأرسل يوشع الجواسيس إلى بلاد كنعان لمعرفة نقاط الضعف في تلك الممالك الكنعانية الخمس، وتعاونت معهم عاهرة فلسطينية في جرش صاحبة حانة اسمها رحاب. (سفر يوشع 2:1) واختبأ الجواسيس عندها ونتيجة الخطة العسكرية لا الإلهية سقطت أسوار جرش، وقيل إن أسوار جرش سقطت بسبب صوت الأبواق التي أطلقها الإسرائيليون. (سفر يوشع 27-1: 6). وذلك من أجل إعطاء المعركة بعدا لاهوتيا. وبعد سقوط جرش توالت سقوط المدن الكنعانية وقام القائد يوشع بذبح كل رجل وامرأة وطفل، وعلق الملوك الخمسة على أبواب مدينتهم، وقتل كل سكان جرش ولم يبق إلا صاحبة الحانة رحاب التي اعتبرها اليهود بعد ذلك قديسة.

هذه المذابح الرهيبة التي ارتكبها الإسرائيليون باعترافهم هل تتفق مع ما قاله نائب الرئيس الأميركي بأن اليهود علموا البشرية المدنية؟

الإسرائيليون يدينون أنفسهم بأنفسهم، فجميع مذابحهم ضد ممالك كنعان مسجلة في التوراة من باب الزهو والفخر، ثم يتناسى نائب الرئيس الأميركي هذا الجزء من التوراة ويعتبر انتصار الإسرائيليين في مذابحهم القديمة والحديثة حدثا لاهوتيا تحقق برغبة الإله، في حين أنها لا تعدو كونها معارك غزو واحتلال لأرض الكنعانيين الفلسطينيين الذين يعود تاريخ وجودهم في أرض كنعان إلى 4000 سنة قبل الميلاد، وهل ينسى نائب الرئيس الأميركي مذابح القائد الإسرائيلي يوشع وإفناءه للمالك الكنعانية الخمس: المؤابيين، واليبوسيين، والبيرزيتيين والحيفاويين والأدوميين.

ونود أن نقول لنائب الرئيس الأميركي بنس إن عمر دولة بني إسرائيل بقضاتها وملوكها لا تزيد على 250 سنة منذ حكم شاؤول أول ملك لإسرائيل حتى سقوط إسرائيل عام 587 حيث هاجم الملك البابلي نبوخذ نصر أورشاليم، وحمل النخبة من شعب إسرائيل إلى بابل وسبى اليهود فيما يعرف في التاريخ بالسبي البابلي، وحطم معبد اليهود، ولكن ملك فارس سايروس استولى على عاصمة البابليين والإمبراطورية البابلية، وسمح لليهود بالعودة، ومنحهم نوعا من الحكم الذاتي فأعاد اليهود الذين أعادوا بناء الهيكل.

التاريخ يحدثنا أيضا أن الإمبراطور الروماني Hadrian هادريان حطم أورشليم تحطيما تاماً، ومنع اليهود من دخول المدينة، محاولا إزالة أي ارتباط لليهود في هذه المدينة، كما أن الرومان أسموا هذه البقعة فلسطين بدلا من يهوذا. وهكذا نلاحظ أن سيطرة الإسرائيليين على أرض فلسطين متقطعة حسب الظروف التاريخية، وليست دائمة كما أشار نائب الرئيس الأميركي بنس. الغريب أن الدستور الأميركي دستور علماني ولا ذكر لليهودية أو المسيحية في نقاطه، وقد لاحظ الأميركيون أنفسهم أن أي تآلف بين الدين والدولة يؤدي إلى الاضطهاد والدكتاتورية، كما أن حكومة الولايات المتحدة لم ترتكز على الدين المسيحي في كتابة دستورها، وحتى الرئيس الأميركي الأسبق جون كنيدي الذي كان كاثوليكيا لم يستخدم الدين في قراراته لأن استخدام الدين في القرارات السياسية سلاح ذو حدين إن استخدمته جماعة أجازته الفئة الأخرى، لذلك فإن تصريح نائب الرئيس الأميركي بأن اليهود انتظروا 2000 سنة من أجل العودة إلى أرض الميعاد غير صحيح تاريخيا؛ لأن الأرض أساساً هي أرض الكنعانيين الفلسطينيين كما تسميها التوراة، وعندما دخل اليهود فلسطين في نهاية الألفية الثانية قبل الميلاد دخلوها غزاة محتلين لا مواطنين عادوا إلى بلادهم. وإذا كان الشعب اليهودي قد أنتج كتّابا وعلماء فهذا لا يعفيه من أنهم جاؤوا إلى المنطقة غزاة وقتلة وطغاة، كما أننا نتمنى من نائب الرئيس الأميركي أن يراجع ويقرأ ماذا فعل قادة الإسرائيليين في الممالك التي غزوها؟ وهل حقا ما فعلوه هو جزء من المدنية التي أشار إليها نائب الرئيس؟ فمذابحهم في التاريخ الحديث إعادة إنتاج لمذابحهم قبل الميلاد: يقول الرب للإسرائيليين وهم على أبواب أرض كنعان- والترجمة شخصية من الإنكليزية: فإذا أدخلك الرب إلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها لترثها، ومن أمامك أمم كثيرة: الحثيون والجرجاشيون والأموريون والكنعانيون والفرزيون والحوبيون واليبوسيون، سبع أمم أكثر وأقوى منك، وأسلمك الرب إلهك بين يديك وضربتهم فحرمتهم تحريما (قتلتهم قتلا) لا تقطع معهم عهدا ولا ترأف بهم ولا تصاهرهم ولاتعط ابنتك لابنه فيغضب الرب عليك ويبيدك سريعا، بل اصنعوا بهم، هكذا تدمرون مذابحهم وتكسرون أنصابهم وتحطمون أوتادهم المقدسة وتحرقون تماثيلهم بالنار، لأنك شعب مقدس للرب إلهك، وأبوك اختار الرب إلهك لتكون شعب خاصته من جميع الشعوب التي على وجه الأرض. (تثنية 17-11: 7).

كل هذه المذابح التي ارتكبت وذكرتها التوراة في أسفارها الهدف منها الحصول على أرض الكنعانيين، وهذا ما دعا الدولة الإسرائيلية الحديثة إلى تسمية أول الصحف التى صدرت في إسرائيل "هآ آرتز" (الأرض).

ما أنتجه الشعب اليهودي من كتّاب وعلماء لا يعفيه من أنهم جاؤوا إلى المنطقة غزاة وقتلة وطغاة
back to top