سنة صعبة على «فيسبوك»

نشر في 14-01-2018
آخر تحديث 14-01-2018 | 00:12
يسعى مارك زوكربيرغ إلى تحسين صورة «فيسبوك»، وتقليل الضغوط على الشركة، وهو التحدي الذي اختاره لعام 2018، والذي يحتاج جهداً كبيراً لاجتياز الضغوط التي يواجهها، ومنها اتهامه بأنه منصة للكراهية، وانحيازه السياسي، و«سرقة» المحتوى من بعض وكالات الأنباء، والأخبار الزائفة.
 ياسر عبد العزيز يسعى الشاب مارك زوكربيرغ إلى أن يظل دوماً في موضع الإلهام، إلى جانب اهتمامه الرئيس المنصب على تعزيز مداخيل موقع "فيسبوك" الشهير، باعتباره مؤسسه، ورئيسه التنفيذي.

ورغم أنه يبدو، حتى وقتنا هذا، ناجحاً بامتياز في كلتا المهمتين، فإن الأيام المقبلة ستكون صعبة عليه وعلى موقعه الذي يملأ الدنيا ويشغل الناس.

وعلى صعيد الإلهام، فقد دأب هذا الشاب المميز على أن يعلن تحدياً سنوياً في مطلع كل عام، حيث يختار شيئاً يكرس سمة إيجابية، يريد من خلالها إثبات رقي مناقبه من جانب، وتشجيع الآخرين على انتهاج سلوكيات مماثلة من جانب آخر، ومن ذلك مثلاً أنه تعهد في أحد الأعوام بقراءة 25 كتاباً، وفي عام آخر بالركض ميلاً كل يوم، وفي عام ثالث بتعلم لغة جديدة.

لكنه مع بدء العام الجاري 2018، لم يجد أفضل من "تطوير فيسبوك" ليكون تحدياً جديداً؛ وهو أمر يعكس مدى حدة الضغوط التي تُمارس ضد شركته، بعدما زادت المشكلات الناجمة عن أدائها ونزعتها الربحية.

وبالفعل، لم يكد العام يبدأ، حتى أعلن الموقع، الذي يبلغ عدد مستخدميه نحو ملياري مستخدم، أنه سيجري تعديلات على طريقة عرض الأخبار والمنشورات، من جهة الأفضلية، بشكل يقلل من إمكانية عرض المنشورات ذات الطبيعة التجارية، لمصلحة الإفادات التي ترد من العائلة والأصدقاء المقربين وتسهم في تكريس الروابط الاجتماعية.

يريد الموقع أن يقول إنه يضحي بالربح الذي يعود عليه من جراء إفساح المجال أمام العروض التجارية في المحتوى الذي يعرضه على جمهوره، في مقابل تعظيم العائد الاجتماعي.

يسعى زوكربيرغ إذاً إلى تحسين صورة "فيسبوك"، وتقليل الضغوط على الشركة، وهو التحدي الذي اختاره لعام 2018، والذي يحتاج جهداً كبيراً لاجتيازه.

فما الضغوط التي يواجهها موقع التواصل الاجتماعي الأشهر؟

أولاً: منصة للكراهية

تتوالى الاتهامات لـ"فيسبوك" لأنه تحول أحياناً، مع غيره من منصات التواصل الاجتماعي الشهيرة، إلى منصات لبث محتوى يثير الكراهية ويحرض على العنف، إلى درجة دعت وزير الأمن البريطاني بن والاس، قبل أيام، إلى انتقاد الشركة بسبب "تباطؤها في حذف المحتوى المشجع على التطرف"، كما طالب بتطبيق عقوبة ضريبية، في حال إخفاقها، وغيرها من شركات التواصل الاجتماعي، في ضبط المحتوى من خلال بذل المزيد من الجهد في التدقيق والمتابعة.

تعاني بريطانيا بسبب دور متصاعد لشبكات التواصل الاجتماعي في بث المحتوى المحرض على التطرف والعنف، حتى إنها احتلت المرتبة الأولى ضمن دول أوروبا لجهة التعرض للمحتوى المتطرف عبر تلك الوسائط، والمرتبة الخامسة بين دول العالم.

ألمانيا أيضاً تشن حملة على "فيسبوك" وبقية شركات التواصل الاجتماعي، إذ تسعى إلى تطبيق قانون يهدف إلى إجبار "فيسبوك" و"تويتر" على الخضوع لشرطة "مراقبة المحتوى"، فضلاً عن الاتجاه لتوقيع غرامة تصل إلى 50 مليون يورو على الشركة التي تخفق في رصد وحذف المحتوى المرتبط بالتحريض على العنف والدعوة إلى النازية.

