دمشق تهدّد بإسقاط المقاتلات التركية إذا هاجمت عفرين

واشنطن تتراجع «جزئياً» عن «حرس الحدود الكردي» وأنقرة غير راضية وتوفد مسؤولين إلى موسكو

نشر في 19-01-2018
آخر تحديث 19-01-2018 | 00:05
تجمع لقوات النظام في قرية عبيد جنوب حلب أمس (أ ف ب)
تجمع لقوات النظام في قرية عبيد جنوب حلب أمس (أ ف ب)
مع توتر العلاقات بين القوتين الكبيرتين في حلف شمال الأطلسي واقترابها من نقطة الانهيار، أبدت تركيا ارتيابها من موقف الولايات المتحدة، رغم نفي «البنتاغون» التخطيط لإنشاء «جيش» كردي في شمال سورية، مشددة على أنها ستتدخل في منطقتي عفرين ومنبج وتنسق عمليتها المرتقبة مع روسيا وإيران.
غداة تأكيد مجلس الأمن القومي التركي تجاهل الولايات المتحدة أمن تركيا في دعمها وتسليحها لوحدات حماية الشعب الكردية وأنها سترد على الفور على أي تهديدات من غرب سورية، اعتبر وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو أمس، أن التصريحات الأميركية لتهدئة مخاوف أنقرة من إعلان التحالف الدولي عن شروعه في تدريب قوة حدود جديدة قوامها 30 ألف فرد «غير مطمئنة ولم ترضنا كلياً، وتشكيل جيش من الإرهابيين على الحدود سيدمر العلاقة مع واشنطن.

وقال جاويش أوغلو: «أميركا لم تف بوعودها بمنبج والرقة وارتيابنا منها مستمر، سنتدخل في عفرين ومنبج وأبلغناها بأننا لا نريد أن نواجه حليفاً هناك، وينبغي عليها أن تقطع علاقاتها مع المنظمات الإرهابية وأن تكف عن التعاون معها»، مشيراً إلى تركيا ستنسق مع روسيا وإيران العملية المحتملة في سورية.

وبينما رفع الجيش التركي حالة التأهب إلى أعلى مستوى وقام بإزالة أجزاء من الجدار الحدودي في 12 نقطة مع عفرين، توجه رئيس الأركان خلوصي أكار ورئيس الاستخبارات العامة خاقان فيدان أمس إلى موسكو لبحث الوضع في سورية ومباحثات جنيف وآستانة مع رئيس الأركان الروسي فاليري غيراسيموف.

وفي 22 نوفمبر، التقى أكار نظيريه الروسي والإيراني محمد باقري في سوتشي، عشية قمة ثلاثية في الشأن السوري. وفي ديسمبر الماضي استقبل أكار غيراسيموف في أنقرة.

اجتماع واشتباك

وعقب اجتماع استمر نحو خمس ساعات، طالب مجلس الأمن القومي برئاسة الرئيس رجب طيب إردوغان واشنطن بجمع كل الأسلحة التي أعطتها لحليفتها وحدات حماية الشعب «بدون إبطاء»، متهماً زميلة أنقرة في حلف الأطلسي بتجاهل أمنها وإعلانها «إرهابيين شركاء لها».

ووفق مصادر عسكرية، فإن القوات التركية ردت بالمثل أمس، على مصادر نيران أطلقها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري من مناطق يسيطر عليها باتجاه الأراضي التركية، مبينة أنها أطلقت 40 قذيفة مدفعية باتجاه مناطق صوفان وجنديريس وراجو ومسكنلي التابعة لمدينة عفرين بريف محافظة حلب.

مخاوف مشروعة

وفي محاولة لاحتواء الغضب التركي، أكدت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أنها تدرب قوات أمن محلية من حلفائها في قوات سورية الديمقراطية (قسد) ولا تعتزم إنشاء «جيش» كردي في سورية أو قوة حرس حدود.

