معضلة باكستان

نشر في 16-01-2018
آخر تحديث 16-01-2018 | 00:06
يجب أن يستمر الدعم الاقتصادي والإنساني بالتدفق على باكستان،
و مع مراقبة لصيقة لكيفية إنفاق تلك الأموال ربما يكون بعض التعاون المحدود في مواجهة الإرهاب في أفغانستان ممكناً، وحتى نقلل من فرصة نشوب حرب بين الهند وباكستان يجب على الولايات المتحدة الأميركية أن تستمر في العمل مع البلدين.
 بروجيكت سنديكيت لقد قيل إن هارولد براون وزير الدفاع الأميركي إبان فترة حكم الرئيس جيمي كارتر قد وصف سباق التسلح بين الولايات المتحده والاتحاد السوفياتي بهذه العبارات: "عندما نبني هم يبنون وعندما نتوقف عن البناء هم يبنون".

إن وضع العلاقات الحالية مع باكستان حسب المنظور الأميركي يشبه ذلك القول إلى حد كبير، فعندما ندعم باكستان، هم يقومون بأشياء لا نحبها، وعندما نعاقب باكستان هم يقومون بأشياء لا نحبها.

إن الماضي حسب المنظور الباكستاني يتألف في معظمه من قصص الخيانات المتعددة، حيث تقوم الولايات المتحدة بالاقتراب من باكستان لفترة ما، ومن ثم تقطع المساعدات عنها عندما يحين الوقت المناسب حسب ما يراه القادة الأميركيون، فعلى سبيل المثال سلحت الولايات المتحدة الأميركية المجاهدين الذين قاتلوا السوفيات في أفغانستان المجاورة في الثمانينيات، لكنها تخلت عن المنطقة بعد وقت قصير من الخروج العسكري السوفياتي سنة 1989، ولكن هذا الطرح الباكستاني يتعمد إغفال نقطة أن تطوير باكستان للأسلحة النووية، والذي شكل انتهاكا للقانون الأميركي هو الذي استلزم سحب المساعدات.

لقد تم استئناف معظم المساعدات الأميركية في السنوات اللاحقة، ولكن انعدام الثقة المتبادل بقي، وهذا يعود جزئيا إلى أن الأب الروحي للبرنامج النووي الباكستاني (من المحتمل بمعرفة الحكومة) عمل على مساعدة البرامج النووية لليبيا وكوريا الشمالية وإيران وتشجيعها.

لقد تحسنت العلاقات بين البلدين بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، حيث وجهت إدارة الرئيس جورج بوش الابن إنذارا نهائيا للحكومة الباكستانية، وهو الاختيار بين علاقتها مع الولايات المتحدة الأميركية وعلاقتها مع طالبان، والتي فتحت الأراضي الأفغانية للقاعدة. وقد وعدت باكستان بأن تكون شريكة في الحرب على الإرهاب، حيث تمت مكافأتها سنة 2004 عندما تم اعتبارها "حليفا رئيسا من خارج حلف الناتو"، مما أهل باكستان للحصول على أكثر المعدات والتقنيات العسكرية تطورا.

واليوم هناك رئيس أميركي آخر يشعر بالإحباط من باكستان، ولكن عوضا عن إبلاغ الرسالة خلف الأبواب المغلقة في واشنطن أو إسلام أباد، اختار دونالد ترامب أن يقول وبشكل علني: "إن الولايات المتحدة قدمت بغباء لباكستان أكثر من 33 مليار دولار أميركي على شكل مساعدات خلال السنوات الخمس عشرة المنصرمة، ولم يقدموا لنا شيئا بالمقابل سوى الكذب والخداع، وكأنهم يعتقدون أن قادتنا هم مجموعة من الأغبياء، لقد قدموا الملاذ الآمن للإرهابيين الذين نطاردهم في أفغانستان بدون مساعدة تذكر، وإن هذا يجب أن يتوقف".

لو سألوني– علما أنه لم يتم سؤالي– لكنت قد أوصيت بنقل مثل هذه الرسالة من خلال القنوات الدبلوماسية لأن النقد العلني والمشحون سيصعب الأمر على باكستان لتغيير مسار سياستها- على افتراض أن ذلك هو الهدف الأميركي- خشية أن ينظر إليها كدولة عميلة، ولكنت عارضت كذلك قطع العلاقات الأمنية، وأيدت ربط الدعم الأميركي بأفعال باكستانية محددة.

