الأغلبية الصامتة: ارتخاء

نشر في 18-01-2018
آخر تحديث 18-01-2018 | 00:09
التراخي وعدم المسؤولية واللامبالاة التي نعيشها كفيلة بتضييع كل شيء في لحظة، لأن "المرتخي" لا يستطيع الاعتماد على "المرتخي"، فهل المطلوب الشدة وضبط الناس بالقوة؟ على الإطلاق ليس هذا هو القصد، المطلوب حد أدنى من الانضباط، حد أدنى من الشعور بالمسؤولية، حد أدنى من وجود "الصح" في المكان "الصح".
 إبراهيم المليفي من الدروس التي جنيتها من العمل الصحافي، وهي بالمناسبة لا تعدّ ولا تحصى، درس "الانفصام" بين التصريح والواقع، وأعني وجود هوة كبيرة بين كلام من يصرح وشعاراته وبين التطبيق الفعلي لذلك الكلام، والبداية كانت صدمة هائلة لأن عملي الصحافي بدأ بتغطية أخبار الجامعة، وهو يعني تعاملي مع ثلاثة نماذج: أستاذ وطالب ومسؤول.

إن جنوح الطلبة، خصوصا في فترة الانتخابات، إلى استعمال كل أسلحة الكلام أمر مفهوم لحداثة أعمارهم ولطبيعة أجواء المنافسة، الشيء الذي صعقني وجعلني أمسك بأحد أساسات الخلل في هذا المجتمع هو الأستاذ الجامعي الذي يمارس "الواسطة" في الخفاء وفي العلن، وهو أول من يحاربها، والمذهل يتجلى في "السلوكيات" خارج القاعة الدراسية وخارج أسوار الجامعة وخارج حدود الكويت، لقد رأيت وسمعت العجب ممن يفترض فيهم القدوة، وأقر أن درس "الانفصام" زاد معاييري في استقبال أي خطاب، وزاد من احترامي لكل صريح باطنه كظاهره.

ما سبق قد يبدو أنه عن الانفصام خصوصاً لدى المعلمين الذين ننبهر بهم عادة في أول حياتنا، والحق أن موضوعي هو الآثار السلبية لوجود النماذج السلبية في المواقع التي يكون الشرط الأول فيها هو النزاهة لا النسب والشهادة وصفّ الكلام، هذا الوضع أفرز حالة الارتخاء والإهمال وتأسيس بيئات الفساد في جميع أرجاء مفاصل الدولة، إذ لم تعد هناك أدنى معايير يتم احترامها في أي بيئة عمل، والفوضى أصبحت متوقعة في أي موقع، ووسائل التواصل الاجتماعي تجاوزت ما كانت الصحف "تدفنه" من أخبار وصور تعكس حالة الارتخاء والتراخي.

هل تريدون أمثلة أو أسئلة تقود إلى جوابها؟ من يضمن عدم تصوير أوراقنا ووثائقنا الرسمية بعد أن نسلمها لأهم وأعلى الجهات؟ هل تثقون بأن ما نقوله تحت بند إدلاء بشهادة أو تحقيق مؤمن عليه؟ حدودنا البحرية والبرية ومطارنا ألستم تقولون إن "الحافظ الله" والقصد أن الله حافظنا وساتر عيوب الكثيرين؟ كم مرة ومرة سمعت أن الأوراق ضاعت والملف مفقود؟ أعتقد يكفي.

تريدون الصدق هذا الوضع من التراخي وعدم المسؤولية واللامبالاة كفيل بتضييع كل شيء في لحظة لأنه "المرتخي" لا يستطيع الاعتماد على "المرتخي"، إذاً المطلوب الشدة وضبط الناس بالقوة؟ على الإطلاق ليس هذا هو القصد، المطلوب حد أدنى من الانضباط، حد أدنى من الشعور بالمسؤولية، حد أدنى من وجود "الصح" في المكان "الصح"، شيء قليل نبدأ به كي نقلل حالة الضحك الهستيري عندما نشاهد خطابا في التلفزيون فيه عبارات مثل دولة القانون وتكافؤ الفرص وسرعة الإنجاز.

back to top