وأوضحت «البنتاغون»، في بيان، أن هذه القوات الأمنية تركز على مسائل الأمن الداخلي «من أجل منع مقاتلي داعش من مغادرة سورية وتحسين الأمن في المناطق المحررة»، مشددة على أن «مخاوف تركيا مشروعة، وسنبقى شفافين كلياً معها فيما يتعلق بجهود هزيمة التنظيم. وسنبقى ملتزمين حيال شريكتنا في حلف شمال الأطلسي وجهودها ضد الإرهاب».

سيادة دمشق

في المقابل، حذرت الحكومة السورية تركيا من شن عملية عسكرية في منطقة عفرين، مؤكدة أن دفاعاتها الجوية مستعدة للتصدي لمثل هذا الهجوم.

وقال نائب وزير الخارجية فيصل المقداد، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام رسمية، «نحذر القيادة التركية أنه في حال المبادرة إلى بدء أعمال قتالية في منطقة عفرين، فإن ذلك سيعتبر عملاً عدوانياً وفي حال اعتداء الطيران التركي عليها فيجب عليه ألا يعتبر نفسه في نزهة».

وذكر المقداد​ أن «التحرك التركي يثير قلقنا الكبير وأي عمل عسكري سيقابل بالتصدي الملائم من قبل السوريين»، مشيراً إلى أن «​أنقرة​ تعقد وضعها كأحد رعاة التسوية، إذ تقدم نفسها على درجة واحدة مع المجموعات الإرهابية».

وتابع المقداد: «أؤكد وأرجو أن يسمع الأتراك جيداً، وأن تصل هذه الرسالة بشكل واضح لكل من يهمه الأمر أن عفرين خاصة، والمنطقة الشمالية والشمالية الشرقية كانت منذ الأزل وستبقى أرضاً عربية سورية».

وفي وقت سابق، اعتبرت وزارة الخارجية أن الوجود العسكري الأميركي «غير شرعي وهو اعتداء على السيادة الوطنية وخرق سافر للقانون الدولي»، مجددة تأكيدها على أن «كل ما قامت به الإدارة الأميركية كان وما زال يهدف إلى حماية داعش، وسياساتها تخلق فقط الدمار والمعاناة ومدينة الرقة لا تزال شاهداً على إنجازاتها وتحالفها المزعوم».

سوتشي وفيينا

وغداة إعلان الأمم المتحدة عن جولة جديدة من محادثات السلام بفيينا في 25 و26 يناير، أعلن السفير الروسي لدى واشنطن، أناتولي أنطونوف، أن موسكو قررت توجيه دعوات إلى الولايات المتحدة والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن للمشاركة بصفة مراقبين في مؤتمر الحوار الوطني السوري المقرر في سوتشي في

30 يناير، مؤكداً أن «روسيا مستعدة لزيادة التعاون مع أميركا لتسوية الأزمة سلمياً على أساس القوانين الدولية».

وأشاد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أمس الأول، بـ«السلوك البناء» للهيئة العليا للمفاوضات في محادثات «جنيف 8»، مجدداً دعمه لمعارضة سورية موحدة».

وبعد استقباله وفداً الهيئة برئاسة نصر الحريري في قصر الإليزيه، أكد ماكرون أن «فرنسا ستواصل بذل كل ما هو ممكن مع الدول المعنية من أجل التقدّم نحو عملية انتقال سياسي شاملة في سورية» برعاية الأمم المتحدة.

تيلرسون

كشف وزير الخارجية الأميركي ريكس، أمس الأول، أن جيش الولايات المتحدة لن يبقى في سورية، بهدف هزيمة تنظيم «داعش» بالكامل فحسب، بل أيضاً لمواجهة نفوذ إيران، والمساعدة في نهاية المطاف على دفع الرئيس بشار الأسد خارج السلطة.

في خطاب حدد فيه استراتيجية إدارة الرئيس دونالد ترامب في سورية ألقاه في ستانفورد بولاية كاليفورنيا، قال تيلرسون: «إنه أمر حاسم لمصلحتنا الوطنية أن نحافظ على وجود عسكري ودبلوماسي بسورية»، داعياً إلى عدم «ارتكاب الخطأ نفسه كما في عام 2011»، عندما «سمح الخروج المبكر من العراق لتنظيم القاعدة بأن يبقى على قيد الحياة». وبحسب وزير الخارجية الأميركي، فإن «عدم الالتزام من جانب الولايات المتحدة» من شأنه أن يوفر لإيران «فرصة ذهبية لتعزز بشكل إضافي مواقعها بسورية، يجب التأكد من أن حل هذا النزاع لن يسمح لها بالاقتراب من هدفها الكبير، وهو السيطرة على المنطقة».