إن الخطأ الكبير الذي ارتكبته الولايات المتحدة الأميركية بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر هو التعامل مع باكستان وكأنها دولة حليفة، لأنه مع الدول الحليفة فإن من الممكن الافتراض أن هناك درجة كبيرة من تداخل السياسات، ولكن مع باكستان لا يوجد مثل هذا الافتراض.

تمتلك باكستان واحدة من أسرع الترسانات النووية نموا، وهي موطن أكثر الإرهابيين خطورة على مستوى العالم (بمن في ذلك ولبعض الوقت أسامة بن لادن)، كما ذكر ترامب أنها توفر الملاذ لطالبان التي تفعل ما بوسعها لزعزعة الاستقرار في أفغانستان، وإن السياسة الباكستانية لا تهدد خمسة عشر عاما من الجهود الأميركية في أفغانستان فحسب، ولكن أيضا حياة آلاف الجنود الأميركيين الذين ما زالوا متمركزين هناك.

لكن حتى علاقة محسوبة وتبادلية بشكل أكبر لن تؤدي إلى جعل الولايات المتحدة الأميركية أقرب لباكستان، وهي دولة ديمقراطية بالاسم فقط، وذلك نظرا للهيمنة السياسية للأجهزة العسكرية والاستخباراتية فيها، فباكستان تريد أن تؤدي طالبان دورا مهيمنا في أفغانستان، وهذا شيء لا تريده الولايات المتحدة الأميركية لأسباب عديدة.

بالإضافة إلى ذلك عززت الولايات المتحدة الأميركية في السنوات الأخيرة علاقاتها مع الهند المنافسة الرئيسة لباكستان، علما أن الكثير من الزخم الاقتصادي والاستراتيجي اليوم يعزز من تلك العلاقة، فأصبحت الصين وبشكل متزايد الحليف الطبيعي لباكستان، وهي تستثمر بالفعل وبشكل مكثف في البنية التحتية الباكستانية، كما أصبحت مصدرا رئيسا للمعدات العسكرية، وإن الصين كذلك تشعر بالقلق من الهند التي ستتفوق عليها قريبا في حجم السكان، كما أصبحت منافسا اقتصاديا واستراتيجيا لها، علما أن هناك نزاعات حدودية بينهما.

لكن يجب ألا تستبعد الولايات المتحدة الأميركية باكستان، فالأوضاع السيئة يمكن أن تزداد سوءا، واليوم باكستان هي دوله ضعيفة، وغدا يمكن أن تصبح دولة فاشلة، وهذا قد يشكل كابوسا إقليميا وعالميا، وذلك نظرا لوجود الأسلحة النووية والإرهابيين.

وهكذا يجب أن يستمر الدعم الاقتصادي والإنساني بالتدفق على باكستان، ولكن بمراقبة لصيقة لكيفية إنفاق تلك الأموال ربما يكون بعض التعاون المحدود في مواجهة الإرهاب في أفغانستان ممكناً، وحتى نقلل من فرصة نشوب حرب بين الهند وباكستان، يجب على الولايات المتحدة الأميركية أن تستمر في العمل مع الهنود والباكستانيين لتقوية علاقتهم "التي لا تزال أقل تطورا بكثير مقارنة بالعلاقات الأميركية السوفياتية في ذروة الحرب الباردة".

ربما سيكون من المنطقي بالنسبة إلى باكستان أن تصبح جزءا اعتياديا من الأجندة الأميركية الصينية، فالولايات المتحدة الأميركية والصين تناقشان سيناريوهات مختلفة على شبه الجزيرة الكورية تتعلق بقواتهما والأسلحة النووية وانعدام الاستقرار المحلي، وإن إجراء محادثات تتعلق بكيفية تجنب حدوث أزمة تضم باكستان وكيفية إدارة مثل تلك الأزمة في حال فشلت الوقاية هي أيضا مسألة ملحة كذلك.

* ريتشارد ن هاس

* رئيس مجلس العلاقات الخارجية، أحدث كتبه "عالم في حالة فوضى".

«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»

الولايات المتحدة سلحت المجاهدين الذين قاتلوا السوفيات في أفغانستان في الثمانينيات لكنها تخلت عن المنطقة بعد وقت قصير

إجراء محادثات تتعلق بتجنب حدوث أزمة مع باكستان وإدارة تلك الأزمة في حال فشلت الوقاية منها إحدى المسائل الملحة

الولايات المتحدة الأميركية عززت في السنوات الأخيرة علاقاتها مع الهند المنافسة الرئيسة لباكستان
back to top