ثانياً: الانحياز السياسي

الاتهامات لـ"فيسبوك" بتأدية أدوار سياسية تتخطى الترويج للعنف، والعمل أحياناً كمنصة للحشد والتأييد أو استقطاب العناصر المتطرفة وتجنيدها لمصلحة الجماعات الإرهابية، إذ ثمة الكثير مما يقال عن انحيازات سياسية لمصلحة تيارات بعينها على حساب تيارات أخرى.

وفي الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، رصدت مراكز بحوث معتبرة ما اعتبرته انحيازاً من جانب "فيسبوك" لمصلحة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون على حساب المرشح الجمهوري (الرئيس لاحقاً) ترامب، وهو الانحياز الذي تجسد في "اختيارات مواد تصب في مصلحة الديمقراطيين وتعزيز وجودها على المنصة"، وهو الادعاء الذي وجد القائمون على "فيسبوك" أنه جدير بالمناقشة، كما وعدوا باتخاذ خطوات للحد من آثاره.

لم تتوقف تلك الاتهامات أبداً، وصولاً إلى إعلان لجنة التجارة في مجلس الشيوخ الأميركي فتح تحقيق في 9 يناير الجاري بخصوص طريقة تعاطي "فيسبوك" مع الأخبار، مطالبة بالرد على سؤال بشأن "التلاعب بالقصص الأكثر رواجاً بشكل لا يخدم صورة المحافظين".

ثالثاً: «سرقة» المحتوى

في شهر ديسمبر الماضي تقدمت تسع وكالات أنباء أوروبية كبرى بطلب إلى الاتحاد الأوروبي لبحث إمكان فرض بدل مالي على شركات التواصل الاجتماعي النافذة، وعلى رأسها "فيسبوك"، يتم دفعه لتلك الوكالات لتعويضها عن استخدام المحتوى الذي تنتجه وتنفق مبالغ كبيرة على جمعه، ليقوم "فيسبوك"، وغيره من المنصات، بعرضه والتربح منه من دون بذل مجهود أو دفع نفقات.

من المنتظر أن يتخذ الاتحاد الأوروبي خطوة إيجابية على هذا الصعيد، خصوصاً أن تلك المشكلة تهدد وسائط الإعلام التقليدية، وجامعي الأخبار الكبار، بالفناء؛ إذ يتم تقويض قدراتهم المالية عبر حرمانهم من عائدات الإعلان عن عملهم، ودفعها عوضاً عن ذلك إلى شركات مثل "فيسبوك"، الذي جنى أرباحاً بلغت عشرة مليارات دولار أميركي في 2016، ومن المنتظر أن تبلغ 12 ملياراً في 2017، باعتبار أنها تزيد سنوياً بنسبة 20%، من دون أن يوظف صحافيين، أو يمتلك ماكينات جمع أخبار.

رابعاً: الأخبار الزائفة

أما الاتهام الرابع الذي يديم الضغوط على "فيسبوك"، وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي الشهيرة، فيتعلق بتحولها، كما يقول نقاد، إلى منصات لبث الأكاذيب والأخبار المضللة.

وكما كان مصطلح "ما بعد الحقيقة" هو المصطلح الأكثر تمتعا بالاهتمام في القواميس الإعلامية لعام 2016، فإن مصطلح "الأخبار الزائفة" Fake News كان مصطلح عام 2017.

لا يبدو أن "فيسبوك" اتخذ الإجراءات اللازمة للحد من الأخبار الزائفة التي تبث عبره، وهو لينجح في ذلك في حاجة ماسة إلى تخصيص جزء من أرباحه لتوظيف مشرفين ومراجعين، وإلى أن يوازن بين رغبته في النشر (إعلاء لقيمة حرية الرأي والتعبير)، وبين مقتضيات الأمن والسلام.

بتلك الضغوط يصبح التحدي أمام "فيسبوك" كبيراً، بشكل يحتاج قدراً من التعقل والمرونة والرشد في إدارة تلك الآلة الجامحة والمبهرة والخطيرة في آن.

* كاتب مصري

«فيسبوك» الذي يبلغ عدد مستخدميه نحو ملياري مستخدم أعلن أنه سيجري تعديلات على طريقة عرض الأخبار والمنشورات
back to top