ونبه تيلرسون إلى «الانسحاب التام» للأميركيين من سورية «في هذه المرحلة سيساعد الأسد على مواصلة تعذيب شعبه»، معتبراً أن قيام «سورية مستقرة وموحدة ومستقلة يتطلب بنهاية المطاف قيادةً لما بعد الأسد.

وكرر تيلرسون في خطابه مراراً الحديث عن ضرورة «رحيل الأسد» الرئيس، مؤكداً أن الولايات المتحدة لن تعطي دولاراً واحداً لإعادة الإعمار في المناطق التي يسيطر عليها وتشجّع حلفاءها أن يحذوا حذوها.

ونفى وزير الخارجية أي نية لإنشاء قوة تنتشر على الحدود بين سورية وتركيا، مؤكداً أن المسألة لم تطرح بالطريقة الملائمة.

معضلة تركيا في عفرين

تستطيع تركيا أن تتوعد ما يحلو لها بوأد القوة الجديدة التي يهيمن عليها الأكراد، ويريد التحالف الدولي تشكيلها في سورية، لكنها تواجه معضلة دبلوماسية وعسكرية صعبة؛ بسبب مخاطر حصول صدامات مع حليفيها الروسي والأميركي، منذ الإعلان، الأحد، عن تشكيل "القوة الأمنية الحدودية" التي تدربها الولايات المتحدة.

ويقول أرون لوند الخبير في شؤون سورية في مؤسسة "سنتشوري فاونديشن" الأميركية ان "التهديدات التركية بالتدخل تبدو جدية أو على الأقل مسموعة ومتكررة. سيكون من الصعب على إردوغان أن يتراجع في هذه المرحلة". واذ يلاحظ أن الأميركيين "لا يرون أن عفرين تطرح مشكلة بالنسبة اليهم" كونهم يركزون أنشطتهم المتصلة بوحدات حماية الشعب الكردية في المناطق الواقعة الى الشرق منها، يقلل لوند من فرص تورط القوات الأميركية في نزاع محتمل. ويضيف ان "الجيش الأميركي ينفذ في سورية مهمة محددة بمحاربة الإرهاب. إن المشاركة في حروب وحدات حماية الشعب الكردية ضد تركيا أو فصائل أخرى معارضة لا تدخل في نطاق مهمته".

ويقول آرون شتاين من "المجلس الأطلسي" ان الشعور السائد في واشنطن أن ما يجري هو استعراض تركي وأنه لا يمكن فعل اي شيء لردع اردوغان عن إرسال جيشه ليتوغل في الجانب الآخر من الحدود إذا قرر ذلك".

ويضيف ان اردوغان "يهدد منذ سنة باجتياح سورية مرة واحدة على الأقل كل اسبوع. وهذه المرة، الأمر مختلف؛ لأن خطابه أكثر تحديداً بكثير وموجه ضد الولايات المتحدة. أعتقد أنه سينفذ تهديده، لكن لا أحد يعرف حجم العملية المحتملة".

يقول شتاين إن "القوة الخارجية الوحيدة القادرة على منع حدوث اجتياح تركي في هذه المرحلة هي روسيا"، من جهته، يستبعد المحلل العسكري في مركز السياسات في اسطنبول والكاتب في موقع "ال مونيتور" متين غورشان شن هجوم تركي الا في حال "فتحت روسيا مجال عفرين الجوي أمام تركيا (...) وسحبت جنودها" المنتشرين في المنطقة. ويضيف: "هل تجرؤ تركيا على مهاجمة عفرين من دون ضوء أخضر من روسيا؟ الجواب بالنسبة إلي هو بالتأكيد لا".

back to top